منذ أسبوعين، قضيت بعض الوقت في كتابة التقارير بولاية كارولينا الشمالية، وهي ولاية مؤيدة للحزب الجمهوري عُرف عنها التأرجح لتأييد الحزب الديمقراطي من وقت لآخر.
لقد أجريت محادثة رائعة مع أحد المديرين التنفيذيين في مجال التصنيع، الذي قال لي: “أحيانًا نصوت للديمقراطيين، وأحيانًا نصوت للجمهوريين، لكننا دائمًا نصوت لصالح التجارة”.
وكان يشير على وجه الخصوص إلى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، ما أدى إلى تدمير مجالات معينة من الصناعة الأمريكية.
في حين أن هذا الرجل المحترم صوت لدونالد ترامب في الانتخابات الماضية، فقد كان أيضًا مؤيدًا لسياسات الرئيس جو بايدن التجارية، والتي لم تكن تتعلق فقط بالرسوم الجمركية ولكن أيضًا حول معايير العمل والبيئة الأعلى في أي صفقات تجارية جديدة.
حقيقة أن كلا من الجمهوريين والديمقراطيين يعيدون التفكير في السياسة التجارية التي تقول شيئاً مهماً عن الجغرافيا السياسية لدينا، فقد انتهت فكرة أن التجارة كانت في الأساس طريقًا إلى السلام والوحدة العالميين ووسيلة ضرورية لتحقيق التوازن بين الاهتمامات المحلية والعالمية.
نحن ندخل حقبة جديدة، حيث لم تعد مفاهيم مثل “نهاية التاريخ” لفرانسيس فوكوياما أو نظرية “الأقواس الذهبية” لتوماس فريدمان ذات صلة.
كل هذا تم التعبير عنه ببلاغة في خطاب ألقته نائبة رئيس الوزراء الكندي، كريستيا فريلاند، الأسبوع الماضي في معهد بروكينجز في واشنطن العاصمة.
دعت فريلاند، إلى وضع حد لافتراضات بانجلوسيان القائلة بأن التجارة الحرة ستجعل بالضرورة الدول حرة، ووضع نهجاً أكثر وضوحاً للرأسمالية العالمية والدبلوماسية في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا ودعم الصين لروسيا.
وكانت محقة في قولها: “لقد أدرك العمال في ديمقراطياتنا منذ فترة طويلة أن التجارة العالمية دون قواعد قائمة على القيم لحكمها، تجعل شعوبنا أكثر فقرًا وبلداننا أكثر ضعفًا. لقد عرفوا منذ فترة طويلة أنها أثرت الأثرياء، ولكن ليس الشعب”.
لقد أوجد نظام العولمة الليبرالية الجديدة لدينا ثروة على نطاق عالمي خلال نصف القرن الماضي أكثر من أي وقت مضى، ولكن كان هناك أيضًا نمو هائل في عدم المساواة داخل العديد من البلدان، وهناك بحث يظهر أن الكيانات التي استفادت أكثر من العقود العديدة الماضية من العولمة كانت الشركات متعددة الجنسيات والدولة الصينية – أو بشكل أكثر تحديدًا، الأشخاص الذين يديرونها.
كان أداء الأوتوقراطيين جيداً أيضاً، غالباً باستخدام التجارة والتبادل التجاري كأسلحة في الصراعات الجيوسياسية، قالت فريلاند: “بعد فوات الأوان، من الواضح أن تعيين جيرهارد شرودر في مجلس إدارة روسنفت كان عنصرًا أساسيًا في تخطيط بوتين للحرب مثل أي تدريب عسكري”.
وبالمثل، قيدت الصين الصادرات النرويجية من الأسماك عندما مُنحت جائزة نوبل للناشط في مجال حقوق الإنسان ليو شياوبو، وحُظرت الصادرات الكندية من لحم الخنزير والكانولا عندما كرمت كندا معاهدة تسليم المجرمين مع الولايات المتحدة واحتجزت المديرة المالية لشركة “هواوي”.
كل هذه الأشياء، مثل تخزين الأقنعة في بكين في أعقاب كوفيد، مفهومة من منظور صيني، ومن المؤكد أن الغرب مذنب بتوجهاته التجارية والمعاملات التاريخية الخاصة به. لطالما اعتقدت أن احتضان أمريكا لدخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية يتعلق بالضغط على الشركات الأمريكية أكثر من ارتباطه بأي إيمان حقيقي بإمكانية التغيير السياسي.
النقطة الأهم هنا هي أن النظام الحالي للعولمة الاقتصادية لن يحل الخلافات السياسية بطريقة سحرية. نحن نتجه نحو نموذج جديد لما بعد الليبرالية الجديدة حيث تصبح القيم، بدلاً من مجرد “الأسعار المنخفضة اليومية”، حسبما يقول شعار وول مارت للبيع بالتجزئة، اعتباراً أكثر أهمية في قرارات السياسة الاقتصادية.
سيأتي التغيير مع التحديات، لقد سُئلت مؤخرًا على شاشة التلفزيون كيف يمكن للأشخاص الذين يعيشون على 25000 دولار سنويًا في الولايات المتحدة أن يسيروا في عصر جديد من التضخم.
ومع ذلك، إذا سألت هؤلاء الأشخاص عما إذا كانوا يفضلون الحصول على سلع رخيصة أكثر من أمازون أو وظيفة من شأنها أن تغطي تكاليف التعليم والرعاية الصحية والإسكان، سيختارون الأخيرة.
خلق هذه الوظائف هو فرصة العصر الجديد، وفي خطابها، عرضت فريلاند إمكانات تأسس نادي “دعم الأصدقاء”، بحيث لا ينبغي أن يكون هذا النادي مغلقًا، بل يجب أن يكون مفتوحًا لأي عدد من البلدان التي ستلعب وفقًا للقواعد.
يجب أن يكون أيضا أخضر، إذ إن الانتقال إلى التكنولوجيا النظيفة هو النموذج الكلاسيكي “للفقاعة الإنتاجية”، حيث يؤدي الدعم الحكومي إلى وجود تكنولوجيا تحويلية يتم خصخصتها بعد ذلك من قبل شركات من جميع الأحجام (وليس فقط الاحتكارات الكبيرة الراسخة)، وهو ما سيخلث نمو مستدام ومشترك.
لدى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك فرصة حقيقية هنا، هناك الكثير من الشركات الناشئة الكندية والأمريكية التي تمتلك ملكية فكرية مهمة في قطاع البطاريات الخضراء، على سبيل المثال، وإذا تمكنوا من العمل معًا والاستفادة من القدرة التصنيعية والطلب في كل من الولايات المتحدة والمكسيك، فيمكنك أن ترى فوزًا لكل من الاقتصاد وكوكب الأرض.
واستراتيجية دعم الأصدقاء سيكون لها تحدياتها. لكنني أشك في أنها ستكون أصعب أو أكثر خطورة من الاعتماد على الحكام المستبدين للحصول على الطاقة وعلى جزيرة واحدة مثيرة للجدل الجيوسياسي، تايوان، للحصول على معظم أشباه الموصلات في العالم، فدعونا نبدأ العصر الجديد.
بقلم: رنا فوروهار، كاتبة مقالات رأي حول الشركات العالمية ومحرر مشارك في مكتب صحيفة “فاينانشال تايمز” في الولايات المتحدة.