خبراء: الاستثمار العربى فى الزراعة المصرية ضعيف.. والفرص جيدة
مصادر: شركات الخليج تهتم بالزراعات شرهة المياه لتصديرها إلى بلادها
لا يمثل الاستثمار فى القطاع الزراعى المصرى أهمية قصوى للمستثمرين الأجانب بشكل عام فى الآونة الأخيرة، وبالنظر إلى الاستحواذات الأخيرة التى دخلت إلى السوق المصرى من دول الخليج ولها علاقة بالزرعة، سنجد أنها اهتمت أكثر بشق تصنيع مدخلات الإنتاج كالأسمدة، فهل تمتد فكرة الاهتمام بالتصنيع إلى المنتجات الزراعية نفسها؟.. وما هو شكل الفرص؟.
وفقًا لأساتذة اقتصاد زراعى ومستثمرين فى القطاع، يرجع ضعف الاستثمار الأجنبى فى الزراعة المصرية إلى سببين، إما إلى طبيعة القطاع الزراعى بشكل عام فى كل الدول، أو إلى وضع الزراعة المصرية نفسها، من حيث توافر المياه وطبيعة عمليات استصلاح الأراضى الصعبة فى مصر من وجهة نظر بعضهم.
ومن المنطلق نفسه، ربط خبراء بين الاهتمام بالتصنيع الزراعى لأكثر من 5 ملايين طن حاصلات تُصدر فى صورتها الخام، وبين تطور الإنتاج مع تحسن عامل القيمة المضافة، بالإضافة إلى المحافظة على هدر جزء كبير من المنتجات الزراعية نفقده على طول سلاسل القيمة يُقدر بمليارات الجنيهات سنويًا.
ومن ناحية أخرى، يرون أن تهيئة المناخ لدخول شركات أجنبية لتصنيع المنتجات الزراعية قد يدفعهم فى المستقبل لشراء أراضى جديدة لاستصلاحها بهدف التكامل، لكن سيحتاج المستثمرين إلى حوافز قوية أهمها آليات التسعير المناسبة مع الوضع فى الاعتبار صعوبة الاستثمار الزراعى وانخفاض عوائده مقارنة بالقطاعات الأخرى التى تُدر عوائد أفضل وسريعة الأجل.
كما أن اعتماد المستثمرين على توفير جزء أو كل خامات الحاصلات عبر أراضيهم بهدف تصنيعها قبل التصدير، سيُقلل من أعباء حلقات التداول، وسيخفف من تكاليف الإنتاج والتصنيع وبالتالى زيادة فى الأرباح، وجاذبية أقوى للمزيد من الاستثمارات بصورة سنوية، ولدينا فى مجموعة «الغرير» الإماراتية مثالا يُحتذى به، بعد تخصيص أكثر من 180 ألف فدان لصالحها بهدف تصنيع سكر البنجر.
صيام: مشروع الريف المصرى متاح أمام الجميع وبه جميع الامتيازات الزراعية
ووصف جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، الاستثمارات الأجنبية فى القطاع الزراعى المصرى بأنها ضعيفة بشكل عام، خاصة الاستثمار الخليجى والعربى، الذى يرى أنه يهتم أكثر بمنطقة توشكى، وطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى فقط، فيما عدا ذلك لم نشهد استثمارات أجنبية قوية.
وأضاف: «حتى فى مشروع شركة الريف المصرى لاستصلاح 1.5 مليون فدان، لم نشهد استثمارات أجنبية أو عربية مناسبة، رغم أن حملات تسويق المشروع أوضحت أن أكثر من 80% من الأراضى للاستثمار الأجنبى سواء بشكل كامل أو بالشراكة مع مستثمرين مصريين».
وأوضح أن مشروع الريف المصرى متاح أمام الجميع، وبه جميع الامتيازات الزراعية من حيث وفرة المياه الجوفية والتراكيب المحصولية الملائمة لكل منطقة.
وقال صيام: “لا يمكننى الجزم بأفضلية المناخ الاستثمارى فى مصر خلال الفترة الحالية، فهو لايزال بحاجة إلى المزيد من الحوافز والتسهيلات على مستوى الإجراءات بشكل كامل حتى يمكن جذب المستثمرين الأجانب إلينا فى السنوات المقبلة”.
وتسائل: «بالنظر إلى ما يحدث فى قطاع الدواجن حاليًا وارتفاع تكاليف الإنتاج بصورة كبيرة على خلفية نقص الخامات اللازمة لصناعة الأعلاف التى تمثل 70% تقريبًا من مدخلات الإنتاج، كيف سنطلب من المستثمرين الأجانب دخول مصر وضخ أموال جديدة فى الصناعة دون ضبط معايير عملها وتوفير احتياجاتها؟».
وأوضح أن السعودية لا تزرع خامات الأعلاف، وتوفرها عبر الاستيراد، لكن لديها آليات لضبط الأسواق تُحافظ على المنتجين وبالتالى مستمرة فى أعمالها وتتحسن للأفضل بمرور الوقت.
وأضاف أن الاستثمارات التى دخلت الفترة الأخيرة، اهتمت أكثر بقطاع الأسمدة، وهو شق تصنيعى وليس زراعى، وإن كان متعلقا بمستلزمات الإنتاج الزراعية، فى إشارة إلى استحواذ الصندوق السيادى السعودى على 25% من أسهم شركة موبكو للأسمدة، وحصة أخرى فى شركة أبوقير للأسمدة.
وقال صيام إن الاستثمار الأجنبى العربى مثل أى استثمار آخر، يبحث عن الربح فى النهاية، والاستثمار فى الزراعة بطبعه قليل الربحية مقارنة بقطاعات أخرى، لذا ستهتم الاستثمارات الأجنبية أكثر بالقطاعات الصناعية الأكثر ربحية، لكن فى حال تقديم حوافز أقوى فى الزراعة قد يختلف الوضع.
واعتبر أن واحدًا من أبرز الحلول لجذب المستثمرين الأجانب للزراعة المصرية هو الاهتمام بتهيئة مناخ استثمارى أفضل لمشروعات التصنيع الزراعى، واستغلال عامل القيمة المضافة على أكثر من 5 ملايين طن من الصادرات الزراعية التى تُشحَن فى صورتها الخام، ووفقًا لتقديرات المجلس التصديرى للصناعات الغذائية، فإن مصر لا تُصنع أكثر من 10% من إنتاجها الزراعى، وهذه نسبة ضعيفة جدًا.
وأكدت مصادر فى القطاع الزراعى، رفضت ذكر اسمها، أن الاستثمار الأجنبى فى قطاع الزراعة فى صورته الحالية، ليس أكثر من تصدير للمياه، واستمرار الوضع يعنى أنه لا يجب أن يكون ضمن أولويات الدولة فى جذب الاستثمار الأجنبى، فمصر أولى بمواردها المائية وسط ندرتها الحالية، لكن إذا كانت الاستثمارات ستهتم بالتصنيع سيكون هذا وضعًا أخر.
وأضافت أن جزءا كبيرا من الاستثمارات الخليجية فى مصر يُركز على زراعة محاصيل شرهة للمياه، ويتم تصديرها، مثل البرسيم، وتنتشر فى منطقة توشكى، وهى مسألة يجب مراجعتها لأن الموارد المائية باتت نادرة، لذا يجب التعامل معها بحذر.
ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” فإنه رغم تحسن الإنتاجية الزراعية، لاتزال مصر تواجه قيودا كبيرة على استخدام المياه والأراضى، ما يحد من إنتاجها الغذائى المحلى، وتقدر الأمم المتحدة أن عدد سكان مصر سيرتفع بنسبة 60% إلى أكثر من 150 مليونًا بحلول عام 2050.
واعتبرت المصادر، أن جذب الاستثمارات الأجنبية فى التصنيع الزراعى تحت مناخ جيد سيرفع من احتمالية توجه المستمثرين إلى شراء أراضى جديدة فى المسقبل لزراعتها، ما سيضمن استصلاح مساحات جديدة بقيمة مُضافة أعلى، لكن ماذا عن الخطط الحقيقية لتقنين أوضاع الأراضى الجديدة، خاصة بعد سحب مساحات كبيرة الفترة الماضية من مجموعة شركات مصرية لأنها لم تستكمل إجراءات كثير من المساحات التى يعملون بالفعل على استصلاحها لكنهم تأخروا لبعض الوقت مثلا بسبب ضعف السيولة أو ما شابه.
البلتاجى: الاستثمار بالأراضى الجديدة مرتفع المخاطر.. وتخفيض الأسعار عامل جذب
وقال شريف البلتاجى، رئيس شركة “بلكو” للاستثمار الزراعى، إن الاستثمار فى الأراضى الجديدة يحمل مخاطر عالية، ويحتاج من الدولة تقديم أسعارًا رمزية للأراضى تُشجع المستثمرين على دخول مصر لشراء مساحات جديدة بصورة تضمن لهم عائد جيد، مع وضع ضوابط تلزمهم بفترة زمنية للاستصلاح على أن يتم سحبها حال عدم الالتزام، لكن بشرط تهيئة المناخ الاستثمارى على أفضل صورة وتسهيل كافة الإجراءات.
عيسى: التغيرات المناخية دفعت الأوروبيين لبحث الفرص المتاحة فى مصر
وقال على عيسى، مستثمر زراعى، ورئيس جمعية رجال الأعمال، إن الدول لا تنظر للأرض على أنها سلعة تجارية، لكنها وسيلة للإنتاج وتشغيل الأيدى العاملة توسع حجم القطاع ومعه العوائد الاقتصادية الأكبر من خلال الضرائب وخفض نسب البطالة وزيادة الإنتاج العام للتصدير وجلب عملة صعبة أكثر.
وأضاف أن المستثمر لن يجازف بضخ تمويلات كثيرة فى وقت لا يستطيع فى الحصول على الأراضى بأسعار مناسبة لحجم المخاطر، ودول كثيرة تغلبت على تلك العقبات بتقديم الأراضى للاستصلاح بحق انتفاع طويل يمتد إلى 49 و99 عامًا، بحيث لا تستهلك عمليات شراء الأرض الجزء الأكبر من الاستثمارات، والتى لو وفرناها للاستصلاح والإنتاج سيكون العائد أسرع وأكبر.
وأوضح أن المستثمر الأجنبى يحتاج إلى معلومات أكثر وتسهيلات أكبر من المستثمر المصرى، فالأخير لديه القدرة على التعرف على طبيعة الأرض واحتياجاتها ونوعية المحاصيل التى يمكن أن تنمو فيها أفضل من الأجنبى الذى يحتاج إلى تسهيل جميع الإجراءات وتقديمها جاهزة لتشجيعه على دخول السوق بسرعة.
وأشار إلى أن الاستثمار فى الزراعة فى أى دولة يختلف عن باقى القطاعات من جهات عدة، أبرزها الحصول على التمويل اللازم، نظرًا لأنه استثمار طويل الأجل، وقال: «قطعًا يحتاج جذب الشركات الأجنبية إلى تقديم حوافز أفضل من الدول المحيطة بنا».
ويرى عيسى، أن الحكم على الاستثمارات الأجنبية فى الزراعة المصرية يأتى على صورتين، الأولى وصف الشركات، والثانية حجم الاستثمارات نفسها، فالشركات الأجنبية فى مصر قوية وتملك سمعة طيبة وتقدم منتجات على مستوى عالٍ من الجودة للسوق المحلى والتصدير، لكنها فى الوقت نفسه ضعيفة من حيث الحجم.
وأشار إلى واحدة من أكبر الشركات الأجنبية التى تستثمر فى مصر، وهى «مجموعة الغرير»، وقال: «شركة عملاقة واحدة حصلت على مساحات واسعة فى غرب المنيا فوق 180 ألف فدان من خلال تابعتها فى مصر شركة القناة للسكر، لكنها لم تأتى بغرض الزراعة، بل بغرض التصنيع الزراعى لبنجر السكر معتمدة على الفرص الواسعة فى صناعة السكر محليًا، ما يوضح أهمية التصنيع الزراعى”.
وأوضح أن «الغرير» حصلت على الأرض لتوفير جزء جيد من احتياجات البنجر من إنتاج أراضيها بدلا من الاعتماد على السوق أو أن تكون تحت رحمة الموردين بشكل كامل، وهى خطة جيدة ومشروع متكامل، لكن لن تكون كل المشروعات الأجنبية بهذا الحجم، وانطلاقًا من رؤية «الغرير» يجب أن نلتفت إلى أهمية التصنيع الزراعى للمنتجات المصرية.
وأوضح عيسى أن الاستثمار الخليجى الزراعى فى مصر أكبر من الاستثمارات الأجنبية الأخرى، لكنه أشار إلى اهتمام من دول جنوب أوروبا بالاستثمار فى الزراعة المصرية، مثل إيطاليا واليونان، مدفوعة بالتغيرات المناخية الصعبة فى تلك المنطقة مؤخرًا، لكنه اهتمام مبدئى لم يرق بعد لمستوى الجدية، وإذا عدلنا أوضاع الاستثمار الزراعى سنرى المستثمرين الأجانب فى مصر بصورة أقوى.
النجار: توترات أوروبا السياسية تربك المستثمرين الأجانب بالنسبة للزراعة
وقال هشام النجار، العضو المنتدب لشركة “دالتكس” للحاصلات الزراعية، إن الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاع الزراعى، يعيش حاليًا حالة من الترقب الطويلة بسبب الظروف العالمية الحالية ومنها توتر الأوضاع السياسية فى أوروبا سواء الحرب الروسية الأوكرانية أو أزمة الطاقة أو التقلبات السياسية البريطانية.
وأضاف أن السوق الأوروبى هو السوق التصديرى الأبرز لمصر، وخسارته تضر القطاع بأكمله، لذلك سيكون من الصعب على الاستثمار الأجنبى اتخاذ قرارًا بشأن دخول مصر أو غيرها فى الوقت الحالى.
وأوضح أن تغيرات المناخ ونقص المياه وارتفاع أسعار الأراضى الزراعية وارتفاع قيمة تقنين الأراضى، كلها عقبات تُضعف من القدرة على اتخاذ قرار الاستثمار، كما أن الاستثمارات الأجنبية حاليًا تتجه نحو البلاد التى تمتلك وفرة شديدة فى المياه مثل السودان.
وأيد النجار فكرة توجه الاستثمار المصرى فى أفريقيا، خاصة فى الدول التى لديها وفرة مياه لتحقيق التكامل الأفريقى، لكن سنواجه طبيعة المجتمعات القبلية هناك وضعف سلطة الحكومات الأفريقية على بعض أراضيها التى قد تُصعب المهمة نوعًا ما، لكن يمكن البحث عن آليات لكل دولة ومجتمع على حدة لتحقيق التكامل المنشود بشأن ضخم استثمارات مصرية فى قطاعها الزراعى.
وعلى صعيد التمويل، أشار إلى أن البنك المركزى وفر مبادرات تمويلية متنوعة لصغار المزارعين، لكن الشركات الكبيرة تبحث عن مبادرات مُماثلة، كما أن التمويلات أحيانًا يتم ربطها بعقود التوريد أو ما شابه حتى يضمن البنك قدرة المشروع على سداد أقساط القروض.
وأشار إلى أن القطاع له طبيعة خاصة، وهى أن المشروع قد لا يُدر دخلا لسنوات طويلة فى البداية مثل المحاصيل الشجرية كالموالح، وغالبًا ما تفضل البنوك تمويل المشروعات التى تبحث عن التمويل لتوفير ماكينات أو خطوط تعبئة، حتى تجد ضمانات للتمويل.
وقال عبدالواحد سليمان، رئيس شركة “جالينا” للاستثمار الزراعى، إن التصنيع الزراعى فى مصر أمامه فرصة قوية لجذب الكثير من الاستثمارات محلية كانت أو أجنبية، فهو قطاع “بكر” لا يزال يحتاج إلى الكثير من المجهودات للاستفادة من الفرصة الكبيرة المتاحة.
وأضاف أن المنتجات الزراعية المصرية تُصدر إلى جميع دول العالم تقريبًا، خاصة الحاصلات منها، والمصنعات تُسافر إلى جزء كبير من العالم، وتنمية هذا القطاع سيوفر لمصر الكثير من العائدات الدولارية بمرور الوقت.
وأوضح أن نجاح الاستثمار فى التصنيع الزراعى مرهون بما ستوفره الدولة للمستثمرين من حوافز للقدرة على شراء أراضى جديدة بهدف استصلاحها وزراعتها بالمنتجات مرتفعة القابلية للتصدير، بهدف ضمان تكامل عمليات التصنيع الزراعى.
وقال إن تمكين الاستثمارات فى القطاع الزراعى يعنى الاهتمام باستثمارات عناصر القيمة المضافة لمنتجات مثل الفاكهة والخضروات التى تُصدر فى شكلها الطازج، وبالتالى ستكون الفائدة أعم، وسترتفع العائدات الدولارية، بالإضافة إلى فرص العمل الجديدة التى ستتاح بالسوق، كما ستوفر الكثير من الهدر فى محاصيل مهمة.
وتخسر المحاصيل الزراعية ما يزيد على 50 مليار جنيه من قيمتها السنوية بسبب الفاقد الذى يتم هدره فى 6 مراحل تبدأ بالإنتاج والحصاد حتى تصل إلى المستهلك النهائى، وفقًا لورقة بحثية صادرة عن مركز البحوث الزراعية المصرى، والتى أشارت إلى أن محصول القمح فى مقدمة المحاصيل التى تخسر على مستوى الكميات والقيمة بإجمالى 1.5 مليون طن سنويًا، تتجاوز قيمتها مليار جنيه.
الغنام: ضعف عمليات التصنيع الزراعى يفوت فرصًا كثيرة على الاقتصاد
وقال أشرف الغنام، الخبير الزراعى، إن عمليات التصنيع الزراعى تمثل نشاطًا مُكملاً للزراعة، وتنميته تحتاج للتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير ووضع آليات لخلق علاقات بين منشآت التصنيع الزراعى والمستثمرين الزراعيين.
وأضاف أن التكامل يسمح بتحقيق فوائد اقتصادية عدة، أبرزها تدوير المخلفات الزراعية مثل قش الأرز ومخلفات المحاصيل والحيوانات فى صناعات الأعلاف والأسمدة وتصنيع الورق والخشب، ومع وضع منظومة متكاملة ستضمن دخول الاستثمارات الأجنبية فى أكثر من صناعة لها علاقة بالزراعة.