المستثمرون ما زالوا يشعرون بالتفاؤل بشأن آفاق النمو على المدى الطويل
كان المزيج السام المكون من وباء كورونا والتضخم وحرب أوكرانيا، سبباً فى تعرض آسيا والأسواق الناشئة الأخرى إلى نوبة تقلبات عالمية شديدة، لكن الكثيرين يتغلبون على التحديات بشكل أفضل من المتوقع، كما أن عددا متزايدا من المستثمرين والشركات يدركون القيمة الكامنة فى آفاق النمو طويلة المدى.
ويتوقع صندوق النقد الدولى نمو الاقتصادات الناشئة والنامية بنسبة 28% أسرع من المتوسط العالمى العام الحالي، وأكثر من ضعف متوسط العام المقبل.
وأفادت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية أن الأداء القوى نسبياً لمجموعة واسعة ومتباينة من الأسواق الناشئة يعود إلى عاملين، العامل الأول يتمثل فى إدارة احترازية كلية أفضل بكثير خلال الأعوام القليلة الماضية.
وبشكل عام، أدارت هذه الاقتصادات تعرضها للديون بعناية لتجنب هذا النوع من عدم تطابق العملة الذى تسبب فى تعثر الأسواق الآسيوية فى عام 1997، حيث قاموا بتعويم عملاتهم وتكوين احتياطيات من العملات الأجنبية وأنشأوا نظام دعم متبادل عبر خفض الحواجز أمام التجارة بشكل كبير من خلال الاتفاقيات الإقليمية.
بالنسبة للعامل الثاني، فهو التحول الهائل فى شكل الاقتصاد العالمي. فحتى قبل 10 أعوام، كان الدور الاقتصادى للأسواق الناشئة يقتصر إلى حد كبير على توفير العمالة الرخيصة والسلع الرخيصة للاقتصادات المتقدمة.
لكن أعوام من النمو حولت الأسواق الناشئة إلى قوة عالمية للاستهلاك فى حد ذاتها.
وارتفع استهلاك الأسواق الناشئة ثلاث مرات تقريباً خلال الـ12 عاماً الماضية ليبلغ الآن نحو 34 تريليون دولار، أى حوالى 47% من الاستهلاك العالمي، علماً بأن العديد من السلع والخدمات التى تُشترى بالثروة المكتشفة حديثاً تُصنع فى أسواق ناشئة أخرى، وهذا يعنى أن هذه الدول أقل تعرضاً للاضطرابات الاقتصادية فى الاقتصادات المتقدمة التى كانت تعتمد عليها فى السابق.
يمكن رؤية مظهر مرونتها الجديدة بشكل أوضح فى تدفقات رأس المال.
ورغم ارتفاع أسعار الفائدة فى الغرب بشكل سريع، لم نشهد تكراراً لـ”نوبة الغضب التدريجي” لعام 2013 والتى شهدت هروب 129 مليار دولار من الأسواق الناشئة بعد أن بدأ بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الحديث عن تقليص برنامجه لشراء السندات.
خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، وفى ظل رفع الاحتياطى الفيدرالى لأسعار الفائدة فعلياً وخفض ميزانيته العمومية، بلغ صافى التدفقات الخارجة من صناديق الأسهم والسندات فى الأسواق الناشئة 3.3 مليار دولار فقط.
ومع ذلك، فإن هذا الرقم الرئيسى يخفى اختلافات كبيرة تحته، فقد شهدت الصناديق ذات الدخل الثابت تدفقات خارجة بنحو 60 مليار دولار نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة الأساسية وتقلب الدولار والعملة المحلية الأقوى، لكن التدفقات التى شهدتها الأسهم، والتى يُنظر إليها باعتبارها تحوط جزئى ضد التضخم، أنقذت الوضع.
تحقق بعض الأسواق الناشئة أداء أفضل من غيرها، فمثلاً أمريكا اللاتينية التى توقعت التضخم وبدأت فى رفع أسعار الفائدة منذ نحو عام، مما يضع المنطقة فى وضع قوى اليوم، كما يتمتع أعضاء مجلس التعاون الخليجى فى الشرق الأوسط بمكانة جيدة ويرجع الفضل فى ذلك جزئياً إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
فى غضون ذلك، تظهر آسيا تعلمها الدروس المستفادة من الأزمة المالية فى المنطقة عام 1997، حيث أصبحت اقتصاداتها تتمتع الآن باحتياطيات أكبر من العملات الأجنبية ودين أقل بالعملات الأجنبية غير المحوطة ووصول أكثر انفتاحاً إلى أسواق رأس المال.
بذلت هذه الدول أقصى جهدها للتخلص من الحواجز التجارية البينية وجنى ثمارها فى شكل انخفاض التضخم وزيادة النمو.
ووسط سلسلة من التخفيضات العالمية، رفع بنك التنمية الآسيوى مؤخراً توقعاته لنمو اقتصادات جنوب شرق آسيا لعام 2022 إلى 5%.
تشعر العديد من الاقتصادات الأخرى بالضغوط من خلفية الاقتصاد الكلى العالمى المتقلبة للغاية وغير المؤكدة، فقد تضررت أوروبا الوسطى والشرقية بشدة من حرب أوكرانيا وتحاول الآن التعامل مع معدلات تضخم تتراوح بين 15% و20%.
كذلك، يتعرض عدد كبير من الأسواق الحدودية للضغط، وتسعى بعض الفئات الأكثر ضعفاً إلى الحصول على حزم دعم من صندوق النقد الدولى أو حصلوا عليها بالفعل والتى تتطلب عادة تدابير تقشف لمعالجة أوجه عدم التوازن على مستوى الاقتصاد الكلي.
من هذا المنطلق، أصبح العديد من المستثمرين حذرين من التوقعات الخاصة بالأسواق الناشئة على المدى القريب.
وأظهر استطلاع أجراه بنك “إتش.إس.بي.سي” للمستثمرين المؤسسيين فى أغسطس وسبتمبر أن 41% من المشاركين يشعرون بالتشاؤم تجاه آفاق الأسواق الناشئة خلال الأشهر الثلاثة التالية، وهى أعلى قراءة على الإطلاق.
مع ذلك، رغم أن التوقعات بحدوث ركود صريح وصلت إلى 94% و 84% لأوروبا والولايات المتحدة، على التوالي، فإنها بلغت 33% لآسيا و 50% لأمريكا اللاتينية.
فى واقع الأمر، أظهر استطلاعنا أن المستثمرين لديهم مشاعر إيجابية تجاه آسيا، وكذلك أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
ولا شك أن التوقعات المتفائلة طويلة المدى للأسواق الناشئة لا تقلل من شأن التحديات التى تواجهها.