التمويل الأخضر ودعم المشروعات المستدامة أحد محفزات النمو
ارتفع الوعى العالمى فى الفترة الأخيرة بالآثار السلبية المحتملة من التغيرات المناخية السريعة على قطاع الزراعة المسئول وحده عن ربع الانبعاثات الكربونية العالمية سنويًا.
وتشهد مصر جهودا متزايدة لمكافحة التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية ، ومن بينها انخفاض الإنتاجية و زيادة استهلاك المياه وتراجع الإيرادات وفقا لدراسة حديثة أجراها مركز البحوث الزراعية .
وأضحت الدراسة أن تأثير التغير المناخى على الزراعة المصرية ينذر بفقد ما بين 9 و50% من إنتاجية المحاصيل، أغلبها استراتيجية، بجانب زيادة فى استهلاك المياه بمعدل بين 2.5 و16% .
وأشارت إلى أن العائدات مُهددة بالتراجع بشكل كبير، خاصة على فئة المستأجرين الذين سيفقدون نحو 77% من صافى العائد المالى لمحصول مثل قصب السكر ، تقل إلى 44% إذا كان المُزارع مالكًا للأرض.
ذكر باحثون ومستثمرون فى القطاع الزراعى المصرى، أن التغيرات المناخية، واحدة من أهم القضايا التى يجب الالتفات إليها سريعًا، وأن اهتمام مصر باستضافة مؤتمر «COP-27» فى نسخة العام الجارى واحدًا من أهم المؤشرات على اهتمام الدولة بهذا الملف.
قال السيد القصير، وزير الزراعة فى كلمته بالدورة 50 للجنة الأمن الغذائى العالمى، والتى انعقدت أكتوبر الماضى بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، إن العالم ينظر إلى قضية التغيرات المناخية بدرجة كبيرة من الجدية فى ظل ما تسببت به من سيول وفيضانات وحرائق.
أضاف، أن الزراعة أكثر القطاعات تأثرًا بالتغيرات المناخية، والتأثير مرتبط بتغير الفصول ومواعيد الشتاء والقدرة على تلبية احتياجات النبات من البرودة والضوء والحرارة والرطوبة.
وفق تقرير التنمية البشرية فى مصر 2021، الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، استهلك القطاع الزراعى 80% من إجمالي كميات المياه العذبة المتاحة فى 2021، وأنه نتيجة الارتفاعات المتوقعة فى درجات الحرارة والانخفاضات المحتملة فى مُعدلات هطول الأمطار من المرجح أن يزداد الطلب على المياه للأغراض الزراعية، مما سيزيد من مشكلة ندرة المياه.
«شراقى»: مصر تسير على مسارين لحماية الزراعة من التغيرات المناخية
وقال الدكتور عباس شراقى، الخبير فى شئون المياه وأستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة ، إن مصر تسعى لحل أزمة المياه والعمل على مواجهة التغير المناخى عبر استراتيجية تسير فى مسارين، الأول ترشيد استهلاك المياه، والتعاون مع دول حوض النيل لتعظيم الاستفادة من المياه، وتقليل آثار السد الأثيوبى عليها.
أوضح أن الدولة اهتمت الفترة الأخيرة بإنتاج بذور لبعض المحاصيل التى تعتمد بشكل أقل على المياه، مثل استبدال قصب السكر بالبنجر، واستخدام محاصيل أخرى أكثر إنتاجية، مع الاهتمام بمشروعات تبطين الترع والمصارف، لتقليل الفاقد، واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى تحلية مياه البحر وحفر الآبار، والتوسع فى الزراعة واستصلاح الأراضى الجديدة مثل مشروع الريف المصرى لاستصلاح 1.5 مليون فدان، لتقليل الفجوة الغذائية.
«أبوحديد»: التوسع الأخضر و الاستصلاح الزراعى يُقلل الانبعاثات
قال الدكتور أيمن فريد أبوحديد، وزير الزراعة الأسبق، والرئيس الحالى لمركز معلومات التغيرات المناخية، إن الدول النامية وبينها مصر، من أكثر بلدان العالم تأثرا بالتغيرات المناخية التى تؤثر على كافة القطاعات الحيوية والتى ترتبط بالتنمية.
أشار إلى أهمية التوسع فى مشروعات استصلاح الأراضى الزراعية، وتقديم الدعم اللازم لها، للقدرة على امتصاص النبات الانبعاثات الزائدة من غاز ثانى أكسيد الكربون ، فالتوسع الأخضر وسيلة كييرة للتخفيف من الانبعاثات والحد من تغيرات المناخ.
أوضح أن كل التطورات الحديثة تؤثر على البيئة، ويظهر ذلك على صورة الجفاف المفاجئ وندرة سقوط الأمطار والسيول، وارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيره على المناطق المنخفضة والأنهار، والظواهر الجوية المختلفة التى تُعرض المحاصيل للتلف.
اعتبر أن ارتفاع درجة الحرارة سيسبب اختلالات للمواسم الزراعية، وسيؤثر على المحاصيل، وقد لا يُتم بعضها دورته الطبيعية، مع ارتفاع الاستهلاك المائي بسبب ارتفاع حدة التبخر، وأن الأهمية النسبية لمشروعات تطوير الرى الحقلى ترتفع بصورة كبيرة بمرور الوقت.
البحوث الزراعية: دراسات الأقلمة أبرز سبل الحد من آثار المناخ
وأظهرت دراسة أجراها مركز البحوث الزراعية المصرية، عن توقعات شكل الإنتاج الزراعى بحلول العام 2050 مقارنة بالإنتاج الحالى فى ضوء التغيرات المناخية، وجدت أن إنتاجية الفدان من محصول القمح ستقل 9% إذا ارتفعت الحرارة درجتين مئويتين، وستقل 18% إذا ارتفعت الحرارة 3.5 درجة مئوية، وسيزداد الاستهلاك المائى للمحصول الاستراتيجى بنحو 2.5% بالمقارنة بالنسبة الحالية، وستنخفض إنتاجبة محصول الشعير 18%، لكن سيقل استهلاكه للمياه 2%.
كما ستقل إنتاجية محاصيل الذرة الشامية والرفعية 19% لكل منهما بحلول منتصف هذا القرن مع تحققق توقعات ارتفاع درجة الحرارة بنحو 3.5 درجة مئوية ، مقارنة بالوضع القائم، مع ارتفاع استهلاكهما للمياه بنحو 8%.
أيضًا، ستنخفض إنتاجية محصول الأرز 11% ويزداد استهلاكه المائى بنحو 16%، وستتأثر إنتاجية محصول فول الصويا بنحو 28% من قدرة الفدان الإنتاجية، وسيرتفع استهلاكه المائى 15%، وستنخفض إنتاجية دوار الشمس 27%، ويرتفع استهلاكه المائى 8%، ويخسر محصول الطماطم 14% من إنتاجيته إذا ارتفعت درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، وتقفز الخسارة إلى 50% إذا ارتفعت الحرارة 3.5 درجة مئوية.
كغيره من المحاصيل التى تحتاج إلى الكثير من المياه، ستتأثر إنتاجية السكر من محصول قصب السكر بنحو 25%، كما أن استهلاكه المائى سوف يزداد 2.5%، لكن سيكون القطن هو المحصول الاستراتيجى الوحيد الذى سينجو من ارتفاع درجات الحرارة، بل كلما ارتفعت الحرارة زادت إنتاجيته، وقدرت الدراسة أنه سيرتفع 17% مع زيادة الحرارة درجتين مئويتين، و31% عند ارتفاع درجة الحرارة 4 درجات مئوية، لكن سيزداد استهلاكه المائى 10% مقارنة بالوضع الحالى.
وستتسبب التغيرات المناخية فى ارتفاع مستوى سطح البحر الأمر الذى يترتب عليه غرق جزء من الأرض الزراعية الخصبة فى شمال الدلتا وارتفاع مستوى الماء الأرضى إلى حد كبير فى جزء آخر بالإضافة إلى تمليح جزء ثالث وهذا سوف يؤثر بالسلب على المساحة الكلية للرقعة الزراعية.
اعتبر البحث أن دراسات أقلمة النباتات مع تغيرات المناخ باستنباط الأصناف الجديدة هى الأمل الوحيد لخفض الضرر الناجم عن ظواهر التغيرات المناخية، هذا إلى جانب تحديث كل التقييمات التى تجرى فى هذا الشأن على فترات خاصة فى حالة إدخال أو استنباط أصناف جديدة من بذور النباتات حتى تكون النتائج مطابقة للاصناف الموجودة وقتها.
وذكر شريف البلتاجى، أحد المستثمرين الزراعيين، أن التغيرات المناخية تُعد واحدة من أخطر التحديات أمام تحقيق الأمن الغذائى عالميًا، فى وقت تتعاظم فيه أهمية التنمية المستدامة الغذائية وسط تحديات تواجه كافة الدول بدءاً من أزمة كورونا، ومرورا بالأزمة الروسية الأوكرانية.
اعتبر البلتاجى، أن عقد قمة المناخ بمصر، يمثل أهمية بالغة، فـ«القاهرة» ستمثل أفريقيا بالكامل، خاصة وأن المشكلة التى تواجه العالم بقمة المناخ تتمثل فى أن الدول الصناعية الكبرى هى المسؤولة عن التغيرات المناخية وتقلبات الطقس، مع تحقيقها مكاسب كبيرة من الثورة الصناعية.
وأشار أحمد فرحات، رئيس شركة اكسترا جلوبال للتنمية الزراعية، إلى ضرورة أن تعيد الجهات التمويلية توزيع محافظها بحيث تتضمن قيم أكبر بصورة سنوية للتمويل الأخضر فى القطاع الزراعى، فى ضوء ما يُمكن أن تتحمله من مخاطر، مع تأهيل العملاء وتحفيزهم على الاقتراض من أجل النمو الأخضر بحوافز جيدة.
قال فريد واصل نقيب الفلاحين، إن تداعيات تغير المناخ تأتى على صور عدة فى مصر، منها عدم مناسبتها لنمو النباتات، وانتشار الآفات وظهور الجديد منها، والذى يحتاج لمجهودات كبيرة لمكافحتها للمحافظة على الإنتاج الزراعى.
أوضح أنه بالنظر إلى تلف محصول ما بسبب المناخ فإن ذلك يؤكد أن قضية التغيرات المناخية يجب أن تكون على رأس الأولويات، فقبل عامين تقريبًا فقد المزارعو نحو 80% من محصول المانجو، وظهرت فى الأونة الأخيرة آفة جديدة تُسمى دودة الحشد الخريفية التى هاجمت المحاصيل هذا العام، خاصة محصول الذرة الشامية فى محافظات الوجه القبلى، ربط الخبراء خبراء بالقطاع بين ظهور هذه الدودة وتفشيها وارتفاع درجة الحرارة، فهى لم تكن معروفة أو كانت نادرة الظهور من قبل، وتسببها فى الإضرار بمحصول الذرة الشامية.
وجاء محصول الزيتون أيضًا، واحدًا من أبرز المحاصيل التى تأثرت هذا العام بارتفاع درجة الحرارة، لتنخفض الإنتاجية بين 60 و80% وإن كان التأثر أقل نسبيًا من العام الماضى، فالمحصول يحتاج أن تنخفض الحرارة إلى 10 درجات مئوية لمدة معينة من اليوم طوال الشتاء حتى تتهيأ الشجرة للدخول فى موسم النمو التالى.
قال نادر وديع، رئيس شركة أوليف جاردن المتخصصة فى إنتاج زيتون المائدة، إن التغيرات المناخية أثرت سلبا على محصول الزيتون خلال 2021 و2022، خاصة فى وقت التزهير، مما تسبب في تراجع الكميات المنتجة مقارنة بعامي 2019 و2020.
أضاف وديع، أنه فى فترات موجات الرياح الشديدة يحدث أحيانا أن تتأثر جميع أزهار الشجرة وتسقط، وكذلك فى توقيت يُسمى العقد (مرحلة من مراحل نمو الأشجار)، والتى تحتاج لطقس الحار، وإن لم يحدث، يؤثر ذلك سلبا على الكميات المنتجة عند جني الثمار.
«فاو»: تشجيع الاستثمار بالقطاع الخاص والعام أبرز خطوات التنمية
ووفقا لبيانات رسمية من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو»، فإن الحيوانات أكثر قدرة من المحاصيل على التكيف مع الظروف الهامشية وتحمل الصدمات المناخية، ومع ذلك فإن هناك مجموعة من الأمراض الحيوانية المتوطنة والوبائية تعقو قدرة الثروة الحيوانية على الصمود أمام تغير المناخ وللتكيف معه بأقى ما يمكن.
أشار تقرير حديث للمنظمة الأمريكية، إلى أهمية الحد من تأثير تغير المناخ على صحة الحيوان وانتشار الأمراض المعدية، واعتبرت أن تعزيز وتوسيع المنصات والبنى التحتية والأدوات للوقاية من حالات الطوارئ المتعلقة بصحة الحيوان الناجمة عن تغير المناخ، خاصة وأن حاجة الحيوان للأعلاف مثلًا تقل كلما ارتفعت درجة الحرارة، وبالتالى تراجع قدرته على النمو.
اعتبرت المنظمة، أنه للتخفيف والتكيف من التغيرات المناخية، فيجب أن يتم تعزيز نظم الصحة من خلال الاستثمار فى القطاعين العام والخاص، وتعزيز المكافحة التدريجية للأمراض الحيوانية ذات الأولوية والقضاء عليها، وتعزيز الصحة الحيوانية بوصفها جزءًا من المتطلبات الصحية العامة لنظم الأغذية الزراعية.
وتسعى شركة الطحان للتمور إلى الانتقال إلي نظام شامل صديق للبيئة للتقليل من حدة التغيرات المناخية، فضخت استثمارات جديدة لاستزراع 180 فدانًا بمحافظة الوادى الجديد، ما سيوسع من الرقعة الزراعية بالمنطقة، وستنتج الخضر والفاكهة الأورجانيك، وبدون استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية.
أوضح علاء الطحان، مدير عام الشركة أنه للمحافظة على البيئة المحيطة نظيفة، استخدمت الشركة 390 لوحًا من الطاقة الشمسية للتشغيل، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة والمستدامة فى مجالات الاستزراع النباتى والحيوانى.
قال علاء الطحان، مدير عام شركة الطحان للتمور، إن الشركة نفذت خطة لتحقيق التكامل، والعمل على نظام شامل صديق للبيئة، للتقليل من حدة التغيرات المناخية.