مع ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاقتصاد العالمى نحو الركود، تتعثر الدول النامية التى تعانى من ضائقة الديون تحت وطأة حوالى 237 مليار دولار بسبب الدائنين الأجانب، وفقاً لبيانات «بلومبرج».
ربما كانت سريلانكا من أوائل الدول التى استسلمت للوضع.. لكن كينيا ودول أخرى تواجه صعوبة فى إيجاد الاستقرار أيضاً.
قال مسؤولون كينيون الشهر الماضى إنهم سيطلبون من الصين تمديد فترة سداد قروض قيمتها 5 مليارات دولار، بينما قال أحد الوزراء الجدد للبرلمان، إن الدين «يخنق» اقتصاد نيروبى.
تحتفظ الصين الآن بالمصير المالى لكثير من دول الجنوب فى أيديها، فهى تمثل نحو %40 من مدفوعات الديون الثنائية والدائنة الخاصة، المقرر أن تسددها أفقر دول العالم خلال العام الحالى، وفق ما قاله رئيس مجموعة البنك الدولى ديفيد مالباس.
ليس هناك مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر من شرق أفريقيا، إذ استفادت الصين من قروض غير متوازنة لتحقيق مكاسب جيوسياسية.
ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو« اليابانية، أن إعلان الصين فى أغسطس، إعفائها عن 23 قرضاً دون فوائد ممنوحة لـ17 دولة أفريقية، يوضح فقط مدى إحكام قبضتها على الديون السيادية لشرق أفريقيا.
يشير مركز الأبحاث «إيد داتا» فى كلية ويليام آند مارى إلى أن القروض دون فوائد شكلت أقل من %5 من التمويل التنموى الصينى بين عامى 2001 و2017.
فى غضون ذلك، أقرض الممولون الصينيون أكثر من 153 مليار دولار لمقترضين من القطاع العام الأفارقة خلال العقدين الماضيين، وفقاً لبحث أجرته مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا بجامعة جونز هوبكنز، علماً بأنه تم إلغاء 3.4 مليار دولار فقط من الديون المقدمة دون فوائد خلال تلك الفترة.
نظراً لانشغال الصين بأزمات ديونها المحلية، فإنها لن تتخلص من فوضى ديونها فى أفريقيا على الأرجح فى أى وقت قريب.
لا شك أن شرق أفريقيا، وهى موطن بعض أكثر دول العالم مديونية، بحاجة إلى بدائل سريعة.
دولة جيبوتى الصغيرة نسبياً مثقلة بقروض صينية أكثر من أى دولة أخرى، إذ يعادل إجمالى ديونها للصين حوالى %43 من ناتجها المحلى الإجمالى، كما أنها تستضيف القاعدة العسكرية الخارجية الوحيدة للصين.
تعانى إثيوبيا، وهى ثانى أكبر دولة فى أفريقيا من حيث عدد السكان، من ديون صينية بقيمة 13.7 مليار دولار، وفق بيانات جمعها مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن.
عن ذلك، قال مسؤول بوزارة المالية العام الماضى إن بنك الصين للاستيراد والتصدير حجب 339 مليون دولار إضافية فى شكل ائتمان متفق عليه بسبب صعوبات الديون فى البلاد.
تسعى أديس أبابا الآن، إلى تخفيف عبء الديون عبر لجنة الإطار المشترك التابعة لمجموعة العشرين، التى تشارك الصين فى رئاستها، لكن التقدم توقف بسبب المخاوف من الحرب الأهلية المستمرة فى إثيوبيا.
كذلك، تعانى كينيا من ديون بقيمة 82 مليار دولار، ثلثها مستحق للصين.
كما تخلفت زامبيا عن سداد ديونها فى عام 2020 بعد زيادة عبء ديونها بمقدار 10 أضعاف عن عام 2006، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الاقتراض لتمويل مشاريع البنية التحتية التى تقودها الصين.
يذكر أن محادثات إعادة هيكلة الديون أحرزت قليلاً من التقدم منذ ذلك الحين بسبب المشاركة المترددة لدائنى البنوك الحكومية الصينية، لكن الاختراقات الأخيرة مهدت الطريق لصندوق النقد الدولى للموافقة على 1.3 مليار دولار كدعم جديد فى أغسطس.
تفضل بكين تمديد آجال استحقاق القروض للمقترضين المتعثرين على أساس ثنائى بدلاً من المساعدة فى حل إعسارهم من خلال دعم إعادة الهيكلة التى تتطلب منها شطب بعض الديون المستحقة.
ورغم ذلك، فقد كانت تمنح سراً قروضاً طارئة لعدد قليل من المقترضين المتعثرين بشكل خاص، منهم باكستان وسريلانكا، وذلك حسبما قالت «إيد داتا».
فى الوقت الذى تقدمت فيه الصين باعتبارها مقرض الملاذ الأخير، فإن المؤسسات الدولية كانت تتحرك للمساعدة حيثما أمكنها ذلك، إذ استأنف صندوق النقد الدولى ضخ الأموال فى باكستان ويعمل على ترسيخ خطة تحول أولية لسريلانكا، بجانب المضى قدماً فى خطة خفض ديون الصومال وإعادة إشراك زيمبابوى التى تعانى من التضخم المفرط والتى لم تقترض من الصندوق منذ أكثر من عقدين.
يشير انتشار المشاكل مع القروض الصينية إلى أهمية الشفافية والمساءلة والعدالة فى الإقراض العالمى، علماً بأن نحو نصف القروض الصينية الإجمالية المقدمة إلى أفريقيا ما تزال مخفية، بحسب تقديرات «إيد داتا» التى تملك أكبر مجموعة بيانات فى العالم حول تمويل التنمية فى الصين.