يواجه الاقتصاد العالمى، الذى ما يزال يعانى من وباء كورونا والغزو الروسى لأوكرانيا وارتفاع التضخم، توقعات غير مؤكدة بشكل متزايد، لكن بالرغم من هذه الرياح المعاكسة، فإن دعائم الازدهار الاقتصادى للصين تبدو قوية.
كانت ثروة الأسر المتوسعة فى الصين أحد المحركات الرئيسية لنموها الاقتصادى فى الأعوام الأخيرة، ما عزز الإنفاق الاستهلاكى والثقة فى الأعمال التجارية والاستثمار الرأسمالى.
ومن المقرر أن تستمر هذه الثروة فى النمو بنحو 8.5% سنوياً خلال الخمسة أعوام المقبلة، حيث ستصل أصول الأسر القابلة للاستثمار إلى 300 تريليون يوان “ما يعادل 41.7 تريليون دولار” بحلول عام 2025.
وهناك قوتان قويتان وراء ذلك، وهم الأفراد أصحاب الثروات الكبيرة وارتفاع أعداد الأثرياء، وتشمل القيمة الصافية العالية أولئك الذين لديهم ما لا يقل عن 10 ملايين يوان من الأصول القابلة للاستثمار، حيث يبلغ إجمالى أصول هذه المجموعة القابلة للاستثمار حوالى 70 تريليون يوان.
ويتوقع بنك “إتش إس بى سى” أن ترتفع ثروات تلك المجموعة إلى 111 تريليون يوان فى غضون ثلاثة أعوام.
وذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية أن صفوف الأثرياء فى الصين، فى إشارة إلى أولئك الذين لديهم دخل عائلى سنوى متاح لا يقل عن 200 ألف يوان، يبلغ عددهم بالفعل حوالى 340 مليون، وهم فى طريقهم للوصول إلى 500 مليون بحلول عام 2025.
وغالباً ما يكون هؤلاء المستهلكون المولودون بين عامى 1980 و1995 الطفل الوحيد فى عائلاتهم ومتعلمين نسبياً فى المنزل وفى العالم الرقمى ولديهم أفكار واضحة حول الشكل الذى يجب أن يبدو عليه أسلوب حياتهم الطموح، لكن الوعد بمستقبل أكثر ثراء يأتى مع مخاوفه الخاصة.
وفى الوقت نفسه، يحدث أكبر تحويل للثروة فى التاريخ فى الصين حيث يرث جيل الألفية ثروة جيل طفرة المواليد فى البلاد.
ويقدر معهد “هورون للأبحاث” أن العائلات الصينية الغنية ستنقل 18 تريليون يوان من الأصول على مدى العقد المقبل، لكن سيتعين عليها التعامل مع السياسات العائلية والتقلبات الاقتصادية والسوق.
ورداً على ذلك، يبحث الصينيون الأثرياء عن التخطيط المالى السليم، ونظراً لأنهم أصبحوا أكثر تطوراً من الناحية المالية، فإنهم ينتقلون من التركيز على النمو إلى نهج أكثر توازناً، حيث يضعون قليلاً من محفظتهم فى العقارات ويضعون الكثير فى الأصول المالية، بما فى ذلك العملات فى الأصول الأخرى، كما ارتفعت حصة الصينيين الحاملين لوثائق التأمين الشخصية إلى 8.6% من أقل من 3% قبل عقد.
وفى الواقع، منذ تفشى “كوفيد-19″، ركز الصينيون الأثرياء بشكل متزايد على أمن استثماراتهم واتخذوا نهجاً أكثر شمولية لإدارة شؤونهم المالية.
وهذا يمكن أن يشمل وضع استراتيجية متماسكة لإدارة الأصول تمتد من الائتمان إلى التعليم المالى وشراء المنازل من خلال القروض وبوالص التأمين لتعزيز الحياة العملية وإدخار الأدوات نحو الشيخوخة وأخيراً إلى الميراث.
وكذلك، يعد الصينيون منفتحون بشكل متزايد على المنتجات والأفكار المالية الجديدة، فقد بدأ البعض فى استخدام التخطيط المالى لدورة الحياة لإدارة المخاطر الديناميكية المتأصلة فى الاحتياجات المتغيرة لأسرهم.
وفى هذه العملية، أصبحوا أكثر مهارة فى الموازنة بين مخاطر التقلبات والفرص المتوفرة لصناعة إدارة الثروات والثورة الرقمية العالمية.
وتأتى الصين فى طليعة ثورة التكنولوجيا المالية، فحتى قبل الوباء كانت صناعة خدماتها المالية رائدة عالمياً فى التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية والخدمات المصرفية الرقمية.
وتستفيد البنوك فى الصين بشكل متزايد من التكنولوجيا المالية والتقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعى واستخراج البيانات والحوسبة السحابية والبلوكتشين وتحويل نماذجها التشغيلية وزيادة الإنتاجية والكفاءة وبناء علاقة أفضل مع العملاء، وهذا يرفع الحواجز أمام دخول المنافسين الدوليين الذين يفتقرون إلى الميزة التكنولوجية.
ويقدر بنك “إتش إس بى سى” أن ثروة الأسر بالصين يجب أن تتجاوز 900 تريليون يوان بحلول عام 2025.
ومع توقع وضع ثلث هذا المبلغ فى الاستثمارات ورفع الصين القيود على الملكية الأجنبية للأوراق المالية والعقود الآجلة وإدارة الصناديق وشركات التأمين إضافة إلى توسيع قنوات الاستثمار الخارجية لتشمل الأسهم والسندات ومنتجات إدارة الثروات والمشتقات المالية، يستمر التدافع للحصول على حصة فى السوق.
ويرى الصينيون الأثرياء حاجة أقوى لتنويع استثماراتهم لتعزيز قيمة محافظهم والحفاظ عليها.
وبالرغم من أن الاقتصاد قد يتباطأ، فإن آلة توليد الثروة فى الصين قد تجاوزت المرحلة التى تكون فيها مجرد انعكاس للنمو الاقتصادى أو حتى معدل الادخار المرتفع تاريخياً فى البلاد.
وتتفاقم ثروة الأسر الآن بمعدلات أعلى من نمو الناتج المحلى الإجمالى، حيث تزيد الأصول الشخصية بالفعل بنحو ستة أضعاف عن الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.
ولأعوام، اعتمدت الشركات الأجنبية فى قطاعات مثل الأزياء والمجوهرات على الصينيين الأثرياء ليأتوا للإنفاق معهم فى الخارج، لكن المعركة القادمة سيتم خوضها داخل البلاد حيث يبحث الصينيون الأثرياء عن مقدمى خدمات مالية يمكنهم الوثوق بهم لخدمتهم بشكل جيد.