الاستثمارات الأجنبية المباشرة تركزت فى زيادات رؤوس الأموال
عدم استقرار التشريعات الضريبية والتسعير أهم معوقات الاستثمار
استقبلت مصر واحد من أكبر الفعاليات، قمة مبادرة المناخ COP 27، بحضور ضخم لقادة العالم والحكومات لمناقشة التعهدات والالتزامات التي اتخذتها دول العالم على نفسها لخفض الانبعاثات الكربونية، ووقف وتيرة التغيرات المناخية العنيفة والتى باتت ترفع حرارة الكوكب بصورة حادة.
وأصدر العديد من دول العالم الكثير من التشريعات لتحفيز عمليات الابتكار والتطوير لاعتماد بدائل أقل ضررا كربونياً، وضمان التزام كافة الأطراف بهذه المبادئ، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية وضعت هذه التعهدات والالتزامات تحت الاختبار، خاصة بعد أن تراجعت بعض الدول بشكل مؤقت فى استخدامات الطاقة النظيفة فى ظل أزمة طاقة عالمية سببتها نقص الإمدادات والاستثمارات فى النفط، والمدفوع بسرعة التبنى الأخضر.
حاورت جريدة “البورصة” إيهاب طه، الشريك التجاري في مكتب “التميمي ونور ومشاركوه”، للتعرف على دور التشريعات الخضراء والمعرفة بأهمية التمويل الأخضر في السوق المصري، واستعدادات المكتب لهذا التحول التدريجي في نماذج التمويل.
وقال طه، مصر ليست جديدة في هذا المجال، ولديها الكثير من معايير الاستدامة ESG التي تلتزم بها الشركات، سواء كانت فروع لشركات أجنبية، أو شركات مصرية تلقت تمويلات دولية، أو شركات خاضعة لرقابة جهات تنظيمية مثل البنك المركزي، أو الهيئة العامة للرقابة المالية، إذ يشير الحرف الأول من اختصار ESG إلى البيئة وتقدم شركات مصرية ولو كان بشكل اختيار حالياً تقارير دورية بشأن التزامها بهذه المعايير.
وذكر طه أن البنية التشريعية المتعلقة بالمناخ شهدت تطورا كبيرا عالميا، ووصلت لمرحلة أكثر تطوراً في بعض الدول العربية مثل الإمارات والسعودية، مع جهود واستثمارات ضخمة مخصصة لهذا التحول، خاصةً فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأزرق وتقليل الكربون.
وأشار إلى ضرورة مراقبة الأوضاع هذا الشتاء فى أوروبا وانتخابات التجديد النصفى الأميركية، لمعرفة مدى تحقق خطط الرئيس بايدن الخاصة بهذا الدفع لخفض الانبعاثات في ثاني أكبر اقتصاد مصدر لانبعاثات الكربون فى العالم، وقدرة الديموقراطيين على الحفاظ بكتلتهم في مجلس الشيوخ.
وقال طه إن المكتب لديه معرفة جيدة بهذه الأدوات نظراً لتواجده في العديد من الأسواق ويتم تناقل الخبرات، كما أن التمويل الأخضر في أساسه تمويل، وبالتالي يشبه كثير عقود التمويل التقليدية.
وأكد أن مصر لديها رؤية و تعهدات ببعض الأمور من مؤتمر COP 26، وأصدرت بالفعل التشريع الخاص بالسندات الخضراء، فضلاً عن طرح وزارة المالية لسندات خضراء، وأحد البنوك الخاصة.
لكن على الجانب الآخر، أشار إلى الأزمات التي تعرضت لها مصر مؤخراً، خاصةً فيما يتعلق بالصناعة وتوافر الدولار، ومدى الحاجة إلى وجود صناعات رائدة في قطاعات تلبي حاجة السوق المحلي وتستغل الوفورات في نوعية الطاقة التي تنتجها مصر وبالتالي تقلل الواردات كما ترفع من الصادرات المصرية من السلع، والتي على رأسها صناعة سيارات الطاقة الجديدة NEV.
وطالب طه بضرورة التعامل مع المشكلة بشكل أكثر فاعلية، وقال “لدي العديد من التحفظات على قانون الاستثمار الجديد، ولا يمكن التعويل عليه في جذب استثمارات أجنبية في مثل هذه القطاعات الواعدة”، “كما يجب مناقشة المستثمرين في هذه الصناعات لمعرفة مطالبهم والمحفزات لجعل مصر منصة لهذه الصناعة”.
وأضاف أن الأفضل لمصر أن تركز على الصناعات التي لديها فيها ميزة نسبية تكون من خلالها مركز تصنيع وتطوير عالمي، سواء كان ذلك في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، أو الألواح الشمسية أو غيرها.
وقال طه إن المؤتمر الاقتصادي كان مطلوبا لشرح خطط إعادة توجه النظام المالي والنقدي والاقتصادي في مصر ويتبعه قرارات وأبرزها التعويم وقرض صندوق النقد والقروض الموازية.
يأتي ذلك، فيما واجه الاقتصادي المصري في العام الأخير بعض الصعوبات، وأصبح من الواضح أن سعر الصرف لم يكن يعكس السعر الحقيقي للجنيه، وبالتالي تدافعت العملات الأجنبية للخروج من النظام المصرفي، وسط أزمة ثقة، وأثر على حركة الاستيراد، بما فيها تدبير مستلزمات الإنتاج للقطاع الصناعي.
وقال طه، إنه يجب ألا ننسى أن الاقتصاد المصري هو ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا، وهذا له وزن كبير عند المستثمرين الأجانب في حساباتهم لفرص وأماكن الاستثمار في القارة.
وأكد أن الأزمات العالمية المتتالية ساهمت بصورة أو بأخرى في تشكيل الصورة العامة للاقتصاد المصري خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بداية من كورونا، وانتقالاً إلى مشكلات سلاسل الإمداد، ثم الحرب الروسية الأوكرانية والتي زادت من الأزمتين السابقتين، وضاعفت الطلب على السلع، والذي كان يشهد عودة طلب مكبوت من أزمة كورونا ليضاف إليه طلب بدافع الخوف، وفي هذه الأثناء كان هناك استثمارات أجنبية في مصر، ولكن ليست بالشكل المطلوب.
وأوضح طه، أنه بعد قرار التعويم ستعود الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري وقد تحتاج إلى بعض الوقت، كما ستتحسن الأوضاع الاقتصادية ومن الممكن أن يكون ذلك خلال عام إلى عامين للتعافي بشكل كامل من الصدمات بما فيها الأوضاع الخاصة بالموظفين ومرتباتهم وتعويض أرباب الأعمال للقوة الشرائية، مثلما حدث فى السابق خلال تعويم 2016، و2003.
وأضاف طه، أن تراجع العملة هذه المرة لم يكن الأكبر، إذ ارتفع الدولار في المرتين السابقتين بأكثر من 100% أمام الجنيه، مقارنة بـ 48% فقط هذه المرة.
وقال إن السمة التي يمكن وصف الاقتصاد المصرى بها فيما يتعلق بالاستثمار بحالة تعرف بـ Buyer Market، أو “سوق المشتري”، وهذا ناتج عن انخفاض تقييم جميع الشركات، ما يجعل المستثمر المالي وفي بعض الأحيان المستثمر الاستراتيجي، يرى فرصا جيدة للدخول، إذ يستطيع رؤية أمل في تحسن أوضاع الاقتصاد خلال 3 إلى 4 سنوات، مع تحقيق عائد جيد على استثماره.
وأشار طه، إلى أنه خلال هذه الفترات من عمر الأسواق يكون قرار البيع أحد القرارات الصعبة، وبالتالي فإن السمة الثانية للسوق، هي تدفق الاستثمارات الأجنبية في صورة زيادات رؤوس أموال لإنقاذ أعمالها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة عالمياً، خاصةً وأن هناك أزمة سيولة دولارية، فضلاً عن ارتفاع كبير في تكلفة التمويل للمشروعات، ما يجعل خيار زيادة رأس المال هو الأنسب.
تعد مكاتب الاستشارات القانونية، أحد البوابات الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصةً وأنها تتلقى العديد من الاستفسارات في المراحل المبكرة من عمليات بحث المستثمر عن أفضل الأسواق التي يجب أن يكون له فيها موضع قدم.
ولهذا السبب، سألنا الشريك في مكتب التميمي، حول طبيعة وأهمية الاستفسارات من المستثمرين الأجانب التي يتلقاها المكتب، وأكبر التعليقات. وقال طه “مشكلة مصر التشريعات خاصةً الضريبية منها، إذ تفتقد إلى الاستقرار ناهيك عن سعر الضريبة النهائي، والذي لا يعد تنافسيا”.
وضرب طه مثالاً بالفترة التي صدر فيها قانون الضرائب رقم 95 لسنة 2005، والذي كان مثالياً وعبقرياً، إذ إنه بسّط مفهوم الضريبة وخفض قيمتها الأسمية، على الرغم من مضاعفة الحصيلة النهائية خلال السنوات التالي لتطبيقه، كما ساعد المستثمرين الأجانب في تحديد تكلفة الاستثمار في سوق جديد، وتمتع بقدر كبير من الوضوح والاستقرار فترة طويلة.
وطالب طه بضرورة رسم قرارات السياسات المالية والنقدية والاقتصادية بشكل أكبر استقراراً يضمن للمستثمر ثبات الافتراضات التي يبني عليها دراساته للسوق.
وقال “أي مستثمر يهمه الإطار التشريعي للضرائب، وعندنا مشكلة تاريخية في عدم استقرارها ، والأسعار الضريبية مرتفعة للغاية والضرائب كثيرة جداً من حيث الأنواع و الاستقرار أهم من سعر الضريبة”.
فيما حدد المشكلة الثانية التي يواجهها المستثمرون الأجانب تاريخياً في السوق المصري، مرتبط بالقدرة على تحويل الأموال للخارج، سواء ناتج البيع، أو أرباح الأعمال، وأوضح طه، أن السبب ليس قانونياً، ولكن الإتاحة كانت المشكلة، خاصةً خلال العامين الأخيرين، وما زاد المشكلة صعوبة القرار المتعلق بتطبيق الاعتمادات المستندية فى العمليات الاستيرادية ، ما أثر على السيولة الأجنبية، و معدلات توافر مستلزمات الإنتاج”.
أوضح أن الدولة بدأت اتخاذ القرارات المهمة، ومن بينها التعويم، والذي كان مهماً للغاية، على الرغم من تأخيره والذي يرجع لسبب سياسي في المقام الأول ويحتاج إلى دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة قبل إقراره لحمايتها من تبعات تراجع مستوى الدخل، إلا أن هذه النوعية من القرارات بشكل عام، تساهم في رفع الوعي بالموارد وترشيد استهلاكها.
كما يرى أن بعض المشكلات الأخرى كان مرتبطا بسياسة الإنفاق، فيما تعد المشكلة الرابعة مرتبطة بظروف عالمية.