“cop27” فرصة قوية لمصر للتركيز على القضايا البيئية والترويج السياحى
محيى الدين: 2.5 تريليون دولار الحد الأدنى لحجم الفجوة التمويلية للعمل المناخى عالميا
60% من تمويلات العمل المناخى يتأتى عن طريق الاستدانة
تستضيف مصر فعاليات النسخة الـ27 من مؤتم أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخى، والتى تشهد فى الوقت الحالى مفاوضات متقدمة لمواجهة التغير المناخى، والوصول إلى أليات خاصة بتنفيذ النصوص التى تم الخروج بها من الدورات السابق.
ويعتقد الدكتور محمود محيى الدين رائد الرئاسة المصرية لقمة المناخ والمبعوث الخاص لأجندة الأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، أن القمة الحالية لن تكون لإعادة التفاوض على التعهدات، بل تتناول التنفيذ بصورة أساسية.
وقدر محيى الدين فى حوار لـ”البورصة” الحد الأدنى المتحفظ للفجوة التمويلية للعمل المناخى على مستوى العالم بنحو 2.5 تريليون دولار، موضحًا أن التمويل القائم يحتاج إلى زيادته بمعدل 6 أضعاف على الأقل لكى يقترب من تغطية تلك الفجوة.
وأضاف، أن التمويل القائم عالميًا يعتمد على أدوات الدين، حيث يمثل التمويل عن طريق الاستدانة نحو 60% من إجمالى التمويل المقدم، و12 أو 13% من هذا التمويل يأتى من قروض ميسرة، مؤكد ًا على ضرورة زيادة النسبة الخاصة بالاستثمارات.
وأوضح، أنه كان لا بد من وجود بديل أخر، من خلال توفير تمويل طويل الأجل على طريقة ما تقدمه مؤسسة “آى دى إيه international development assocation” التابعة لمجموعة البنك الدولى لتقديم العون الإنمائى، خاصة وأنها تمنح تمويلا بفترات سماح تمتد من 7 إلى 10 سنوات، وفترات سداد تصل إلى أكثر من 40 سنة، وتكلفة اقتراض لا تتجاوز 1.5%، وهو نوع من أنواع التمويل يمكن اللجوء إليه كحل أخير.
لكنه قال إن الحل فى توفير حلول التمويل للعمل المناخى هو الاعتماد بالأساس على استثمارات من القطاع الخاص خاصة المتعلقة بخفض الانبعاثات الكربونية ومجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، وأيضًا على جانب المنح من الدول الكبرى التى تعهدت بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية والتى لم تلبى بالكامل، موضحًا أن العام الماضى ولأول مرة تم تقديم نحو 79% من هذا التمويل، مؤكدًا على ضروة وجود تمويل أكبر من هذا فى صورة منح وليس قروض.
اقرأ أيضا: محمود محيى الدين: ضرورة التركيز على آليات التمويل المستدام فى العمل المناخى
وأشار إلى أن الوضع الحالى فى أغلب الدول هو أن موازناتها العامة هى من تتحمل فاتورة تمويل العمل المناخى، مؤكدًا أن نموذج التمويل للعمل المناخى فى الدول يحتاج إلى إعادة هيكلة وتغيير حاسم.
وتابع، أن 6 دول فقط من 23 دولة تعهدت بتقديم هذا التعهد ، أوفت بالتزاماتها، فيما تقوم بعض الدول الأخرى بتقديم نحو 5% أو أقل من تعهداتها السنوية، موضحًا أن الذى تم تقديمه بالفعل جزء كبير منه يعانى من ازدواج محاسبى مما يعنى الحاجة إلى مراجعة منظومة التعهدات.
وأكد أن مؤتمر المناخ cop27 ليس لإعادة التفاوض، ولكن هو لآلية التنفيذ، خاصة وأن التفاوض تم بالفعل وتم الخروج بالنصوص منذ زمن بعيد، موضحًا أن اتفاقية باريس للمناخ خرجت بتعهدات أدبية لتمويل العمل المناخى.
وتضمنت أبرز نصوص اتفاقية باريس للمناخ تعهدات الدول الكبرى بتقديم 100 مليار دولار سنويا بدءا من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، ولتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى التى تعتبر هى أولى ضحاياها.
كما طالبت الدول النامية فى نص الاتفاق على اعتبار مبلغ الـ100 مليار دولار سنويا ليس سوى “حد أدنى”، وسيتم اقتراح هدف جديد فى 2025.
وقال محيى الدين، إن أهم ما يميز قمة المناخ بشرم المناخ هو تركيزها على جوهر الملفات خاصة ملف التكيف، مشيرًا إلى مبادرات التكيف فى قطاع الزراعة، كما أنها مختلفة عن النسخ السابقة من قمم المناخ حيث إنها تركز على التنفيذ وإيجاد حلول قابلة للتطبيق، مشيرا إلى أهمية تعزيز الحوار بين جميع أصحاب المصلحة.
واستطرد، بأن حلول الابتكار المالى فى العمل المناخى باتت قريبة ولاسيما أسواق الكربون، والاستثمار فى مجالات البيئة والحوكمة، فضلاً عن عمليات المبادلة التى تتم لخفض الدين عبر الاستثمار فى مجالات البيئة والعمل المناخى.
وأكد أن مصر بحاجة ماسة إلى زيادة الاستثمارات الخاصة فى مجالات تخفيف الانبعاثات الكربونية، ومشاركته فى المجالات الخاصة بالتكيف.
وقال إن استفادة الدول النامية من إصدار شهادات كربونية تتطلب وجود سوق خاص وليس الاعتماد على أسواق خارجية، اى الاستفادة من الخبرة الأوروبية فى هذا الشأن وتطويعها للاحتياجات الخاصة بالدول النامية.
وأطلقت الحكومة المصرية أول سوق أفريقى طوعى لإصدار وتداول شهادات الكربون، على هامش فعاليات قمة المناخ COP27.
ويعتبر السوق الأفريقى لشهادات الكربون، منصة لمساعدة الكيانات الاقتصادية العاملة فى مختلف الأنشطة الإنتاجية فى مصر وأفريقيا على الانخراط فى أنشطة خفض الانبعاثات الكربونية والاستفادة من استصدار وبيع شهادات بموجب الخفض لصالح شركات أخرى ترغب فى معاوضة انبعاثاتها الكربونية التى يصعب تخفيضها.
أوضح، أن نجاح سوق الكربون مرتبط بالتنفيذ، والجهد المؤسسى للإلمام بالقواعد، وتدريب القائمين عليها، وكيفية الاستفادة منها، فضلاً عن ضرورة عقد دورات اعلامية خاصة وأن الموضوع شديد التخصص، مما يعنى خلق منظومة متكاملة.
وقال إنه يمكن لأسواق الكربون أن توفر نحو 30 مليون فرصة عمل بحلول 2030. ونوه الى ضرورة تحقيق التوزيع العادل والشفافية فيما يتعلق بالعوائد الخاصة بأسواق الكربون مع وضع ديناميكيات اقتصاد أفريقيا فى الاعتبار لتحقيق أقصى استفادة من فرص النمو وجذب الاستثمار.
ويرى محيى الدين الفرص الواعدة للاستثمار فى أسواق الكربون حيث توفر تلك الأسواق أرصدة كربون تعادل 3 ملايين دولار كل عام بحلول 2030، مرجحًا أن تصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول 2050، مع وجود 13 برنامج عمل لدعم أسواق الكربون مؤكدا على أهمية وضع أطر تمويلية متكاملة.
العدالة البيئية
وفى سياق متصل، يرى محيى الدين أن العدالة الأكثر انتهاكًا على مستوى العالم هى العدالة البيئية المرتبط بالتغيرات المناخية والبيئة، فالدول الأكثر تضررًا مطالبة الأن بتحمل للفاتورة الأكبر تمويلاً وتنفيذًا للعمل المناخى.
والدول الأكثر مساهمة فى تلوث الكوكب والأكثر انبعاثات كربونية منذ إطلاق الثورة الصناعية الأولى، مقابل دول أفريقية تساهم مجتمعة بانبعاثات كربونية تترواح ما بين 3 و4% فقط من الإجمالى العالمى، ما يعنى هامش ضعيف مقارنة بالدول الكبرى، لكنها مطالبة الآن بالتعامل مع الأثار الضارة التى سببتها دول أخرى، من خلال عدة فواتير من خسائر، وتعويضات، والتكيف المناخى، وفاتورة أخرى متعلقة بالتكنولوجيا الجديدة الخاصة بتخفيف الانبعاثات الكربونية، مؤكدًا أن تلك الفواتير تحتاج إلى تمويلات ضخمة تئن بها موازنات الدولة المنهكة بالأساس.
وقال إن تلك الفواتير ليست من العدل فى شئ، فكيف نطالب الدول الأفريقية بدفع فاتورة تطور وتشييد الدول الكبرى، موضحًا أن بعض الدول الأفريقية مطالبة بإنفاق بين 30 و40% من موازناتها العامة للدولة، أو ما قد يصل إلى 10% من ناتجها المحلى الإجمالى لمجالات العمل المناخى.
وأشار إلى أن بعض الجزر المهددة بالاندثار والاختفاء مطالبة بإنفاق مضاعفات موازنتها العامة لانقاذ شواطئها وحمايتها من التدهور الخاص بتغيرات المناخ.
مكاسب عقد المؤتمر فى مصر
يرى محيى الدين أن مؤتمر المناخ فرصة عظيمة لمصر للترويج للمعالم السياحية فى كل مصر وليس منطقة شرم الشيخ فقط، لافتًا إلى أن المؤتمر يعد من أكبر الأحداث على مستوى العالم فى مجالات البيئة والمناخ والتنمية.
وأضاف أن المؤتمر ليس فرصة للسياحة فقط، ولكن فرصة قوية لتعظيم الاستثمار فى موضوعات التغير المناخى وحلوله فى إطار الحصول على استثمارات كلها تندرج تحت مظلة “التغير المناخى”.
ولفت إلى أن المشروعات الخضراء، وتطوير كفاءة محطات الرياح، والدخول فى مشروعات الهيدروجين الأخضراء، وشهد المؤتمر العديد من الإعلان عن شراكات مع القطاع الخاص سواء المحلى أو الإقليمى أو العالمى فى مجال الهيدروجين الأخضر.
المجالات التى يجب تركيز الاستثمارات عليها
وأشار إلى أن الاستثمار الأصعب فى المجالات المتعلقة بالمناخ هو الاستثمار فى البشر، خاصة وأن القائمين على إدارة تلك النوعيات الجديدة من الاستثمار الخاصة بالمشروعات الخضراء، لافتًا إلى أن المشروعات الخضراء تتطلب مهارة جديدة ليس فى أماكن إنشائها فقط ولكن أيضًا أماكن الاستفادة منها.
ويرى محيى الدين، أنه بحلول 2030 سيشهد سوق العمل ارتباطا وثيقا بين الاستثمارات فى مجالات الاستدامة، والتحول الرقمى الذى بات قوامه الأساسى البشر من حيث التعامل مع متطلبات جديدة خاصة بالذكاء الاصطناعى، وقواعد البيانات الكبرى، ومشروعات ناشئة تدير منصات جديدة أو تتعامل مع منصات قائمة مما يعنى وجود صناعة جديدة تربط الاستدامة بالتحول الرقمي.
وتابع، أن الاستثمار الهام فى منظومة الاستدامة هو الاستثمار فى البشر لتأهيلهم للتعامل مع المتغيرات الجديدة وتأهيلهم للعالم الجديد، لافتًا إلى أن هناك عشرات الآلاف ممن يعملون فى محطات توليد الكهرباء من المصادر التقليدية ولكن العالم الجديد بات يعتمد على توليد الطاقة من مصادر نظيفة ومتجددة.
اقرأ أيضا: محيى الدين: 1.3 تريليون دولار فجوة تمويلية للعمل المناخى بالدول النامية حتى عام 2025
وضرب مثلا باختراع السيارة التى تعمل بالوقود والتى تتطلب نوع معين من الصيانة، مما يعنى احتياجك لنوعية جديدة فى الصيانة خاصة بالسيارة الكهربائية مما يعنى تدريب وتأهيل العمالة من جديد مع ربطها بالتحول الرقمى لدفع تلك الخدمات”.
وتابع، أن سوق العمل مجال خصب فى الوقت الحالى للاستثمار، خاصة فى ظل إطلاق مشروعات تريليونية على مستوى العالم لتغير العمل من الطاقة التقليدية إلى الطاقة النظيفة والمتجددة.
ولفت إلى أن مصر تعمل حاليًا على مشروعات مليارية فى مجال الطاقة الجديدة لاسيما الزعفرانة، وبنبان والعديد من المشروعات القوية فى قطاع الهيدروجين التى تعمل عليها الدولة فى الوقت الحالى، موضحًا أن هذا لابد أن يقابله استثمارات ضخمة فى تأهيل العمالة، وفى التعليم والجامعات لضمان خروج جيل من البشر قادر على التعامل مع المتغيرات الجديدة للعالم.
أكد أن هناك اهتماما كبيرا بهذا المجال فى مصر ليس قاصرا على تعليم البشر فقط، ولكن فى التوجه لرعايتهم صحيًا للتمكن من عملية إدارة التكيف مع المناخ.
ولفت إلى أن قدرة مصر للتعامل مع متغيرات العالم الجديد مرتبط بالأساس بمدى سيطرتها وإجادتها لإدارة الموضوعات الأهم على الأطلاق هم التغير المناخى، والاستدامة، وتوسيع الاستثمارات فى المجالات الثلاث: رأس المال البشرى والمتضمن التعليم، والصحة، والثانى الخاص بالاستثمار فى التحول الرقمى، والأخير الاستثمار فى قدرة الاقتصاد ليس فقط لمواجهة الصدمات ولكن لتحقيق الاستفادة القصوى منها.
وقال:” إن الاستثمار فى البشر بالتركيز على التحول الرقمى هو الحصان الرابح فى سباق العمل المناخى، ومصر ليدها الإمكانيات لكسب السباق نظرًا للزخم البشرى الذى يعتبر الشباب قوامه الأساسي”.
وأوضح، أن هناك ملايين فى مراحل تعليمية مختلفة فى مصر مما يعنى فرصة قوية لتزويدهم بالحد الأدنى المطلوب فى موضوعى الاستدامة، والتحول الرقمي”.