استشارات الاندماج والاستحواذ هي عمل دوري بطبيعته، عندما يكون الاقتصاد قوياً، فإن إبرام الصفقات والإيرادات المرتبط به يرتفع، وفي فترات الانكماش، تعقد الشركات عددًا أقل من الصفقات.
ومع ذلك، فإن البيئة الاقتصادية الحالية محيرة لمعظم الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة، فالنمو قوي والعجز التجاري يتقلص والبطالة منخفضة والأجور مستمرة في الارتفاع، ومع ذلك، تلوح مخاطر الركود في الأفق مع سعى البنوك المركزية إلى ترويض التضخم برفع أسعار الفائدة، هذا بالإضافة إلى السلبيات الأخرى: غزو روسيا لأوكرانيا، وهبوط أسعار الأسهم، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين.
كل هذا جعل عقد الصفقات أصعب من المعتاد، والبيانات لا لبس فيها، حتى الآن، انخفض النشاط العالمي الإجمالي بنسبة 33% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لبيانات “رفينيتيف”، وهذا الركود أكبر في الولايات المتحدة حيث تبخرت الضجة حول شركات الشيك على بياض.
إذن ما الذي يفسر الزيادة الهائلة في الصفقات الأمريكية الكبيرة؟ في الأسابيع الأخيرة، وافقت شركة “كروجر” على شراء شركة البقّالة المنافسة، “ألبرتسونز”، مقابل 24.6 مليار دولار، وتوصلت شركة “جونسون آند جونسون” صفقة للاستحواذ على مجموعة “أبيوميد” المتخصصة في أمراض القلب مقابل 16.6 مليار دولار، واشترت “بلاكستون” حصة أغلبية في أعمال “إميرسون إليكتريك” للمناخ في صفقة تقدر الشركة بـ 14 مليار دولار، ووافقت إحدى الشركات التابعة لـ”ولغرينز” على الاندماج مع مزودة الرعاية العاجلة “سوميت هيلث” في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 9 مليارات دولار – على سبيل المثال لا الحصر.
ومن الوهلة الأولى، يبدو أن إبرام الصفقات في أمريكا الشمالية قد عاد إلى الظهور على الرغم من الشكوك. لكن الواقع أكثر تعقيدًا. تمنح البيئة الشركات ذات الميزانية العمومية القوية اليد العليا للضرب بجرأة ، بينما يضطر الآخرون إلى الوقوف جانباً.
تعتبر صفقة “بلاكستون” و”إميرسون إلكتريك” مثالاً جيدًا على كيفية قيام شركة غنية برأس المال – أو تكتل الاستثمار المباشر في هذه الحالة – بالاستفادة من قوتها المالية للتوصل إلى ترتيب تمويل لا يمكن أن يقترحه سوى عدد قليل من الشركات الأخرى.
ستحصل “إميرسون إليكتريك” على 9.5 مليار دولار نقداً من البيع – 4.4 مليار دولار منها من “بلاكستون” والباقي من مصادر الديون التي رتبتها شركة الاستثمار المباشر، ويسلط الاتفاق غير المعتاد الضوء على النفوذ المالي لشركة “بلاكستون” في وقت يشهد اضطراباً واسعاً في السوق.
لذا، في حين أن عمليات الاستحواذ التقليدية ذات الرافعة المالية أعلى تكلفة بكثير مع ارتفاع تكاليف التمويل، فإن مديري الأصول البديلة الأكبر مثل “بلاكستون” و”كيه كيه آر” و”أبولو” لا يزالون في وضع جيد لإبرام الصفقات.
قال المدير المالي لشركة “كيه كيه آر”، روبرت لوين، قبل بضعة أسابيع في عرض نتائج الربع الثالث للشركة: “إن المزاج العام والشعور العام عبر الشركة إيجابي تمامًا”. وأضاف أنه في الاستثمار المباشر، غالبًا ما تنتج “أفضل السبل” من الاستثمارات التي تتم خلال فترات ضائقة السوق. وقال: “نعتقد أن عام 2023 يمكن أن يقدم مثل هذه الفرصة”.
تعتبر الصفقة بين “فيليدج إم دي”، إحدى الشركات التابعة لـ”ولجرينز”، و”سوميت هيلث”مثالاً جيدًا آخر على الصفقة غير التقليدية. وافقت “ولجرينز” على استثمار 3.5 مليار دولار في الأسهم والنقدية، بينما دعمت شركة تأمين الرعاية الصحية “سيجنا” الصفقة أيضًا، حيث حصلت على حصة أقلية.
وفعلياً، قامت كلتا الشركتين بضخ مبلغ نقدي محدود لإنشاء مقدم رعاية عاجل رائد في السوق في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تعوض مثل هذه الصفقات الخسارة الإجمالية في النشاط، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، الذي كان من بين أكبر المحركات وراء الطفرة في إبرام الصفقات على مدار العقد الماضي.
أوضحت هيئات مراقبة مكافحة الاحتكار التابعة لجو بايدن أنها ستعارض الصفقات التكنولوجية الكبيرة.
على سبيل المثال، لا يزال استحواذ “مايكروسوفت” المقترح على “أكتيفيجن” بقيمة 75 مليار دولار أمريكي معلقًا من قبل المنظمين العالميين على الرغم من الاتفاق عليه في يناير، وعقد الصفقات لم يمت، ولكن بالنظر إلى أن الاستفادة من الأموال النقدية المجانية التي تدفقت في عصر أسعار الفائدة المنخفضة قد توقفت، فسوف يتطلب الأمر من صانعي الصفقات قدرًا أكبر من الإبداع أكثر من المعتاد لكسب الرسوم الباهظة المرتبطة بعملهم الاستشاري.
بقلم: جيمس فونتانيلا-خان، محرر الصفقات والشركات الأميركية لدى “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.