يجب طرح بدائل لوقف المبادرات التمويلية منخفضة الفائدة يدعم القطاعات الإنتاجية
ارتفاع الفائدة يتعارض مع توجهات الحكومة ويربك المستثمر عند إعداد دراسات المشروعات
“المستثمرون هم أطباء الاقتصاد، والاستفادة من خبراتهم عند صياغة القرارات الاقتصادية ضرورة مُلحّة للحفاظ على دينامكية الأنشطة الاقتصادية وتفادى أى معوقات من شأنها تعطيل حركة الإنتاج” تلك كلمات للمهندس على عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، يرى أنها تختصر على الحكومة طريقا طويلة لوضع حلول لأغلب التحديات التي تواجه الاقتصاد.
واستعرض عيسى فى مقابلة مع “البورصة” تقييمه للأوضاع الاقتصادية الحالية، وما يمكن أن تفعله الحكومة للتعامل مع التحديات التي تواجه الاستثمار، وتأثير القرارات الحكومية الأخيرة على القطاعات الإنتاجية، وعلاقة الحكومة برجال الأعمال واقتراحات بشأن قرارات تخص الاستثمار.
«التعويم» علاج «مُرّ» لمشكلات الاقتصاد.. والنتائج ستترجم بوفرة الدولار فى البنوك
وقال إن قرار البنك المركزى الأخيرة بشأن تبنى نظام سعر صرف مرن، ورفع سعر الفائدة 2%، بجانب توصّل الحكومة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل، تمثل الخطوات استكمالا لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ عام 2016.
وأضاف أن نتائج تلك الإجراءات من المرتقب أن تظهر خلال الأشهر المقبلة، وأبرز المؤشرات الدالة على ذلك هو توافر الدولار في البنوك وعودة ثقة المستثمرين الأجانب في السوق المصري والقضاء على السوق الموازى للعملة.
وأوضح أن التعويم يعدّ العلاج المر للاقتصاد والنهوض بالعديد من القطاعات كالسياحة والصناعة، بجانب تحفيز المصريين العاملين في الخارج على زيادة تحويلاتهم من العملة الصعبة لدعم الاقتصاد، لكن فى المقابل يعد المستهلكين الطرف الأكثر تضررًا من تلك الإجراءات لانعكاسها على أسعار المنتجات.
وتابع أن الحكومة حرصت مع بداية تحرير سعر صرف الجنيه على زيادة المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية لتوفير أكبر قدر من الحماية للفئات الأكثر احتياجًا، ما يخفف من حدة تبعات تلك القرارات”.
وأشار إلى أن رجال الأعمال متفائلون بالإجراءات الحكومية الأخيرة، ويتوقعون أن تجعل الاقتصاد متوازنًا خلال فترة قريبة نتيجة انتظام حركة الاستيراد، وإعادة تصحيح الأسعار غير المنطقية لعدد من السلع.
وقال عيسى، إن التعديلات الأخيرة على قانون الاستثمار خطوة جيدة، ولكن الأهم هو خلق بيئة مشجعة وخالية من البيروقراطية والممارسات الاحتكارية.
أضاف أن المستثمر الأجنبى يستطلع آراء مكاتب الاستشارات القانونية والمحاسبة المتخصصة فى تأسيس الشركات عند اتخاذ قرار الاستثمار فى أى دولة، بالإضافة إلى الأخذ برأى المستثمر المحلى عن أوضاع السوق وأبرز التحديات والميزات التنافسية.
ودعا عيسى، المجلس الأعلى للاستثمار إلى عقد اجتماع موسّع مع أبرز مكاتب الاستشارات القانونية المتخصصة في تأسيس الشركات والمحاسبة للوقوف على معوقات الاستثمار للمساهمة في حلها.
وأشار إلى أن المستثمر يحتاج إلى الشعور بالثقة عند التعامل مع تلك الجهات الحكومية لأنها تتسابق أحيانًا إلى اتهام المستثمر بأشياء غير منطقية، ما يبعث برسالة سلبية عن الاقتصاد محليًا وخارجيًا.
وأشاد بالإعفاءات الضريبية التى تضمنها قانون الاستثمار الجديد، لكنه حذر من استخدامها فى الممارسات الاحتكارية والإضرار بالأنشطة القائمة التي لا تتمتع بنفس الحوافز، بحسب قوله.
وتابع أن “اللقاءات التى عقدتها جمعية رجال الأعمال المصريين مع المستثمرين الأجانب، أوضحت أن المستثمر يُفضّل الإعفاءات الضريبية لمدة طويلة بين 10 و20 عاما حتى يستطيع احتساب أرباحه”.
قانون الإفلاس يعد أحد الركائز الأساسية لبيئة الاستثمار ولم يسلط عليه الضوء بشكل كاف
ذكر أن قانون الإفلاس لم يسلط عليه الضوء بشكل كاف ويعد أحد الركائز الأساسية لبيئة الاستثمار في أى دولة، والشركات مثلما تدخل أى سوق تحتاج إلى معرفة آليات الخروج.
وأوضح أن الخروج الطوعى من السوق غير واضح بالنسبة للمستثمرين الجدد والحاليين وأضاف “لو شركة عائلية تستثمر في قطاع معين، وعند موت رئيس مجلس الإدارة قرر الورثة تصفية النشاط والخروج الطوعى من السوق، يصطدمون بقوانين تلزمهم بالاستمرار فى النشاط”.
ولفت إلى أن قانون الإفلاس يعتبر المرحلة الوسط أمام الشركات المتعثرة، إما يعلن إفلاسه ويخرج من السوق، أو يبقى ويعيد تصحيح أوضاعه عبر برامج تمويلية.
وأكد عيسى، ضرورة إسراع الحكومة في إصدار الصياغة النهائية لوثيقة سياسة ملكية الدولة للبدء في طرحها على القطاع الخاص، لكونها جزءًا من تحريك عجلة الاستثمارات المحلية، حسب ما جاء في نص الوثيقة.
وأضاف أن طريقة القطاع الخاص في إدارة المشروعات تختلف كليًا عن الحكومة، فالقطاع الخاص حريص على المنافسة بشكل عادل مع المشروعات المماثلة، كما لايوجد عنده محرّمات عند اتخاذ القرارات المصيرية لشركته.
وشدّد على أن تفرغ الحكومة لمراقبة وضبط السوق لمنع الممارسات الاحتكارية سيكون أكثر فاعلية من مزاحمة القطاع الخاص وتنفيذ المشروعات بدلا منه، وهذا السيناريو مطبق في جميع الدول وثبت نجاحه وفاعليته.
وأطلقت الحكومة المسودة الأولية لوثيقة سياسة ملكية الدولة التى تهدف إلى تحديد أبرز القطاعات والصناعات التي تعتزم الدولة التخارج منها أو خفض حصتها فيها لصالح القطاع الخاص، مستهدفة زيادة نسبة مشاركته فى الاقتصاد المصري ليمثل 65% خلال الثلاث سنوات المقبلة.
اقرأ أيضا: “رجال الأعمال” تخاطب “الأعلى للاستثمار” لتخفيف تداعيات إلغاء مبادرات التمويل
وقال إن الفرصة سانحة أمام استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في السوق المصرى بسبب الأزمات التي تكالبت على السوق العالمى ورغبة العديد من الشركات في مغادرة أوروبا والدول التي تشهد نقصًا في إمدادات الطاقة.
وأكد أن على الحكومة وضع خطة طموحة تستهدف توطين الشركات الفارة من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا باعتبارها فرصة ذهبية لمصر وضياعها يعد خسارة كبيرة.
وأوضح أن قطاع البتروكيماويات فى أوروبا هو الأكثر تضررًا من أزمة الطاقة، مطالبًا الشركات المتخصصة فى هذا المجال بمخاطبة الشركات الأجنبية لإقامة مشروعات فى مصر.
ولفت إلى أن مشروعات البنية التحتية مثل إنشاء الطرق الجديدة وتحديث الحالية جذب أنظار الشركات الأجنبية إلى مصر، لأنها تساهم فى خدمة جميع القطاعات عبر رفع معدلات نقل البضائع وتسهيل عملية التسويق محليًا.
وحدّد عيسى مجموعة من العوامل لتنمية الصادرات، أهمها زيادة الإنتاج لتلبية الاحتياجات وبالتالي خفض تكاليف التشغيل، ما سيساهم في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية.
وأكد أن الفرصة أمام الصادرات أصبحت كبيرة مقارنة بأى فترات سابقة، لأن أغلب صادرات الدول الأسيوية والأوروبية في أزمة لكثرة المشكلات التى تواجهها كارتفاع الإنتاج، والإغلاقات المتكررة بسبب انتشار فيروس كورونا في بعض المقاطعات بالصين.
ولفت إلى أن الزيادة التى حققتها الصادرات المصرية العام الماضي كانت جيدة، ولكنها تظل دون المستهدف، إلا أن ذلك أثبتت أن المنتج المصرى قادر على المنافسة فى الجودة والسعر إذا أتيحت له الفرصة.
وسجلت الصادرات المصرية بنهاية العام الماضي نموًا بنحو 26%، لتصل إلى 31 مليار دولار مقابل نحو 26 مليار دولار في عام 2020.
وذكر أن التوسع في التصدير عن طريق فتح أسواق جديدة يُعجل بسداد مديونيات الحكومة، بالإضافة إلى مساهمته في تحسين التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصري.
وأكد ضرورة الاحتفاظ بالمعدّلات الحالية للتصدير، متوقعًا ارتفاع قيمة الصادرات إلى 40 مليار دولار حال تمكنت الشركات من اقتناص مزيد من الفرص التصديرية الجديدة.
وأوضح أن المعارض الدولية فقدت بريقها حاليًا بعد انخفاض قيمة الدعم لمخصص لها عقب تحرير أسعار الصرف، ويجب تعديل هذا الوضع، خاصة أن البعثات التجارية لا تكفى وحدها كبديل.
وقال إن ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض يتعارض مع توجهات الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار، حيث يؤدي ذلك إلى صعوبة إعداد المستثمر دراسة جدوى تتماشى مع حجم المشروع ووضع السوق.
وأضاف أن الفترة الحالية تتطلب خلق وسيلة لتمويل الاستثمار الصناعي والزراعي، لمساهمتهما الكبيرة في الناتج القومي، فبالنظر للقطاع الزراعي فالقروض المقدمة إليه ضعيفة مقارنة بدول أخرى تطلق مبادرات تمويلية مخصصة لهذا القطاع.
وأصدر رئيس الوزراء قرارا قبل أيام بتحمل وزارتى المالية والإسكان وصندوق دعم السياحة والآثار، دعم 5 مبادرات ذات فائدة مدعمة لقطاعات اقتصادية مختلفة، بجانب تعليمات البنك المركزي بإلغاء “مبادرة 8%” بحسب مستثمرين.
كما قررت الحكومة تولى وزارة المالية إدارة ومتابعة جميع المبادرات الخاصة بدعم الفائدة الصادرة عن البنك المركزى المصرى، بهدف تعزيز إتاحة السيولة لعدد من القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كان البنك المركزى أطلق فى ديسمبر 2019 مبادرة لدعم القطاع الخاص الصناعى بعائد 10% متناقص، قبل أن يعود ويضم إليها قطاعى التصنيع الزراعى والمقاولات، ويخفض العائد إلى 8% فقط، للشركات التى يزيد حجم أعمالها أو إيراداتها السنوية على 50 مليون جنيه.
ولفت أن البنوك تتوجّس من العمل مع بعض القطاعات الإنتاجية لارتفاع المخاطرة، لذا يجب على الحكومة أن تُصحّح تلك المفاهيم فى ظل حاجة مصر الكبيرة إلى التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية مثل القمح والفول والفواكة.
وتوقع عيسى الرئيس السابق للمجلس التصديري للحاصلات الزراعية، أن تتأثر الشركات التي تعمل في قطاع الإنتاج الزراعي والتصديري عقب توجيهات البنك المركزي المصري بتجميد العمل بمبادرة التمويل بفائدة مدعومة 8%.
وعزا ذلك إلى ارتفاع تكلفة استصلاح الأراضي الزراعية والتحول لشبكات الري المتطورة في زراعة الصحراء، ولن تتمكن الشركات من الحصول على قروض لمشروعاتها بفوائد قد تصل إلى 17% وفق ما هو معمول به حاليًا.
ولفت أن القطاع الزراعى من القطاعات بطيئة العائد، وهو ما يصعب الأمور كثيرًا على الشركات خاصة التى تستهدف التصدير نظرا لارتفاع التكلفة الكبير، لاسيما وأن القطاعات الإنتاجية في مصر مكبّلة بكثير من المصاريف غير المنظورة التي تجعلنا خارج المنافسة التصديرية حاليا.
وقال إن خلق بدائل جديدة سيعمل على خفص الأعباء التمويلية، وبالتالى سيحفز العديد من الشركات على التوسع في الإنتاج والتصدير، ويدعم تحقيق المستهدفات التصديرية للحكومة.
وأوضح أن الفائدة المخصصة للقطاعات الإنتاجية يجب أن لا تزيد على 5%، خاصة أن الاستثمار في القطاع الزراعي يعد طويل الأجل، ويستغرق سنوات كثيرة للحصول على عوائد منه.
وأشار إلى أن الحكومة تسعى إلى إعادة تشغيل المصانع المتعثرة بسبب المشكلات الفنية أو تداعيات الأزمات الأخيرة، لذلك يجب مراعاة هذا النوع من المصانع فى توفير مبادرات تمويلية بفوائد مخفضة.
“جمعية رجال الأعمال” تعدّ مذكرة بـ 7 توصيات لعرضها على “المجلس الأعلى للاستثمار”
وقال عيسى إن جمعية رجال الأعمال المصريين، أعدت 7 توصيات لدعم الاقتصاد والاستثمار فى مصر، ومن المقرر إرسالها إلى المجلس الأعلى للاستثمار مطلع الشهر المقبل.
وأضاف أن تلك التوصيات تتضمن إلزام جميع الشركات العاملة في القطاعات المختلفة بتطبيق مبدأ المنافسة العادلة في السوق، وإعداد استراتيجية واضحة للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للحكومة واحتياجات السوق.
كما تتضمن إعداد دراسات استطلاعية عن السوق للوقوف على احتياجات المستهلكين، والتصدى للبيروقراطية بمزيد من التشريعات القانونية، بجانب إسناد مهمة الترويج للاستثمار إلى هيئة منبثقة من المجلس الأعلى للاستثمار.