قال صندوق النقد الدولى إن على دول الخليج أن تحافظ على زخم الإصلاح الذى يستهدف تحقيق الاستدامة المالية وتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط والغاز بينما يستمر الازدهار النفطى.
وكتب أمين ماتي وجيروم فاشي الاقتصاديان فى الصندوق أنه من المتوقع أن يزداد نمو إجمالى الناتج المحلى بأكثر من الضِعْف فى دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى 6,5% فى عام 2022، حسب دراسة بشأن السياسات أصدرها الصندوق مؤخرا. وأدت طفرة أسعار السلع الأولية إلى الحد من تداعيات الحرب فى أوكرانيا وتأثير تشديد الأوضاع المالية العالمية، كما سمحت بظهور آفاق أكثر إيجابية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
ومرت منطقة مجلس التعاون الخليجى على مدار تاريخها بفترات بارزة من الارتفاع فى إيرادات النفط. وأثناء هذه الفترات، عمقت البلدان من اعتمادها على النفط والغاز، ورفعت الأجور ومعدلات التوظيف فى القطاع العام، وتوسعت فى شبكات الأمان الاجتماعى، وعززت الإنفاق الرأسمالي. ففى الفترتين من 2002 إلى 2008 و2010 إلى 2014، على سبيل المثال، زادت فاتورة أجور القطاع العام بنسبة 51% و40%، على الترتيب.
وقالا إن تحليل الصندوق يشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجى ستتمكن من توفير موارد أكبر بكثير مما حققته فى الفترتين السابقتين، بفضل الإصلاحات المالية والهيكلية التى اضطلعت بها المنطقة. ففى عام 2022 وحده، سيبلغ فائض المالية العامة الكلى أكثر من 100 مليار دولار، نظرا لأن ارتفاع النفقات، ولا سيما المتعلقة بالأجور، لا يزال تحت السيطرة حتى الآن.
وبينما استفادت دول مجلس التعاون الخليجى بوجه عام من ارتفاع أسعار النفط والغاز، رغم استمرار تقلبها، فإن العديد من المخاطر لا تزال تخيم على الآفاق، ولا سيما مخاطر تباطؤ الاقتصاد العالمي. وفى هذا السياق، ينبغى الحفاظ على زخم الإصلاح الذى بدأ فى السنوات السابقة، بغض النظر عن مستوى أسعار الهيدروكربونات.
كيفية الحفاظ على زخم الإصلاح
لمجابهة صدمات المدى القصير ومعالجة تحديات المدى المتوسط إلى الطويل على نحو حازم، أوصى خبراء الصندوق بتطبيق حزمة شاملة من السياسات تشمل ما يلي:
– استخدام الإيرادات الإضافية التى تحققت من ارتفاع أسعار النفط فى إعادة بناء هوامش الأمان وتوسيع حيز الحركة من خلال السياسة المالية. ونظرا لتوفر الحيز المالى، ينبغى إعطاء الأولوية لدعم فئات السكان الأكثر ضعفا، مع تعزيز التقدم الذى تحقق فى مجال التحول الرقمي.
– استمرار تَوَجه سياسة المالية العامة متوسطة المدى نحو ضمان الاستدامة المالية وزيادة المدخرات، من خلال إطار مالى موثوق. ويمثل هذا أهمية بالغة على المدى الطويل لضمان العدالة عبر الأجيال وتحقيق تحول سلس فى مصادر الطاقة بعيدا عن الوقود الأحفوري. ويمكن تدعيم هذا التوجه من خلال تعبئة الإيرادات غير النفطية، والإلغاء التدريجى لدعم الطاقة، مما سيساهم أيضا فى التخفيف من آثار تغير المناخ. ومن بين التدابير الداعمة الأخرى الخفض التدريجى لفاتورة أجور القطاع العام، وزيادة كفاءة الإنفاق، وذلك، على سبيل المثال، من خلال مواصلة الإصلاحات لتحسين تخطيط المشتريات والاستثمار. وسيتطلب التقييم الصحيح لموقف السياسة المالية الإدراج الكامل لعمليات صناديق الثروة السيادية، نظرا لدورها فى تنويع المدخرات من الإيرادات النفطية ومشاركتها فى استراتيجيات التنمية الوطنية.
– الحفاظ على استقرار القطاع المالى، وهو أمر ضرورى للحفاظ على قوة النمو الاقتصادي. فنتيجة لارتفاع أسعار النفط ووفرة السيولة، اللذين يسهلان التوسع الائتمانى، باتت الميزانيات العمومية لبنوك دول مجلس التعاون الخليجى محمية من أثر تشديد الأوضاع المالية العالمية. غير أنه يتعين الاستمرار فى مراقبة سلامة أوضاع البنوك بعناية.
– التعجيل بالإصلاحات الهيكلية الجارية، بما فى ذلك العمل على زيادة مشاركة المرأة فى سوق العمل، وتعزيز المرونة فى أوضاع العمالة الوافدة، وتحسين جودة التعليم، وزيادة الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا والتحول الرقمى، وتدعيم الأطر التنظيمية، وتقوية المؤسسات والحوكمة، وتعميق التكامل الإقليمى، ومعالجة تحديات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره. وتظل السياسات الرامية إلى الحفاظ على النمو الاقتصادى وتنويع النشاط الاقتصادى بقيادة القطاع الخاص أساسية كما هى دائما.