كان على مؤيدى توليد الطاقة النظيفة من الاندماج النووى، وهو التفاعل الذى يمد الشمس بالطاقة، أن يعيشوا لعقود من الزمان مع السخرية من أن إنشاء مصنع تجارى للاندماج يبدو دائماً أنه لن يتحقق قبل 30 عاماً فى المستقبل، لكن احتمالات أن يصبح الجدول الزمنى أقصر إلى حد كبير ارتفعت مع الإعلان الرسمى يوم الثلاثاء الماضى أن الطاقة الناتجة من مفاعل تجريبى قد تجاوزت المدخلات لأول مرة.
وكان “صافى ربح الطاقة” فى مرفق الإشعال الوطنى، وهو جزء من مختبر لورانس ليفرمور الوطنى فى كاليفورنيا، متواضعاً نسبياً بنسبة 50%، وهو أقل بكثير مما هو مطلوب لمفاعل تجارى، لكنها لا تزال تمثل علامة فارقة علمياً يجب أن تشجع المزيد من الاستثمار فى أبحاث الاندماج والتطوير من كل من القطاعين الخاص والعام.
ويأتى هذا الإنجاز فى أعقاب تدفق مشجع للأخبار الفنية والمالية على مدار العام الماضى أو نحو ذلك.. فى فبراير، سجلت الحلقة الأوروبية المشتركة فى المملكة المتحدة إنتاجاً قياسياً عالمياً للطاقة، على الرغم من أن هذا كان أقل من الطاقة المطلوبة لإشعال التفاعل، وتضاعف التمويل لشركات الاندماج المتزايدة خلال العام الماضى ليصل إلى إجمالى 5 مليارات دولار، رغم أنه لا يزال أقل بكثير من مستوى نظرائه فى قطاعات الطاقة الأخرى.
وسيكون التحدى هو الموازنة بين الحماسة بشأن اللحظة المهمة رمزياً والواقعية حول التحديات التقنية والهندسية الهائلة المطلوبة لترجمة هذا الوعد إلى محطة طاقة.
واقتربت بعض ردود الفعل الأولية على أخبار مرفق الإشعال الوطنى بشكل خطير من الضجيج، باستخدام عبارات مثل “اختراق هائل” و”الكأس المقدسة”، وهو ضجيج يخاطر لاحقاً بخيبة الأمل.
وعلى الرغم من وجود مشاريع أخرى للحبس بالقصور الذاتى تفضل معظم مختبرات الاندماج نهج “الحبس المغناطيسى” البديل الذى يحتفظ بوقود “الديوتيريوم-التريتيوم” شديد التسخين فى مفاعل على شكل دوائر بقوة مغناطيسية، وهى تجربة دولية بقيمة 23 مليار دولار قيد الإنشاء فى فرنسا.
لكى يؤدى أى من النهجين إلى محطة طاقة فعالة من حيث التكلفة، فإن كل جانب من جوانب المفاعلات التجريبية الحالية يحتاج إلى تحويل.
وصممت وزارة الطاقة الأمريكية صندوق بقيمة 3.5 مليار دولار لمحاكاة التفجيرات النووية لاختبار الأسلحة، لذلك ستكون هناك حاجة إلى الكثير من العمل لتكييف إجراءات توليد الطاقة المدنية، وعلى الرغم من تجاوز مرفق الإشعال الوطنى عتبة “كسب الطاقة الصافى”، ما يعنى أن الناتج كان أعلى من مدخلات الليزر المباشرة، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من إجمالى الطاقة المطلوبة من الشبكة لتشغيل التجربة.
إن عشرات المليارات من الدولارات التى تم إنفاقها على مدى عدة عقود فى البحث والتطوير فى مجال الاندماج تعتبر كبيرة عند النظر إليها بمعزل عن غيرها، وهى صغيرة جداً، على الرغم من أنها لا تُقارن فقط بأشكال الطاقة الأخرى – من مصادر الطاقة المتجددة إلى الوقود الأحفورى – ولكن أيضاً بالمكافآت الضخمة المحتملة من وجود مصدر طاقة جديد خالٍ من الكربون تقريباً فى عملياته ولا يعتمد على المواد الخام المحدودة أو تقلبات الرياح وأشعة الشمس.
ولا ينبغى أن يؤدى تكثيف البحث والتطوير فى مجال الاندماج إلى صرف الانتباه عن الحاجة إلى تحسين تقنية الانشطار النووى التى أثبتت كفاءتها والتى تعمل على تشغيل محطات الطاقة الحالية، لا سيما عن طريق إدخال جيل جديد من المفاعلات المعيارية الصغيرة، لكن تحليل التكلفة والعائد سيؤدى للمزيد من الاستثمار فى الاندماج حتى لو كانت فرصة النجاح نسبتها 50% فقط.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز”