لا تزال ضغوط الأسعار الأساسية تتصاعد في معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، رغم الانخفاضات الأخيرة في معدل التضخم الرئيسي، الأمر الذي يشير إلى أن البنوك المركزية ستضطر إلى مواصلة تشديد السياسة النقدية في الأشهر المقبلة.
يتسارع التضخم الأساسي، الذي يستثني التغيرات في أسعار الغذاء والطاقة وينظر إليه واضعو الأسعار على أنه مقياس أفضل لاستمرار ضغوط الأسعار، في أجزاء كثيرة من العالم، وفقاً لتحليل الإحصائيات الرسمية الذي أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
واستمرت معدلات التضخم الأساسية في الارتفاع خلال نوفمبر في غالبية الدول الـ33 التي تتبعها “فاينانشيال تايمز”، ولا تزال أعلى بكثير من مستوى التضخم البالغ 2% الذي يستهدفه معظم محافظي البنوك المركزية.
بدأت نسبة الدول التي يرتفع فيها التضخم الأساسي في الانكماش خلال الأشهر الأخيرة، لكنها لا تزال أكثر انتشاراً بكثير من التضخم الكلي، إذ شهد ثلث الدول فقط ارتفاعاً في الأسعار الرئيسية بين أكتوبر ونوفمبر.
قالت سوزانا ستريتر، كبيرة محللي الاستثمار في شركة إدارة الأصول “هارجريفز لانسداون”: “لا تزال هناك احتمالية لحدوث الكثير من الألم في المستقبل، خصوصا أن الأسعار المرتفعة بشكل عنيد تستمر في إحداث صداع شديد للاقتصادات”.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن تضخم الخدمات، وهو مقياس آخر لاستمرار ضغوط الأسعار، لا يزال قريباً من أعلى مستوياته منذ عدة عقود في العديد من الاقتصادات الرئيسية، بما في ذلك المملكة المتحدة ومنطقة اليورو والولايات المتحدة.
ورفع صُناع السياسة أسعار الفائدة بشكل كبير خلال العام الجاري استجابة للزيادة في المقاييس الرئيسية للتضخم، لكنهم بدأوا مؤخراً في تقليص حجم الزيادات.
اختار كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي البريطاني، في الأسبوع الماضي، تحويل استراتيجيتهم الخاصة بمكافحة التضخم من النمط الأخير لارتفاع أسعار الفائدة بمقدار 0.75% إلى 0.5%، وذلك استجابةً للذروة الواضحة للتضخم العام في دول كثيرة.
عن ذلك، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، إن التشديد النقدي في منطقة اليورو “ما يزال أمامه طريق طويل”، وأن واضعي أسعار الفائدة يخططون لمواصلة رفع تكاليف الاقتراض بزيادات قدرها 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة.
كذلك، أقرت لاجارد أيضاً أن ضغوط الأسعار الأساسية قد تعززت وستستمر “لبعض الوقت”، وهي الرسالة التي رددها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي.
أدى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، نتيجة الحرب في أوكرانيا والاضطرابات الشديدة في سلسلة الإمداد أثناء فترة تفشي الوباء، إلى الارتفاع الأصلي في الأسعار.
مع ذلك، أصبح ارتفاع التكاليف منذ ذلك الحين أوسع نطاقاً، مع الإبلاغ عن ارتفاع التضخم في الاقتصاد الذي أثبت لأعوام عديدة أنه محصناً ضد ضغوط الأسعار.
يذكر أن نمو الأجور، الذي كان ضعيفاً في معظم الاقتصادات الرئيسية في العالم منذ الأزمة المالية العالمية، شهد ارتفاعاً أيضاً، خاصة في الولايات المتحدة.
وفي ظل استقرار أسعار السلع الآن، انخفض معدل التضخم بشكل حاد في العديد من الاقتصادات، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو.
لم تحذو مقاييس التضخم الأساسي حذوها، بل ظل التضخم الأساسي، وهو المقياس الأكثر استخداماً لضغوط الأسعار على المدى الطويل، عند أعلى مستوى قياسي له على الإطلاق عند 5% في منطقة اليورو.
قالت كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في بنك “باركليز”، سيلفيا أرداجنا، إن صُناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي “سيكونون قلقين من أننا لا نشهد أي تخفيف لديناميكيات التضخم على المستوى الأساسي”.
في الولايات المتحدة، ما يزال تضخم الخدمات عند أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، بالرغم من انخفاض التضخم الأساسي بنسبة 2% منذ الصيف.
قال بن ماي، مدير أبحاث الماكرو العالمية في “أكسفورد إيكونوميكس”، إن “تضخم الخدمات سيكون حاسماً في تحديد مسار أسعار الفائدة”.
أقر صُناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي بأن التضخم الأساسي سيثبت أنه أكثر ثباتاً مما كان متوقعاً، حيث عدلوا تقديراتهم للعام المقبل إلى 3.5%، من 3.1% في سبتمبر.
في الوقت نفسه، ظل تضخم الخدمات في المملكة المتحدة مرتفعاً عند أعلى معدل له منذ 20 عاماً في نوفمبر، بالرغم من تخفيف المعدل الرئيسي إلى 10.7% من 11.1% في أكتوبر.
قال بنك إنجلترا إن استمرار تضخم الخدمات “يبرر المزيد من استجابة السياسة النقدية القوية”.
قالت جينيفر ماكيون، كبيرة الاقتصاديين العالميين في “كابيتال إيكونوميكس”، إن “البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة ما يزال أمامها المزيد من العمل للقيام به”.
ومن شركة “هارجريفز لانسداون”، قالت ستريتر : “ربما وصل التضخم إلى ذروته، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيسلك مسارا هبوطيا سلسا بدءاً من هذه النقطة”.