3 محاور رئيسية لبرنامج مصر مع الصندوق في مقدمتها تحول دائم لسعر الصرف المرن
العمل على مزيد من التدابير للوصول لنمو يقوده القطاع الخاص وتقليص دور الدولة
أقر صندوق النقد الدولي مؤخرًا اتفاقا مع مصر سيضمن لها حزمة تمويلية بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 46 شهرا، ومن المتوقع أن تجذب الاتفاقية تمويل إضافى بقيمة 14 مليار دولار للدولة الواقعة فى شمال إفريقيا.
ولمعرفة المزيد بشأن برنامج مصر مع الصندوق، والأداء الاقتصادي المتوقع للدولة، كان لـ”دايلي نيوز إيجيبت” الحوار التالى مع سعيد بخاش ممثل الصندوق فى مصر.
هل يمكن أن تطلعنا على تفاصيل برنامج مصر مع الصندوق؟ وما الخطوات التي يجب على الحكومة المصرية اتخاذها حاليًا؟
في 16 ديسمبر الجارى، أقر المجلس التنفيذي لصندوق النقد طلب مصر لاتفاق مدته 46 شهرا تحت اتفاق التسهيل الممدد، بقيمة 3 مليارات دولار، وسيتم صرف الشريحة الأولى البالغ قيمتها 347 مليون دولار خلال أيام قليلة مقبلة، والقيمة المتبقية متوقع أن يتم صرفها على مدار فترة البرنامج على شرائح متساوية القيمة.
والاتفاق مع الصندوق متوقع أن يحفز المزيد من التمويلات من الشركاء الدوليين والإقليميين، كما أنه يدعم برنامج الإصلاحات التى أعدتها السلطات المصرية، والذى يهدف لمعالجة الاختلالات على صعيد الاقتصاد الكلي وتعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وكذلك خلق فرص العمل، وهي يستند على 3 ركائز رئيسة.
الركيزة الأولى مرونة سعر الصرف والسياسات النقدية وتستهدف العمل على التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن قادر على امتصاص الصدمات الخارجية بما يسمح بإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية بالتزامن مع خفض التضخم تدريجيًا.
الركيزة الثانية، هى استمرار الضبط المالى والسياسات المالية الهيكلية بما يسهم فى الحفاظ على ثقة الأسواق، ويضمن المسار الهبوطي للدين كنسبة للناتج المحلي بالتزامن مع تقوية وضع الموازنة وتحسين هيكل الموازنة بما يسمح بالتوسع في الإنفاق الاجتماعى.
الركيزة الثالثة تتمثل في نطاق واسع من الإصلاحات الهيكلية التي بوسعها تعزيز استثمارات القطاع الخاص وتأمين نمو احتوائى متوسط الأجل بما يشمل خفض بصمة الدولة فى الاقتصاد وضمان توحيد أسس المنافسة بين شركات الدولة والشركات الخاصة، ورفع القيود على التجارة وتحسين الشفافية والحوكمة فى القطاع العام.
ضربة البداية من مصر جاءت جيدة عبر تبني إصلاحات فى تلك الركائز الثلاثة الرئيسة، شملت تعهد البنك المركزي بالتوقف عن التدخل في سوق الصرف الأجنبي، وإقرار موازنة تسمح بمزيد من الإنفاق الاجتماعي، وتقديم سياسة ملكية الدولة وبيع عدد من الأصول العامة.
وخلال الفترة المقبلة بالإضافة إلى استمرار الالتزام بالسياسات المنضبطة على صعيد الاقتصاد الكلي، من الضروري أن تحرز السلطات بعض التقدم في خلق الظروف الملائمة لنمو يقوده القطاع الخاص بما يشمل، التبني السريع وثيقة ملكية الدولة، ويجدر الإشارة إلى أنه على مدار فترة البرنامج البالغ قرابة 4 سنوات سنعمل مع السلطات على وضع تدابير أكثر تستدعيها الحاجة لتأمين الوصول لذلك الهدف.
ما توقعاتك لنسبة الدين للناتج المحلي؟ وما أولويات الإنفاق في مصر الآن؟
البرنامج يركز على زيادة استدامة الدين عبر وضع نسبة الدين الحكومي للناتج المحلى على مسار هبوطي، ومن المستهدف أن يصل إلى 81% بنهاية العام المالي 2025-2026، على أن ينخفض دون 75% بنهاية العام المالي 2027-2028.
ومن المتوقع أن يتم عبر الظبط المالى تحقيق فوائض أولية بقيمة 1.7% و2.1% و2.3% من الناتج المحلى خلال العام المالى الحالي والعامين الماليين التاليين له على التوالى، وذلك بالتزامن مع ضمان كفاية الإنفاق الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، ستسعى الحكومة لزيادة متوسط أجل الدين العام لتقلل احتياجاتها التمويلية الإجمالية كما أن حصيلة برنامج التخارج من الأصول سيسهم في تقوية المركز المالي وخفض الدين العام أكثر، إذ أن تعزيز الإيرادات المحلية سيكون مفتاحا لدعم تلك الجهود وسيفسح المجال للإنفاق على الأولويات واستهداف دعم الفئات الأضعف.
ما رأيك فى السياسات النقدية وسعر الصرف في مصر؟ وما هي السياسات التي تنصح البنك المركزي بتبنيها في المستقبل القريب؟
الهدف من سياسة سعر الصرف في البرنامج المدعوم من الصندوق، أن يتم تحديد قيمة الجنيه بشكل حر أمام العملات الأخرى ما يمنع تراجع الاختلالات المزمنة ما بين العرض والطلب على العملة الأجنبية في مصر ويحفظ احتياطيات البنك المركزي، وذلك أيضا يضمن إزالة القيود على تمويل الواردات حتى لا يواجه المستوردون تأخرا فى الوصول للنقد الأجنبى، وبالتالى لا يتراكم حجم الواردات التى تحتاج إلى إفراج جمركى.
وفى هذا الإطار، قد يتصور المرء أن هناك مسارين لحركة سعر الصرف إما ارتفاع أو انخفاض في ضوء الأوضاع الاقتصادية.
لكن مرونة سعر الصرف بوسعها أن تجذب العديد من المزايا، إذ ستساعد الاقتصاد المصري على التكيف محليا بشكل أكثر سلاسة مع الصدمات الخارجية ، ويدعم قدرة الشركات المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج ، ويشجع على زيادة الاستثمار من خلال تقليل احتمالية حدوث تغييرات مفاجئة كبيرة في سعر الصرف.
كما أنه سيساعد في الحفاظ على احتياطيات البنك المركزي. بمجرد أن تكون هناك ثقة في تطبيق هذا الإطار ، نتوقع أن نرى تدفقات استثمارية أقوى إلى مصر.
وفي الوقت نفسه ، يحرز البنك المركزي المصري تقدمًا في تعزيز انتقال السياسة النقدية، وذلك بشكل أساسي من خلال نقل برامج الإقراض المدعوم إلى الحكومة وضمان انتقال أسعار الفائدة الرئيسية لمعدلات الفائدة الأخرى في الاقتصاد.
ونتيجة لذلك ، سيكون البنك المركزي المصري أكثر قدرة على استخدام السياسة النقدية لتوجيه التضخم إلى النطاق المستهدف للبنك المركزي ولإدارة توقعات التضخم. كان التضخم تحديا عالميا هذا العام ، ومصر ليست استثناء.
ونتوقع أن يظل التضخم مرتفعًا خلال السنة المالية الحالية 22-23 قبل أن يتراجع نحو النطاق المستهدف في السنوات اللاحقة.
بالإضافة إلى تشديد السياسة النقدية في أواخر أكتوبر – والذي كان يهدف إلى خفض الضغوط التضخمية، فإن الإجراءات الاجتماعية التي اتخذتها السلطات المصرية لحماية الفئات الضعيفة من تدهور قوتها الشرائية بسبب التضخم، كانت محل ترحيب.
هل تحتاج مصر المزيد من برامج الحماية الاجتماعية؟
لقد أحرزت السلطات المصرية تقدمًا جيدًا للغاية في تصميم وتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية المستهدفة، ويعد برنامج “تكافل وكرامة” ممتازًا ونموذجيًا لأنه يستهدف الفئات الأكثر ضعفًا وبالتالي يضمن استخدام الموارد العامة بكفاءة أكبر لمن يحتاجون إليها.
في إطار البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي ، تتخذ السلطات عدة إجراءات لتعزيز الحماية الاجتماعية ، بما في ذلك: (1) تنفيذ التوسع المعلن عنه مؤخرًا في تكافل وكرامة لتغطية خمسة ملايين أسرة بحلول نهاية يناير 2023 ؛ (2) توسيع تغطية المشمولين في الإنفاق الاجتماعي إلى 50 مليون شخص بحلول نهاية ديسمبر 2023 لتمكين الحكومة من تعزيز الاستهداف في العديد من خطط الحماية الاجتماعية الأخرى ؛ (3) بدء العمل بنظام التأمين الصحي الشامل وبرنامج التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) ؛ (4) تقديم الدعم الطارئ لحاملي البطاقات التموينية وتدابير حماية القوة الشرائية لأصحاب الرواتب والمتقاعدين الضعفاء. وستعزز هذه الجهود الجارية لتعزيز تكوين رأس المال البشري والحد من الفقر.
كيف يمكن لمصر الوصول لاستقرار اقتصادي ومستويات معيشة أفضل؟
هذه هي بالضبط أهداف البرنامج الاقتصادى الذى وضعته السلطات في مصر والمدعوم باتفاق التسهيل الممدد مع صندوق النقد الدولي، فالاستقرار الاقتصادي ضروري لدعم النشاط الاقتصادي ، في حين أن الإصلاحات الهيكلية ضرورية لزيادة إمكانات النمو في مصر ورفع مستويات معيشة الشعب المصري بشكل مستدام.
يتضمن البرنامج عناصر تهدف إلى دعم النمو الاحتوائي ومنع ظهور الاختلالات التي كانت تتطلب في الماضي تعديلات مفاجئة ومزعزعة للاستقرار، لذلك فإن مرونة سعر الصرف أمر بالغ الأهمية للسماح للاقتصاد بامتصاص الصدمات والتكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية بطريقة غير معطلة ، وتجنب تراكم الاختلالات.
ومن شأن هذا ، إلى جانب السياسات النقدية والمالية الحكيمة ، أن يساعد في تأمين استقرار الاقتصاد الكلي، كما أن هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتعزيز قدرة الاقتصاد على النمو بشكل مستدام وخلق وظائف جيدة.
كما أشرنا سابقًا ، فإن الإصلاحات الرئيسية في هذا الصدد تشمل تقليص دور الدولة في الاقتصاد ، وتمكين القطاع الخاص من خلال تكافؤ الفرص ، وتحسين مناخ الأعمال ، وتسهيل التجارة ، وتعزيز الحوكمة والشفافية في القطاع العام.
كيف أثرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل المناطق الأخرى في العالم حالة عدم يقين استثنائية ومخاطر سلبية لكن يختلف تأثير الحرب في أوكرانيا على دول الشرق الأوسط من دولة إلى أخرى اعتمادًا على خصائص وظروف كل دولة.الوجه الأول للتأثير تمثل في الزيادة في أسعار السلع الأساسية ، بما في ذلك الوقود والغذاء، إذ تواجه
مصر ومستوردي السلع والأغذية بشكل عام ضغوطًا كبيرة على قطاعهم الخارجي (من خلال تكلفة الواردات)، وفي البلدان التي ينتشر فيها دعم الأسعار مثل مصر ، تعرض الوضع المالي أيضًا للضغط (من خلال زيادة الإنفاق على الدعم).
أدى ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى الضغط على التضخم المحلي، وواصل الزيادة في الأشهر الأخيرة – بمعنى أن التضخم لا يقتصر فقط على أسعار المواد الغذائية – وهو أمر مثير للقلق أيضًا ، لأنه قد يتطلب استجابة سياسية أقوى لترويض التضخم.
بالإضافة إلى ذلك ، أدى تشديد الأوضاع المالية العالمية إلى زيادة الضغط على تدفقات رأس المال وكذلك مدفوعات الفائدة ، لا سيما في البلدان ذات الديون المرتفعة.
حان الوقت للعمل من أجل التخفيف من أزمة تكلفة المعيشة مع الحفاظ على الاستدامة المالية وبناء القدرة على الصمود. هذه هي الأولوية السياسية الأكثر إلحاحًا لجميع البلدان في المنطقة. هذا يعنى:
(1) استعادة استقرار الأسعار من خلال تشديد السياسة النقدية في البلدان التي يصبح فيها التضخم متسع النطاق وممتد للعديد من القطاعات أو حيث توجد علامات على عدم السيطرة على توقعات التضخم.
(2) معالجة انعدام الأمن الغذائي من خلال جهود حاسمة لزيادة الإنتاج الزراعي في الموسم المقبل من خلال تأمين الوصول إلى الأسمدة والاستثمار في الزراعة المقاومة للمناخ.
(3) حماية الفئات الضعيفة مع ضمان الاستدامة المالية ، مع توجيه الدعم إلى المحتاجين. سيساعد هذا في الحد من التضخم مع دعم التماسك الاجتماعي.
وهنا يجدر إبراز جهود مصر في هذا المجال إذ قدمت الحكومة الدعم للفئات الأكثر ضعفاً من خلال حزمة أولية من تدابير الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي بقيمة 130 مليار جنيه مصرى (1.7% من الناتج المحلي الإجمالي) ، بما في ذلك مخصصات للمستفيدين الجدد في إطار برنامج “تكافل وكرامة” للتحويلات النقدية المشروطة ، ودعم إضافي للأسر، تم الإعلان عنه في يوليو للتخفيف من آثار أزمة تكلفة المعيشة.
كتب – محمد سمير