تايلاند والهند تبدوان وكأنهما تقتربان من ذروة التشديد مع تباطؤ التضخم
من المتوقع أن تحول البنوك المركزية الآسيوية، التى أمضت عام 2022 فى رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، تركيزها، العام المقبل، لتتغير الصورة بالنسبة للمستثمرين مع تباطؤ زيادات الأسعار، وشعور الاقتصادات بتأثير التباطؤ العالمى.
كانت معظم البنوك المركزية فى المنطقة أقل تشدداً من بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، الذى رفع أسعار الفائدة الأربعاء الماضى للمرة السابعة خلال العام الحالى؛ لأن التضخم لم يكن بهذه الحدة.
بينما أعطى ارتفاع الدولار للمستثمرين المزيد من الحوافز لتحويل الأموال إلى الولايات المتحدة، وفرض ضغوط على عملات آسيا، استجاب صُناع السياسة النقدية بمزيج من رفع أسعار الفائدة، وانخفاض قيمة العملة، والتدخل فى السوق.
كما ساعد تحسن أرصدة الحساب الجارى، وتقليل الاعتماد على الديون الخارجية واحتياطيات النقد الأجنبى الأكبر على تجاوز الضغوط.
بدأ التضخم فى الانحسار فى معظم اقتصادات المنطقة، بدءاً من كوريا الجنوبية، والصين إلى تايلاند والهند، لكن هناك الآن علامات على ضعف النمو، كما لوحظ فى الانخفاض الحاد فى الصادرات إلى الصين وكوريا الجنوبية فى نوفمبر، بحسب مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
يعد إعادة الانفتاح الاقتصادى للصين أحد الجوانب الجيدة بالنسبة للمنطقة بعد نحو ثلاثة أعوام تمسكت خلالها بكين باستراتيجية القضاء على فيروس كورونا، وهذا قد يؤدى أيضاً إلى الضغط على أسعار السلع الأساسية.
ومع ذلك، فإنَّ الركود فى الولايات المتحدة وأوروبا، كما توقع البعض، قد يعنى ضعف الطلب على السلع ويساعد على كبح التضخم.
يقول روب سوبارامان، رئيس أبحاث الماكرو العالمية فى «نومورا»: «نعم، سيكون انتعاش الصين أمراً وارداً، لكننا نعتقد أنه سيكون وعراً فى البداية».
وتابع سوبارامان: «فى الوقت نفسه، لدينا اقتصادات رئيسية أخرى، بما فيها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تدخل فى حالة ركود، لذا فإننا نحقق التوازن بين الجميع، وأعتقد أنه سيكون بيئة ناعمة للغاية لأسعار السلع، على الأقل فى النصف الأول من العام المقبل».
يُتوقع أن يصل الدولار الأمريكى إلى ذروته بعد ارتفاعه إلى أعلى مستوى منذ عام 1985 من حيث سعر الصرف الفعلى الحقيقى، وفقاً لحسابات بنك التسويات الدولية.
توقع الاقتصاديون فى «مورجان ستانلى» أن «الدولار الأمريكى بلغ ذروته، ليتبعه انخفاض حتى عام 2023».
وهذا يعنى أن البنوك المركزية الآسيوية لن تضطر إلى رفع أسعار الفائدة بقوة لمجرد دعم عملاتها العام المقبل. قال تشارو تشانانا، المحلل الاستراتيجى فى «ساكسو ماركتس» ومقرها سنغافورة، إنَّ «قصة أسعار الفائدة يتم استيعابها فى الغالب فى السوق. وبالنسبة لسوق العملات الأجنبية، يجب أن تتحول إلى مخاوف الركود».
خفض بنك الاحتياطى الفيدرالى وتيرة تشديد السياسة النقدية يوم الأربعاء، ومن المتوقع الآن أن يتوقف مؤقتاً بمجرد رفع سعر الفائدة على المدى القصير إلى ما يتراوح بين 5% و5.25% تقريباً بحلول أوائل العام المقبل، وهو ما قد يصل إلى زيادة تراكمية قدرها 500 نقطة أساس (5.0%) فى عام واحد فقط.
لكنَّ المستثمرين ما زالوا قلقين من استمرار التضخم، فقد تراجعت الأسواق يوم الجمعة بعد أن رفعت البنوك المركزية، بما فيها البنك المركزى الأوروبى وبنك إنجلترا، أسعار الفائدة واتخذت نبرة متشددة.
قال اقتصاديو «موديز إنفيستورز سيرفيس»، إنَّ التأثير الكامل لرفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة لن يكون محسوساً إلا فى العام المقبل؛ بسبب تأخر نقل السياسة من ستة إلى ثمانية أشهر.
إذا تم ترويض التضخم، يتوقع بعض الاقتصاديين أن يتحول الاحتياطى الفيدرالى مرة أخرى إلى وضع خفض أسعار الفائدة بحلول نهاية العام، مع أول خفض لسعر الفائدة بين سبتمبر وديسمبر.
وتتوقع وكالة «موديز» خفض سعر الفائدة من 25 إلى 50 نقطة أساس فى بداية نوفمبر من العام المقبل.
فى آسيا، سيدقق المستثمرون فى مدى تقارب البنوك المركزية الوطنية مع الاحتياطى الفيدرالى؛ حيث يتحرك صُناع السياسة بسرعات مختلفة.
يمكن أن تكون كوريا الجنوبية من بين أول من تغير سرعتها، فهى من بين الدول الآسيوية الأكثر تعرضاً للصادرات والأكثر تأثراً بأى تباطؤ فى الولايات المتحدة، كما بدأت فى تشديد السياسة النقدية قبل الدول الأخرى، مع رفع سعر الفائدة فى أغسطس 2021 بهدف وقف تهاوى الوون الكورى الجنوبى مقابل الدولار، وتهدئة سوق العقارات المحموم.
يعتقد المحللون أن بنك كوريا أصبح حذراً من رفع أسعار الفائدة بشدة.
كما قال محللون فى «فيتش سوليوشنز»: «نعتقد أن الضغط المستمر فى سوق الائتمان والاقتصاد الضعيف سيوفران للبنك المركزى سبباً للمضى قدماً بحذر»، مشيرين إلى أن دورة السياسة فى البلاد «قريبة من الذروة».
تعد تايلاند مثالاً آخر على البنك المركزى الذى اقترب من نهاية دورة تشديد سعر الفائدة.
يقول الاقتصاديون فى «نومورا»، إنَّ تضخم المستهلكين بلغ ذروته فى أغسطس عند 7.9%، ويُتوقع أن يعود إلى هدف بنك تايلاند عند 1% إلى 3% بحلول مايو، كما أنهم يتوقعون أن يرفع بنك تايلاند المركزى أسعار الفائدة للمرة الأخيرة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1.5% بحلول يناير.
حتى الهند لن تكون فى مأمن من التباطؤ العالمى، بالرغم من وصفها بأنها اقتصاد مدفوع محلياً ومستفيد رئيسى من نقل سلسلة التوريد من الصين.
من المرجح أن يظل التضخم ثابتاً حتى الربع الأول من عام 2023، لكن تباطؤ النمو وانخفاض أسعار السلع الأساسية سيؤديان إلى انخفاض التضخم، كما توقع الاقتصاديون فى «نومورا»، الذين قالوا «نعتقد أن دورة رفع السياسة النقدية فى مراحلها الأخيرة».