حان وقت نسيان الدروس المستفادة من شركات التكنولوجيا الكبرى، على مدى 20 عاماً، وضعت شركات وادي السيليكون العملاقة وأقرانها المعيار لنجاح الشركات عبر مجموعة بسيطة من الاستراتيجيات، وهي الابتكار بوتيرة سريعة وإنفاق الأموال بكثرة لجذب العملاء.
كما أن السرعة بدلا من الإتقان، والوصول بدلا من الأرباح، أثبتا أنهما أساسيات لتأسيس مراكز مهيمنة سمحت لها بصد المنافسين المحتملين أو سحقهم أو شرائهم.
تعلم رواد الأعمال ذلك في كل مكان، وترسخت فرضية أن التوسع وتحقيق الربحية سيكونان الجزء السهل بعيدا عن منصات الإنترنت التي نشأت فيها هذه الأفكار.
يشعر المستثمرون، الذين كانوا في أمس الحاجة إلى النمو والعائد وسط أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا، بالسعادة الشديدة بإعطاء الأولوية لوعد النمو على الأرباح قصيرة الأجل.
خلال فترة تفشي الوباء، أصبح الاتجاه متطرفا، إذ وصلت أسهم الشركات ذات الأحلام الكبيرة والخسائر الكبيرة على حد سواء إلى ارتفاعات مذهلة.
لقد ولت تلك الأيام، حيث غير التضخم وارتفاع أسعار فائدة البنوك المركزية الحسابات المالية.
وعندما يتمكن المستثمرون من كسب عوائد قابلة للقياس من الودائع المصرفية والسندات ذات التصنيف العالي، فإن الاستثمارات المضاربة التي تعد بالنمو تفقد ميزتها. انخفضت أسعار أسهم “جوجل” و”أمازون” و”فيسبوك” ما بين 40% و60% على أساس سنوي، وكان أداء الشركات المشابهة الأصغر حجما أسوأ من ذلك.
كما أن هناك شعورا متزايدا بأن أهم التحديات في عصرنا، تحسين الصحة وخفض انبعاثات الكربون وأي شيء ينطوي بشكل أساسي على عالم حقيقي بدلا من منتج رقمي بحت، سيتطلب نهجا مختلفا.
أصبحت معظم شركات التكنولوجيا الكبرى غنية بالبرمجيات، ويمكن تحديثها بسهولة ومجانية مبدئيا للتوزيع على نطاق واسع.
ومثل هذا الابتكار عبر الإنترنت يولي بالفعل أهمية كبرى “للفشل السريع”: الحصول على منتج سريعا، وبناء منصة متابعين وإصلاح الأخطاء لاحقا.
لا ينطبق الأمر نفسه ببساطة على سيارة أو دواء أو حتى نكهة جديدة من اللحوم المغلفة، كما ينبغي أن تعمل بشكل صحيح وتفي بالمعايير التنظيمية على الفور، ولا يمكن بناء منشآت الإنتاج وشبكات التوزيع من العدم، أو تعديلها بسهولة بعد طرحها في السوق.
في المجال المادي، يمكن للمبتكر أن يرى منتجه الرائد يتبخر في مواجهة المنافسة من قبل المنافسين ذوي الخبرة في الإنتاج والتوزيع.
تكتشف “تسلا” ذلك بالطريقة الصعبة، فقد انخفضت حصة الشركة في سوق المركبات الكهربائية الأمريكية إلى أقل من 65% وذلك من 79% قبل خمسة أعوام.
وتتوقع “ستاندرد آند بورزجلوبال موبليتي” أنها ستنخفض إلى أقل من 20% بحلول 2025 حيث تنتج مصانع أخرى شاحنات كهربائية ونماذج أرخص وأسرع من قدرة “تسلا” على بناء مصانع جديدة.
يقول ديفيد ميلستون، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة “ستاندرد إندستريز”: “العالم الحقيقي أكثر فوضوية، وحتى إذا كانت لديك سيارة رائعة، عليك أن تبنيها في مصنع. عليك أن تجد الأرض، ثم عليك تخصيصها. كما عليك أن تجد الناس. إنه ليس بأمر يمكن اختباره بطريقة عشوائية”.
من الأمثلة على ذلك جهود شركة “ستاندرد” لتولي أعمال الألواح الشمسية السكنية لشركة “تسلا”.
عندما يتم افتتاح مصنع شركة ستاندرد الثاني “جي إيه إف إنيرجي” العام الحالي 2023، سينتج ما يكفي من الألواح الشمسية لتغطية 50 ألف سقف سنويا.
ويمكن أيضا تثبيت هذه الألواح الشمسية الأرخص سعرا بواسطة خبير أسقف تقليدي باستخدام مسدس مسامير بدلا من مختص.
ومع ذلك، فإن التوسع لم يكن سهلا حتى بالنسبة لشركة تعد بالفعل أكبر شركة في العالم لتصنيع مواد التسقيف.
مثل كثير من الشركات الأمريكية، واجه مصنع “جي إيه إف” نقصا في اليد العاملة، لذلك انتهى بها الأمر ببدء برنامج تدريبي لإعداد العسكريين المتقاعدين، والأشخاص الذين خرجوا من السجون لتوهم والشباب المعرضين للخطر للعمل في قطاع الأسقف.
كان الخطأ الثالث الكبير الذي ارتكبته الشركات المنافسة لشركات التكنولوجيا الكبرى هو افتراض أن العملاء لأول مرة سيبقون.
واعتقد عدد كبير جدا من شركات الخدمات الرقمية والتجارة الإلكترونية أن نموها السريع خلال عمليات الإغلاق بسبب الوباء ينذر بارتفاع دائم في الإيرادات، وليس ضربة استثنائية لمرة واحدة تراجعت سريعاً في مواجهة المنافسة المتجددة.
كما أن الشركات التي برزت خلال الوباء مثل شركة “زووم” لاتصالات الفيديو، وشركة “دلفيري هيرو” وشركة “بيلوتون” مرة أخرى تعود إلى الواقع الأليم.
يقول ديفيد جارفيلد، الرئيس العالمي للصناعات في شركة “أليكس بارتنرز”: “في مجال التكنولوجيا عموما والبرمجيات على وجه التحديد، يعد تأثير الشبكة مصدرا محتملا للميزة، لكن نموذج السباق من أجل الحصة لا ينجح في كثير من القطاعات الأخرى”.
تبدو نصيحة أخذ الوقت اللازم للحصول على المنتج الصحيح أقل إثارة بكثير من “التحرك بسرعة ودمر الأشياء”، لكن بالنسبة لمعظم الشركات، وفي معظم القطاعات، يكاد يكون من المؤكد أنها تذكرة لنجاح أكثر استدامة.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”
بقلم: بروك ماسترز، محررة الشؤون المالية الأمريكية في فاينانشيال تايمز