الشركات المملوكة للدولة فى قطاعات التصنيع والضيافة والتجزئة أسهل فى البيع
تستعد مصر لتطبيق خطط واسعة النطاق لتمكين القطاع الخاص وزيادة دوره فى الاقتصاد، بحسب ما أعلنت الحكومة مرارًا وتكرارًا. وأطلقت الحكومة ما يمكن أن يكون دستور تمكين القطاع الخاص والمتمثل فى وثيقة ملكية الدولة والذى يحدد القطاعات التى لن تتدخل فيها الدولة وتلك التى ستظل موجودة فيها.
الخطط المصرية لتعزيز دور القطاع الخاص سبقتها تجارب عالمية كبيرة وشهيرة، ربما تكون هناك حاجة لفحصها عن قرب فى ظل تغير اتجاهات الإصلاح الاقتصادى حول العالم بمرور الزمن ومراكمة الخبرات التى ربما نحن حاجة إليها حاليًا قبل التفكير فى اختراع العجلة.
وبعد سنوات طويلة من إطلاق برنامج خصخصة الشركات الحكومية فى تسعينيات القرن الماضى تسعى الدولة حاليًا لنهج أكثر وسطية يتضمن المشاركة أو التخارج الجزئى من الشركات إلى جانب التخارج الكلى والذى كان الصيغة الوحيدة المعمول بها سابقًا.
ويقول البنك الآسيوى للتنمية إن تعزيز حوكمة الشركات الكبيرة المملوكة للحكومات فى البنية التحتية والقطاعات الأخرى أصبح أولوية لجذب الاستثمار الخاص.
وذكر البنك أن الخصخصة ليست بديلًا لمناحى تطوير القطاع الخاص، ففى كثير من الأحيان الخصخصة أقل أهمية لنمو القطاع الخاص من تشجيع تدشين شركات جديدة، كما تم تطوير مناهج بديلة للرقابة والحوكمة فى الشركات المملوكة للدولة والتى تعمل على تحسين أداء الشركات المملوكة للدولة بشكل مستمر دون الخصخصة الكاملة.
ويتطلب تخارج الحكومة من القطاعات المختلفة تعزيز دورها التنظيمى والرقابى خاصة فى القطاعات الخدمية، كما تحتاج عملية زيادة دور القطاع الخاص إلى وجود إطار عمل لتطوير جوانب مهمة من التشريعات التجارية، مثل قانون الملكية وقانون المنافسة وقانون الشركات وتسوية المنازعات والقوانين الأخرى ذات الصلة.
نظرة تاريخية
على مدى عقود خصخصت الحكومات الشركات لمملوكة للدولة لتحسين أدائها وتقليل مخاطرها المالية، إذ أن أداءها كان مخيبًا للآمال فى كثير من الأحيان، حتى بعد الإصلاحات لتحسين أدائها المالى والتشغيلى وتقوية ميزانيتها لكنها نادرًا ما تحقق أو توزع أرباح.
وبحسب تقرير للبنك الآسيوى للتنمية فخلال الثمانينات وأوائل التسعينات كانت هناك عدة محاولات لوضع قيود صارمة على ميزانيات الشركات وتعريضها للمنافسة وإدخال تغييرات مؤسسية وإدارية لكنها أسفرت عن تحسن طفيف، وبعض الجهود كانت واعدة لكن ثبت أنها غير مستدامة.
ومن هنا ظهرت فى الثمانينات محاولات الخصخصة كأداة لتقليل عبء الشركات المملوكة للدولة من على خزانة الدولة، وتحسين أداءها وفرص وصولها لرأس المال الاستثمار اللازم لتطوير وتوسع شركات الدولة بحسب التقرير.
ويقول البنك إنه منذ 1980، نجحت الخصخصة فى تقليل الخسائر وتحسين الأداء لكن المكاسب اقتصرت على دوائر ضيقة، فيما تحملت مجموعات بعينها تكلفة الخصخصة المرتفعة، وبصفة عامة فإن البيانات تشير إلى أن الخصخصة بوسعها تحسين الأداء المالى، لكن ذلك لا ينطبق على كافة القطاعات وفى كثير من الحالات فإن معظم المكاسب تذهب للمالكين الجدد فيما يتحمل الخسائر المستهلكين والعمال وفى بعض الأحيان بعض أصحاب المصلحة الأخرين.
أوضح أن ذلك كان مرتبطًا بشكل أساسى بمخاوف من الشفافية والفساد فى عملية الخصخصة نفسها، وعلى مر الزمان، أدت تلك المخاوف ليقين متنامى بشأن الحاجة لتضمين القطاع الخاص كأداة لتحسين الأداء وخفض التدخل السياسى ورفع الانضباط المالى وتحسين حرفية عمليات الشركات المملوكة للدولة.
وقال التقرير إن الخصخصة كلما كان تطبيقها صحيحًا كلما كان من المتوقع منها أن تحسن الكفاء بشكل أسرع وتشجع الاستثمار بالتوازى مع خلق فرص عمل وتحرير الموارد العامة للاستثمار فى البنية التحتية والقطاعات الأخرى فى الاقتصاد.
لكنه ذكر أن الخصخصة ليست بديلًا لمناحى تطوير القطاع الخاص، ففى كثير من الأحيان الخصخصة أقل أهمية لنمو القطاع الخاص من تشجيع تدشين شركات جديدة، كما أن تم تطوير مناهج بديلة للرقابة والحوكمة فى الشركات المملوكة للدولة والتى تعمل على تحسين أداء الشركات المملوكة للدولة بشكل مستمر دون الخصخصة الكاملة.
اتجاهات الخصخصة
بحسب التقرير بدأت الخصخصة ببطء خلال معظم الثمانينيات والتسعينيات. لم يكن هناك سوى عدد قليل من العمليات فى الثمانينيات، فيما بلغت ذروتها فى منتصف التسعينيات وتراجعت بعد الأزمات المالية الآسيوية فى عام 1997 والأزمة المالية فى روسيا عام 1998.
ويقول البنك إنه خلال التسعينات بلغ إجمالى حصيلة الخصخصة عالميًا 850 مليار دولار، إذ نمت من 30 مليار دولار فى عام 1990 إلى 145 مليار دولار فى عام 1999.
أضاف:”شهد أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين إلى منتصفه مستويات تقترب من مستويات الخصخصة القياسية فى مجموعة واسعة من القطاعات، بما فى ذلك البنية التحتية والخدمات المصرفية”.
تابع:”وبداية من عام 2001، استمرت عائدات الخصخصة فى الانتعاش، لا سيما فى قطاعات الاتصالات والطاقة والتمويل، خاصة فى جمهورية التشيك والهند وجمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية، لكن رغم انخراط نحو 120 دولة فى الخصخصة، تركزت العائدات فى 10 دول فقط، إذ شكلت جمهورية التشيك وبولندا وجمهورية الصين الشعبية معًا 40% من إجمالى العائدات من 1990 إلى 2003″.
وذكر أنه فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تركز نشاط الخصخصة فى مصر، وخاصة فى قطاع التصنيع، وفى المغرب الذى كان له عمليات خصخصة فى قطاعات الطاقة والبنوك والاتصالات.
وأشار تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) إلى أن الاتجاه نحو الخصخصة ظل ينمو فى أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، لكن بوتيرة أقل إذ ارتفعت إيرادات الخصخصة من 110 مليارات دولار فى عام 2008 إلى 266 مليار دولار فى عام 2016.
أضافت منظمة التعاون الاقتصادى أن هذا التطور رافقه تحول إقليمى ملحوظ، إذ أنه فى عام 2008، استحوذ 25 عضوًا من الاتحاد الأوروبى على أكثر من نصف إجمالى عائدات الخصخصة، لكن الحصة انخفضت إلى ما يزيد قليلاً عن 14% فى عام 2016. وكان معظم التحول بسبب الخصخصة المتزايدة فى جمهورية الصين الشعبية، إذ بلغت فيها حصيلة الخصخصة فى عام 2015 نحو 173 مليار دولار، بينها أكثر من 40 صفقة بلغت قيمة كل منها ما يزيد على مليار دولار.
وكانت معظم المبيعات فى قطاعى المال والتصنيع، ومعظمها من خلال طروحات الأسهم الأولية أو الثانوية فى أسواق الأسهم.
لماذا تلجأ البلدان للخصخصة؟
فى حين تباطأت الخصخصة منذ عام 2008 إلا أنها لم تتوقف، وتعددت دوافع الخصخصة وكان أبرزها أنه لم يعد هناك حاجة لملكية الدولة للشركات، مثلما هو الحال فى لاتفيا والنرويج وبولندا والسويد والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، أو تحسين آليات السوق والاقتصاد وتحسين الكفاء كما فى جمهورية التشيك والمجر وإيطاليا واليابان وتركيا، بحسب تقرير البنك الآسيوى للتنمية.
وعدد تقرير البنك الأسيوى للتنمية أسباب أخرى مثل زيادة الموارد المالية كما فى إستونيا وفرنسا وإيطاليا وليتوانيا والسويد وتركيا، وتحسين أداء الشركات مثل الدنمارك وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وتقليص دور الدولة فى الاقتصاد كما فى كازاخستان وبولندا وتركيا أو أن ملكية الدولة للكيانات كانت مؤقتة منذ البداية كما فى هولندا والمملكة المتحدة.
هل اختفت الشركات المملوكة للدول من الاقتصادات المتقدمة؟
تمثل الشركات المملوكة للدولة فى أوروبا وآسيا الوسطى ما يقرب من نصف العمالة فى القطاع العام، لكن فى العديد من البلدان المتقدمة، خرجت الشركات المملوكة للدولة إلى حد كبير من القطاعات التنافسية، مثل التصنيع، لكنها تظل لاعبًا مهمًا فى صناعات مثل قطاعات الطاقة والخدمات مثل السكك الحديدية والمرافق المحلية بحسب منظمة التعاون الاقتصادى.
وأشارت المنظمة إلى وجود استثناءات ملحوظة مع وجود الشركات المملوكة للدولة فى القطاعات التنافسية فى بعض البلدان ذات الدخل المرتفع مثل المجر وبولندا وسلوفينيا.
وتواصل الشركات المملوكة للدولة لعب دور فى قطاعات التصنيع فى البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض مثل أذربيجان وبيلاروسيا ودول فى آسيا الوسطى، وكذلك الهند وجمهورية الصين الشعبية، وغالبًا ما يتم تبرير ذلك بالحاجة إلى معالجة فشل السوق، بحسب تقرير البنك الآسيوى للتنمية.
وإجمالًا بحسب تقرير البنك، كانت الخصخصة هى الخيار الرئيسى للشركات المملوكة للدولة فى مناطق مختلفة فى التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وأدت الأزمة المالية لعام 2008 إلى انتقال تدريجى من الخصخصة المباشرة إلى الملكية المشتركة، لا سيما فى الشركات المملوكة للدولة الأكبر والأكثر تعقيدًا، وإلى تعميق أسواق رأس المال من خلال الطروحات العامة الأولية للشركات المملوكة للدولة.
كما أصبح تعزيز حوكمة الشركات الكبيرة المملوكة للدولة فى البنية التحتية والقطاعات الأخرى أولوية لجذب الاستثمار الخاص.
ما استراتيجيات الخصخصة التى اتبعتها دول العالم؟
تعتمد استراتيجية الخصخصة على الأصول وظروف السوق، إذ أنها تكون أسهل وأكثر فاعلية عند وجود المؤسسات المناسبة والقدرة التنظيمية، كما سيساعد استقرار الاقتصاد الكلى والاستدامة المالية والحوكمة الرشيدة على جذب وبناء ثقة المستثمرين بحسب ما قاله البنك الآسيوى للتنمية فى تقريره.
أضاف “عادة ما تكون الشركات المملوكة للدولة فى قطاعات التصنيع والضيافة والتجزئة أسهل فى البيع ومن المرجح أن تحقق فوائد اقتصادية واضحة، وأن تعزز المنافسة المحلية وتنافسية المنتجات عند التصدير، كما يمكن لإصلاحات مثل تحرير التجارة والأسواق، أن تجعل الخصخصة أكثر فعالية لهذه الشركات المملوكة للدولة”.
تابع: “وعلى الجانب الآخر فإن الشركات المملوكة للدولة فى القطاعات المنظمة إداريًا أو التى تحتكرها الدولة يكون أكثر صعوبة، فرغم التجارب الناجحة فى عدد من تلك القطاعات مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية، لكن هناك قطاعات كانت الخصخصة فيها صعبة للغاية مثل نقل الطاقة، وكذلك المياه التى نجحت فيها حالات قليلة فقط”.
وأشار إلى أن هناك قطاعات أخرى مثل التمويل أو التعدين لديها أيضًا قواعد تنظيمية وضريبية قد تجعل عملية الخصخصة أكثر صعوبة.
كما يمكن أن يؤدى عدم كفاية التنظيم فى تلك القطاعات الحساسة إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين بعد الخصخصة، ومن ناحية أخرى فإن تصور المستثمرين استمرار التدخل الحكومى من خلال تنظيم السوق أو آليات الدعم أو تحديد الأسعار قد يحد من اهتمام المستثمرين.
لكن، يشير تقرير حديث للبنك الدولى إلى أن خصخصة مثل هذه الشركات حقق فوائد فى البلدان ذات الدخل المتوسط مثل شيلى وماليزيا والمكسيك، حيث كانت بيئة السياسات مواتية وكانت الحكومة لديها القدرة على تنفيذ نظام تنظيمى جديد أو قائم.
ويرى تقرير البنك الآسيوى للتنمية أن البديل الشائع فى هذه الحالات هو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو الإصلاحات الحديثة فى الشركات المملوكة للدولة.
ما الخطوات المطلوبة لخصخصة شركات القطاعات الحساسة؟
بحسب تقرير البنك الآسيوى للبنية التحتية، تتطلب خصخصة الشركات المملوكة للدولة فى القطاعات الحساسة عدد من الخطوات بينها فصل الأصول التنافسية وغير الأساسية، وفى بعض الحالات، بيعها بشكل منفصل، ويجب وضع لائحة التسعير، ومعايير الخدمة الدنيا.
أوضح أن ذلك هدفه المساعدة فى التحكم فى التكلفة وتعزيز كفاءة الكيان المخصخص حديثًا، مع السماح بأموال كافية لتغطية الصيانة والاستهلاك، وفى قطاعات مثل الطيران والطاقة والتمويل، قد تحتاج الجهات التنظيمية إلى التعزيز أو إنشاء جهات رقابية جديدة.
وذكر أن ذلك الإطار يكفل الوضوح للمالكين الجدد مع توفير الشفافية وكذلك تقديم الخدمات بكفائة لأصحاب المصلحة الآخرين.
ما الإطار القانونى الذى يجب وضعه قبل الشروع فى الخصخصة؟
بحسب البنك الآسيوى للتنمية يمكن النص على إجراءات الخصخصة فى قانون واحد أو تعتمد على مجموعة من القوانين واللوائح والممارسات.
على سبيل المثال:
• لا يوجد فى الأرجنتين إطار قانونى وتنظيمى شامل للخصخصة، على الرغم من أن قانون إصلاح الدولة لعام 1989 حدد الإجراءات.
• فرنسا لديها المرسوم رقم 2014-949 الذى ينظم الخصخصة.
• ألمانيا لديها قانون الميزانية الفيدرالية الذى يوفر الأساس القانونى للخصخصة، بالإضافة إلى تشريعات أخرى.
• المجر لديها قانون ممتلكات الدولة الذى يحكم الخصخصة.
• ليس لليابان تشريعات شاملة، ولكنها مشتقة من تشريعات محددة.
• يوجد فى كازاخستان قانون الخصخصة وقانون ملكية الدولة وقانون الشركات العام والمشتريات العامة وقوانين المنافسة.
• بولندا لديها إطار قانونى وتنظيمى للخصخصة منصوص عليه فى قانون 2016 بشأن مبادئ إدارة ممتلكات الدولة.
• تركيا لديها قانون الخصخصة لعام 1994.
ما المشكلات التى تواجهها الدول قبل تنفيذ عمليات الخصخصة؟
1-التحضير للبيع
قد تتطلب الشركات المملوكة للدولة إعادة الهيكلة قبل البيع، يمكن أن تتضمن إعادة الهيكلة تغييرات فى الشكل القانونى، أوإدارة جديدة أو إغلاق أو فصل أو تقسيم جزء من الشركة المملوكة للدولة التى لن يتم بيعها أو بيعها بشكل منفصل؛ أو ضخ رأسمال أوالتخفيضات والتغييرات فى القوى العاملة.
ويمكن أن يشمل أيضًا استثمارات جديدة للتحديث أو إعادة التأهيل، وقد تحتاج الشركات المملوكة للدولة الأصغر حجمًا إلى إعادة هيكلة أقل ويمكن بيعها “كما هى”.
قامت دول مثل تشيلى وجامايكا والمكسيك بتصفية الشركات الصغيرة المملوكة للدولة بهذه الطريقة وأغلقت شركات غير قادرة على الاستمرار، ومع ذلك، فى الشركات الكبيرة، غالبًا ما تكون إعادة الهيكلة مقدمة للبيع.
يتضمن هذا عادةً تقسيم الشركات الكبيرة إلى وحدات قابلة للاستمرار وأخرى بغرض التصفية، وفصل الأنشطة التنافسية وغير التنافسية، وتحديد الأصول الثانوية التى يمكن بيعها بشكل منفصل.
قد تحتاج الحكومية إلى التعامل مع التزامات المؤسسة محل الخصخصة، إذ أن المستثمرين لن يكونوا على استعداد لتحمل ديون كبيرة، وقد تكون هناك حاجة إلى إعادة جدولة الديون، وشطب ديون، وسداد البعض.
أوضح أنه إذا كانت الديون مرتفعة للغاية، فسيتعين على الحكومة عادةً أن تسقط تلك الديون للدولة، على سبيل المثال، من خلال استيعاب التزامات المعاشات التقاعدية فى الميزانية، أو إعادة الهيكلة لدائنين آخرين.
وإذا كان الدائنون يتكبدون خسارة جراء تعثر الشركة فيجب اتباع إجراء قانونى رسمى، وقد يتم نقل ملكية الشركة المملوكة للدولة فى هذه العملية أو حقوق الملكية للدائنين.
ويعتبر التعامل مع العمالة الزائدة مسألة مهمة وحساسة. غالبًا ما تكون عمليات التسريح ضرورية لتحسين الكفاءة، وتستوعب المعارضة العمالية الأمر عندما تدرك أن البديل للخصخصة هو التصفية، وتعتبر حملات التوعية العامة حاسمة فى شرح تكاليف وفوائد الخصخصة.
كما أدت حزم إنهاء الخدمة السخية إلى المغادرة الطوعية والحد من الحاجة إلى الفصل، ويمكن أيضًا استخدام حصص ملكية الموظفين وخطط المشاركة فى الأرباح والمكافآت للحصول على الدعم للخصخصة.
2- التسعير
فى معظم الحالات، يجب تحديد الأسعار باستخدام إجراءات المزاد الشفافة، إذ إن السماح للسوق بتحديد سعر البيع من خلال إجراءات العطاءات التنافسية أمر مهم لتحقيق السرعة والشفافية، فعلى سبيل المثال تركت دول مثل تشيلى والمكسيك وتونس التقييم للسوق.
بالنسبة للشركات الكبيرة فى القطاعات الحساسة يجب أن يكون التسعير وفق أساسات الشركة الفنية لكن نادرًا ما تقدر التقييمات الفنية سعر السوق بشكل صحيح.
وتعتبر تقييمات الشركات المملوكة للدولة صعبة فى البلدان التى تتغير فيها بيئة التشغيل بسرعة. على سبيل المثال، ذهب عدد العطاءات على السعر المطلوب لإحدى شركات الطيران المكسيكية فى التسعينيات من صفر إلى سبعة بعد أن وقعت الحكومة اتفاقية إعادة التفاوض بشأن الديون وهذا ينطبق أيضا فى البلدان التى لا تتوفر فيها بيانات مالية دقيقة بسهولة أو حيث السوق ضعيف .
كما يمكن أن تؤدى المبالغة فى التقدير والتوقعات المبالغ فيها من جانب الحكومة إلى تأخير الطرح أو فشله.
3- التمويل
يمكن أن يشكل التغلب على قيود التمويل تحديًا، إذ قد تنجم قيود التمويل عن ضعف الأنظمة المالية، خاصة عندما يتم التعجيل بالخصخصة أثناء الأزمة، وتكون ظروف السوق فى أسوأ حالاتها.
كما أن الحساسية بشأن الملكية الأجنبية هى أيضا مشكلة، فلأسباب سياسية واجتماعية، تحجم الحكومات بشكل عام عن التنازل عن الأصول لصالح المستثمرين الأجانب، لا سيما تلك التى تعتبرها ذات أهمية استراتيجية، وبالتالى تقيد المشاركة الخارجية فى الخصخصة.
وتؤدى هذه القيود إلى تضييق نطاق خيارات التمويل، لا سيما فى بيع الشركات المملوكة للدولة الكبيرة، هذه القيود تستثنى البلدان من مصدر مهم لرأس المال الجديد والأسواق والإدارة.
وخففت العديد من البلدان القيود، وأصبحت المنافسة للحصول على الاستثمار الأجنبى أكثر حدة، ولكن المخاوف الموجودة أدت إلى إنشاء أسهم ذهبية فى بعض الشركات المملوكة للدولة.
وتحفظ هذه الأسهم حقوق خاصة للحكومة، حتى عندما تحتفظ بحصة صغيرة نسبيًا فى الشركة المخصخصة، وعادةً ما تمنح هذه الأسهم الذهبية الحكومات حق النقض (الفيتو) على البيع لمساهم مسيطر جديد، أو تغيير الميثاق، أو المعاملات الرئيسية الأخرى.
ولكن التقرير حذر أنه يجب استخدامها باعتدال، لأنها تحد من حقوق الملكية، ففى كثير من الحالات، تتحقق الأهداف الأساسية بشكل أفضل من خلال التنظيم القطاعى ذى الصلة.
ما الإطار القانونى والمؤسسى المطلوب لكى يكون للخصخصة آثار إيجابية ودائمة؟
تتطلب الخصخصة التزامًا سياسيًا قويًا وتوافقًا وفهمًا عامًا وشفافية فى العملية، وذلك يوجب وجود إطار عمل لتطوير جوانب مهمة من التشريعات التجارية، مثل قانون الملكية وقانون المنافسة وقانون الشركات وتسوية المنازعات والقوانين الأخرى ذات الصلة.
كما يتضمن تحديد حقوق الملكية، وتعديل تشريعات الشركات المملوكة للدولة التى سيتم تفكيكها، وتنظيم عملية الخصخصة، كما أن هناك دورًا حاسمًا للدولة كذلك فى تطوير استراتيجية ومبادئ الخصخصة.
وتقع مسؤوليات الخصخصة على المسئولين السياسيين، الذيت يحددون الأهداف، ويضعون الأولويات، ويتخذون القرارات الرئيسية، ويشرفون على البرنامج، ويكون ذلك المستوى السياسى عادة من رئيس الدولة، أو لجنة وزارية، أو مجلس الوزراء نفسه.
استخدمت الدول آليات مختلفة لممارسة الرقابة السياسية والإشراف على الخصخصة.
على سبيل المثال، أنشأت البرازيل وليتوانيا وماليزيا وبيرو والفلبين وصربيا وتركيا لجانًا مشتركة بين الوزارات فى الأرجنتين، أشرفت الرئاسة على عمليات الخصخصة ومراقبتها، جنبًا إلى جنب مع لجنة مكونة من قسمين مع تفويض لتنسيق سياسات الخصخصة مع السلطات التشريعية والتنفيذية ؛ فى فرنسا وبولندا، أشرفت وزارة واحدة على الخصخصة. وفى تشيلى، تم تنفيذ المهام الرقابية من قبل مجلس إدارة شركة “كورفو CORFO” الشركة القابضة التابعة للدولة.
وتتنوع العلاقات بين المستويين السياسى والفنى وتعتمد على وضوح تفويض الخصخصة، لكن من أحد أشكال الأطر الجيدة هو وضع قانون خصخصة محدد بوضوح وإنشاء هيئة خصخصة مستقلة عالية التخصص وتتمثل مهمتها الوحيدة فى خصخصة الشركات المملوكة للدولة لتحسين الكفاءة وتعزيز المنافسة.
يتمتع هذا الكيان بالصلاحيات والسلطات والمهارات والخبرات المناسبة، وهو أمر بالغ الأهمية لقيادة العملية وإدارتها بسرعةوبطريقة شفافة.
أنشأت البلدان التى لديها قطاعات كبيرة مملوكة للدولة، مثل صربيا وتركيا والفلبين من بين العديد من الدول الأخرى، هيئة خصخصة مستقلة لتنفيذ العملية وضمان الشفافية والسرعة.
ماذا نتعلم من تجربة الخصخصة فى تركيا؟
لأكثر من نصف قرن كانت رأسمالية الدولة وسياسات إحلال الواردات هما المكون الرئيسى لاستراتيجية الدولة التى تنفذها شركات الدولة.
لكن الأمر اختلف فى ثمانينيات القرن الماضى حينما واجهت أزمة شديدة على الصعيدين الاقتصادى والسياسى.
وبحسب تقرير للبنك الدولى فإنَّ تحول السياسات التركية كان جذرياً من إحلال الواردات إلى تعزيز الصادرات، ومن التدخل فى كل شىء إلى العمل بآليات السوق، ومن تدعيم الشركات الحكومية إلى تعزيز فرص الشركات الخاصة.
وأشار البنك الدولى إلى أن تركيا كان أمامها طريقان إما إصلاح الشركات الحكومية وجعلها تعمل وفق بيئة تنافسية وبتكلفة أعلى أو تلجأ للخصخصة، وكان الثانى هو خيار الحكومة التركية حينها.
أوضح أن التركيز كان على التعريف الأوسع للخصخصة عبر أهداف إضافية بينها تطوير سوق المال المحلى، وتوليد أرباح للخزانة العامة، وكانت العمليات الأولية فى صورة مبيعات لسندات مشاركة فى الأرباح وحصص أقلية.
وذكر البنك، أن المحاولة الأولى لطرح الأسهم فشلت؛ لأنها كانت فى سوق هابط، ما أدى لتغير الاتجاه بعد ذلك، إلى بيع حصص للمستثمرين مباشرة، بدون تهيئة البيئة التشريعية، وكان معظم المشترين أجانب، وهو ما خلق معارضة بين الاتحادات العمالية والأحزاب.
وواجهت الخصخصة معارضة سياسية واسعة وشعبية فى بعض الأحيان، وفى ظل عدم امتلاك الحكومة حينها قاعدة تشريعية ومؤسسية وسياسية للخصخصة، وافتراضها أن الخصخصة عملية إدارية بحتة، وهو ما ثبت خطؤه بعد ذلك، فى ظل أن الأقوال كانت كثيرة لكن القليل منها فقط تحول لفعل بحسب التقرير.
ووفق البنك الدولى تم إلغاء آلية البيع بالجملة بالتزامن مع قفزة فى سوق المال، كما أن الخزانة وقعت تحت ضغط لتوليد إيرادات لاحتواء عجز الموازنة المتنامى، ما أدى لعودة العمل ببرنامج الطروحات وطرح حصص أقلية.
اقرأ أيضا: المستثمرون يحذرون من التباطؤ فى تنفيذ وثيقة ملكية الدولة
ونجحت الطروحات، وأسهمت الحصيلة فى تغطية جزء كبير من عجز موازنة عام 1990، وتراجع دور الخصخصة فى تمويل عجز الموازنة بعد ذلك، فيما تقدمت أهداف أخرى للخصخصة بعده تحسين الكفاءة.
ويرى البنك الدولى، أن أبرز الدروس المستفادة من تجربة تركيا فى بداية الخصخصة هو أن الأهداف كانت صاخبة، وحينما يتم النظر إليها بشكل مجمع تخرج باستنتاج أنها طموحات مبالغ فيها، وليست أهدافاً ذات أولوية واضحة، وكان هناك العديد من الأفكار المطروحة، ولكن القليل من الإجراءات المحددة، لذا بقيت فجوة كبيرة بين الخطاب والواقع.
أضاف أن تركيا لم يكن لديها خبرات محلية ومهارات، لذلك استعانت بمستشارين خارجيين ولم تكن دائماً مشورتهم متناسقة، وقدرة الهيئة المسئولة عن الخصخصة فى انتقاد تلك المشورة محدودة؛ نظراً إلى ضعف إمكاناتها.
وأشار إلى أنه فى ظل أن البيع لحصص الأقلية فى الشركات الرابحة، فإن ذلك لم يخفف أياً من أعباء الموازنة، على النقيض، لأنه كان مقايضة لإيرادات المستقبل بإيرادات حالية، كما أنه عكس أن الحكومة لديها عدم يقين بشأن الأداء المستقبلى للشركة المباعة فى اقتصاد سريع التغير يعانى معدلات تضخم مرتفعة، ويؤثر ذلك على سعر السهم الذى يحدده المشترون بناء على المخاطر المستقبلية.
وقال البنك، إن الطروحات يجب أن تتم فى وقت تكون أسواق المال فيه صاعدة؛ لأن ذلك يجعل فرصة تسعير الشركات الحكومية بشكل عادل كبيرة، ولكن يجب الحذر من أن إغراق الأسواق بالطروحات قد يجعل السوق تتحول إلى الهبوط.
وفى السياق نفسه، فإن طرح عدد كبير من الشركات للمستثمرين سواء محليين أو أجانب سيؤدى إلى البيع بخصم، فى ظل أن الحكومات التى تحتاج لسيولة كبيرة وتضطر لبيع العديد من الشركات فى وقت واحد على الأرجح لن تحصل على التقييم المناسب.