أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على معدلات تحويلات العاملين بالخارج في العديد من الدول النامية في منطقة آسيا الوسطى، وذلك لأن روسيا تعتبر أهم مصدر للتحويلات المالية لمعظم هذه الدول.
فعلى سبيل المثال، تمثل التحويلات ما بين 10% إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي في غالبية دول آسيا الوسطى، وبالتبعية ترتبط التحويلات المالية من روسيا ارتباطًا وثيقًا بالناتج المحلي الإجمالي لها، لذلك كان للأزمة تأثير واضح في هذا الشأن.
جاء ذلك في التحليل الذي أصدره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، يستعرض تأثير الأزمات العالمية على كل من الدول المتقدمة والناشئة.
وذكر تحليل المركز، أن العالم واجه مجموعة كبيرة من الأزمات منذ عام 2020 بداية من جائحة كورونا، إلى أزمة ارتفاع التضخم والديون، وصولًا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي عانى من سلسلة من الصدمات المزعزعة للاستقرار والتي تسببت في اختلال أسواق السلع الأساسية وسلاسل التوريد وارتفاع معدلات التضخم وتقلبات في أسواق الطاقة وعدم الاستقرار المالي.
وأوضح التحليل أن ذلك أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر في العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ووضع ضغوط مالية ضخمة على بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، الأمر الذي تطلب منها تبني سياسات واسعة النطاق لتخفيف الآثار طويلة الأجل للصدمات العالمية الأخيرة، وتقديم الدعم للفئات السكانية الضعيفة.
وناقش التحليل أثر الأزمات العالمية على الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، مشيرا إلى أن جائحة كورونا أثرت في زيادة الفجوة بين الدخول في كل من الدول المتقدمة والدول النامية، فبعد زيادة التفاوت العالمي في معظم القرنين التاسع عشر والعشرين، شهد العالم ثلاثة عقود من الانخفاض في فجوة الدخل بين مواطني العالم، حيث نمت الاقتصادات الفقيرة بشكل أسرع من الاقتصادات الأكثر ثراءً، ولكن جاءت جائحة كورونا لتوقف هذا العصر من تقارب الدخل الشخصي العالمي، حيث بدأت الفجوة في الاتساع مرة أخرى، وذلك لأن الدول النامية بشكل عام تضررت من الوباء أكثر من الدول ذات الدخل المرتفع.
وأشار إلى أن العقوبات المستمرة التي فُرضت على روسيا ألحقت الضرر بقدرتها الإنتاجية، ما أدى إلى تغييرات في أنماط الهجرة وانخفاض التحويلات من روسيا لتراجع النشاط الاقتصادي بها، بالإضافة إلى ضعف الروبل مقابل الدولار الأمريكي خلال الأزمة.
ونوه بأن الأزمات المتلاحقة تسببت خلال السنوات الثلاث السابقة في إحداث مسارات متباينة للاقتصادات المتقدمة والنامية سواء على مستوى نمو الإنتاج، أو مستوى نمو الاستثمارات، وأشارت بيانات البنك الدولي إلى أن الاقتصادات المتقدمة ستكون قد حققت انتعاشًا كاملاً في الإنتاج بحلول عام 2023، بينما ستستمر اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في التأخر مما سيعمل على زيادة الفجوة بين كل من الدول المتقدمة والدول النامية.
وبالمثل نمو حجم الاستثمارات، فأكد البنك الدولي تفاقم الفجوة في إعادة نمو حجم الاستثمارات في كل من الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية بشكل كبير، مع توقع أنه بحلول عام 2023 سوف يتعافى حجم الاستثمارات في الدول المتقدمة ليسجل معدلات نمو إيجابية، بينما ستستمر أيضًا اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في التأخر وتسجيل معدلات النمو السلبية.
وناقش تحليل مركز المعلومات التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة كي تلتحق بالركب الاقتصادي للدول المتقدمة في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة خلال السنوات الثلاثة السابقة، ولفت إلى أنه خلال العقدين السابقين تفوقت الأسواق الناشئة إلى حد كبير على الأسواق المتقدمة، فأدى النمو السريع إلى زيادة حصة الأسواق الناشئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على حساب أوروبا الغربية، حيث كانت النتائج في الأسواق الناشئة مذهلة بشكل واضح، فإلى جانب الصعود السريع لأداء الصين، فإن أسواقًا ناشئة أخرى مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا والهند تفوقت بشكل كبير في الأداء الاقتصادي.
وبين أن الأسواق الناشئة تواجه حاليًا عددًا من التحديات التي ستجعل من الصعب عليها التفوق على الاقتصادات المتقدمة في المدى القريب، ويكمن التهديد الأكثر حدة في تشديد السياسة النقدية العالمية، مما سيجعل من الصعب جذب المستثمرين إلى أسواق الديون المحلية مع زيادة تكلفة خدمة الديون الحالية.
ولكن على الرغم من هذه التحديات، يتوقع أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقوى في الأسواق الناشئة منه في الاقتصادات المتقدمة على المدى المتوسط وخلال الفترة 2022-2026، حيث سيظل النمو الآسيوي في أقوى مستوياته من المتوقع أن تنمو بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا وحدها بمتوسط 4.7% سنويًا خلال الفترة 2022-2026، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا بمتوسط 3.4% سنويًّا، بينما سيظل النمو في أمريكا اللاتينية ضعيفًا عند 2.2% سنويًا، خلال الفترة ذاتها.
أ ش أ