يشير تدفق للبيانات الرئيسية خلال الأيام الماضية، إلى أن الاقتصاد البريطاني يظهر مستوى من المرونة لم يكن واضحاً قبل بضعة أشهر فقط.
وانخفض معدل التضخم أكثر من المتوقع وظلت سوق العمل قوية، وفقا لأحدث البيانات، ما ترك كثيرا من الاقتصاديين يتوقعون نهاية رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة وركودا طفيفا أكثر مما كان متوقعا في السابق.
في ظل تراجع معظم مقاييس التضخم الأساسي في يناير، انخفض الرقم الرئيس إلى 10.1% الشهر الماضي، كما انخفض تضخم الخدمات، وهو مقياس أفضل لضغوط الأسعار الناتجة محليا، أكثر من المتوقع، بما في ذلك تباطؤ نمو الأسعار في الصناعات كثيفة العمالة، كالفنادق والمطاعم.
قال جيمس سميث، الاقتصادي في مؤسسة ريزوليوشن الفكرية، إن هناك مؤشرات أولية على أن التضخم “قد لا يكون مستمرا وعنيدا كما كان يخشى البعض”.
من جانبه، قال جورج موران، الاقتصادي في بنك “نومورا”، إن هذه الأرقام الصادرة مؤخراً “تزيد من احتمالية حدوث ركود طفيف أكثر”، مضيفاً أن “الضغط التضخمي الأقل من شأنه أن يعزز الدخل الحقيقي، ويعني أيضا تقليل التشديد المالي اللازم من بنك إنجلترا”.
لا تزال الأسواق تحتسب ارتفاع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا في 23 مارس، لكن التوقعات تتزايد بأنه قد يكون الأخير.
أظهرت بيانات رسمية أخرى نشرت الأسبوعين الماضيين أن سوق العمل ظلت مرنة نهاية العام الماضي، مضيفة وظائف أكثر مما كان متوقعا وأظهرت تراجعا في انخفاض الأجور الحقيقية.
كما انخفض معدل الأشخاص غير النشطيين، الذي يتتبع من هم خارج القوى العاملة، بعد ارتفاعه في معظم الأعوام الثلاثة الماضية، وهو اتجاه أدى إلى تفاقم نقص العمالة وزاد من الضغوط التضخمية.
قال سايمون هارفي، من شركة “مونيكس يوروب”، إنه “بينما لا نزال نتوقع ركودا هذا العام، فإننا نعتقد أنه من المرجح أن يكون أقصر وأقل وضوحا مما يتوقعه بنك إنجلترا”، مضيفاً أن الزيادة في المشاركة في القوى العاملة قد تؤدي إلى توسع الإنتاج بشكل أسرع مما تنبأ به البنك المركزي.
في أماكن أخرى، يظهر الاقتصاد أيضا علامات غير متوقعة على المرونة.
فوجئ المحللون بالبيانات الصادرة الأسبوعين الماضيين التي أظهرت انتعاش مبيعات التجزئة في يناير، بارتفاع 0.5% مقارنة بالشهر الذي سبقه.
أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي التي نشرت في بداية فبراير الجاري أن الاقتصاد تمكن من تفادي الركود في الربع الأخير من 2022، مع توسع إنفاق الأسر الحقيقي بصورة هامشية رغم ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف الاقتراض.
قالت روث جريجوري، نائبة كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة في شركة “كابيتال إيكونوميكس”، “لقد أثبت الاقتصاد قدرته على الصمود بشكل ملحوظ في مواجهة التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المرتفعة، ويبدو بالتأكيد أنه ليس بالضعف الذي كان يخشاه كثيرون”.
كما تعتقد أن حزم دعم الطاقة الحكومية كانت “فاعلة” وأن “الأسر والشركات تنفق الاحتياطيات النقدية التي راكمتها خلال الجائحة”.
إن احتمالية وعمق أي ركود يعتمدان على الخيارات التي سيتخذها وزير المالية، جيريمي هانت، في اجتماع سياسات الميزانية المقبل في 15 مارس، ليس أقلها ما إذا كان قد يغير خطط خفض دعم فواتير الطاقة للأسر، التي ستشهد ارتفاع الحد الأقصى للاستخدام المعتاد بمقدار 500 جنيه استرليني إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه استرليني سنويا للأسرة الواحدة بدءا من أبريل.
أوضح سميث أن “وضع هذا النوع من الإجراءات سيكون وسيلة فاعلة لخفض التضخم، والمساعدة على إنعاش الأسر، وبهذه الطريقة، تقليل فرص حدوث ركود”.
أضاف أن الانخفاض الحاد في أسعار البنزين بالجملة من ذروتها، رغم أنه “لم يظهر بعد في البيانات الاقتصادية الفعلية”، هو “خبر سار جدا” للتوقعات الاقتصادية.
كما انخفض سعر الغاز الطبيعي الأوروبي إلى أدنى مستوى له في 18 شهرا الأسبوعين الماضيين.
ورغم البيانات المشجعة، فإن اقتصاد المملكة المتحدة يظل الاقتصاد الوحيد في مجموعة السبع الذي لم يتعاف إلى مستويات ما قبل الجائحة، بينما يظل التضخم في المملكة المتحدة أعلى منه في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.
قال موران، “إن الصورة التي تتشكل من بيانات المملكة المتحدة أفضل بشكل واضح مما توقعه الاقتصاديون قبل شهرين، لكنها بعيدة عن الإيجابية”.
قال سامي شعار، كبير الاقتصاديين في بنك لومبارد أودييه، إنه لا يرى أي تغيير في النظرة المستقبلية لبريطانيا مقارنة بأقرانها، مضيفاً “إننا نتوقع حقا أن يستمر الاقتصاد البريطاني في الأداء دون مستواه التاريخي” ومستوى الدول المتقدمة الأخرى.
حدد الاقتصاديون بعض العوامل التي تعيق النمو، ويعزوها كثيرون جزئيا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يظل الاستثمار التجاري ضعيفا مقارنة بالاتجاهات التاريخية والأقران.
لم تنتعش صادرات المملكة المتحدة كما في الاقتصادات المتقدمة الأخرى من ضربة الجائحة.
وعلى عكس منطقة اليورو، فإن القوى العاملة لم تعد بعد إلى مستوياتها قبل الجائحة.
قالت يائيل سيلفين، كبيرة الاقتصاديين في شركة “كيه.بي.إم.جي” الاستشارية، “إننا نتوقع ركودا طفيفا نسبيا، بينما يجب أن تكون مخاوف التضخم وراءنا إلى حد كبير في وقت لاحق من هذا العام، لكن بعض نقاط الضعف الأساسية لا تزال موجودة”.