
لطالما كانت ثقافة القطيع هى الحاكمة لعجائب سيليكون فالى، فهم يرتدون سترات عليها الأحرف الأولى من أسمائهم، يقودون الدراجات البخارية الإلكترونية، ولديهم ولع غريب بالرقائق الذهبية، والأكثر أنهم أيضًا يضعون دائمًا أموالهم فى المكان نفسه، وهو سيليكون فالى بنك أو اختصارًا إس فى بى.
لقد كان هو بنك الشركات الناشئة كافة حتى انهار صباح الجمعة، وخلال فقاعة الطروحات العامة وشركات الشيك على بياض، أغدق الناس بالأموال على عملاء بنك سيليكون فالى، الذين أودعوا تلك الأموال بدورهم لدى البنك، بحسب ما كتب كاتب الرأى فى بلومبرج مات ليفين.
ونتيجة لذلك فإن معظم الشركات الناشئة المدعومة برأس المال المغامر انخرطت مع البنك.
وتضخمت الودائع تحت الطلب لدى البنك مع فقاعة التكنولوجيا وبدأت فى الانخفاض فى ظل معاناة الشركات الناشئة.
“سيليكون فالى بنك” بأكثر من طريق كان له جمهور محدد، إذ كان يلبى احتياجات العملاء أصحاب العلاقات الموسعة والذين يمتلكون جيوبا أكثر اتساعًا”. ومعظم عملائه يعرفون بعضهم البعض، بحسب ما كتب مارك روبنستين فى نشرته الإخبارية، مضيفًا أن ذلك جيد فى الحالات التى يكون فيها النشاط مزدهر.
لكن هناك مخاطر رغم ذلك، إذ أن ذلك التركز بوسعه تضخيم رجع الصدى وانتشاره حينما تكون الأوضاع غير مواتية.
فحينما سمع العملاء أو المؤسسون أن البنك يبيع 21 مليار دولار من سندات الخزانة بحوزته، لأن بعض الشركات بدأت فى سحب ودائعها، دق ناقوس الخطر فى رؤوسهم.
فالحاجة لجمع أموال خلال فترة قصيرة لن تظهر البنك بشكل جيد، كما أن السعى للحصول على تمويل لأن الودائع لديك يتم سحبها يجعل صورتك كبنك سيئة للغاية.
ما يربو على 93% من ودائع البنك البالغة 161 مليار دولار غير مؤمن عليها لأنها تزيد على 250 ألف دولار، ما يجعل الدافع لسحب الودائع عند الشعور بأن هناك خطب ما أكثر إلحاحًا.
وكإحدى كلاسيكيات العقل الجمعى لسيليكون فالى أنه لا أحد يريد أن يقع في وسط عاصفة بدون مظلة. فخرجوا مسرعين في الليل.
تداعيات ما حدث لمجموعة سيليكون فالى ألقى بظلاله على القطاع المصرفى، الذى فقد فى أمريكا 100 مليار دولار من قيمته السوقية فى واحدة من أسوأ موجات بيع الأسهم فى سنوات.
وهناك سبب آخر لزوال بنك سيليكون فالى، وهو سعر الفائدة، فمعظم البنوك تقبل ودائع وتمنح قروض، لكن سيليكون فالى لم يكن بحاجة لإقراض أى أحد، إذ كان يسبح فى بحيرة نقود.
عوضًا عن الاقراض لجأ البنك لشراء السندات الحكومية والتى فى معظم الأحيان يكون العائد عليها ثابت، ومع رفع الفيدرالى أسعار الفائدة انخفضت قيمة السندات، وزاد الأمر تعقيدًا حقيقة أن الشركات الناشئة مثل العملات المشفرة، حساسة لرفع الفائدة.
وفى بيئة الفائدة المرتفعة لم تعد الشركات الناشئة تملك الأموال كما كانت، فبدأت سحب ودائعها، ما يعنى أن البنك بحاجة لبيع السندات بخسارة لرد أموالهم.
والآن لقد خسرت الأموال وتبدو فى موقف ضعيف ماليًا، فبدأ العملاء يتحدثون ويسحبون المزيد من أموالهم، لذلك ستبيع المزيد من السندات، أى أنك ستتكبد المزيد من الخسائر.
سحقًا! الآن أصبح سيليكون فالى أكبر مؤسسة مؤمنة من قبل الشركة الفيدرالية للتأمين على الودائع تتعثر منذ 2008، وبات كل شركة ناشئة ومالكيها فى حالة قلق.
الشركات تنظر بحذر للبنوك الصغيرة الأخرى حتى إذا كان وضعها غير مثير للشكوك، مُفضلة اللجوء للبنوك الكبرى مثل جي بى مورجان تشيس وبنك أوف أمريكا بدلًا من البنوك الصغيرة مثل ويستيرن أليانس أو فيرست ريبابلك.
ومنذ الركود الكبير، عمل المشرعون فى الولايات المتحدة على إحكام قبضتهم على البنوك الكبرى فيما كانوا أكثر تساهلًا، مع البنوك الصغيرة، و”هى كنقطة عمياء فى نظام مالى قوى” بحسب ما ترى كاتبة الرأى شولى رين.
ورغم أن هناك الكثير من المخاطر التى قد نواجهها خاصة من البنوك الصغيرة التى توظف تمويلاتها فى حيازات خاطئة، لكننا بعيدون كل البعد عن أى عاصفة نظامية.
بقلم: جيسيكا كارل كاتبة رأى ومقالات فى بلومبرج.