“الكارتل” يريد زيادة إيراداته.. لكن استمرار ارتفاع التضخم قد يؤدي إلى ضعف الطلب
عندما أثار الانهيار التاريخي في أسعار البترول الخام، اضطراب الاقتصاد العالمي قبل ثلاثة أعوام، بذل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جهودًا حثيثة لإقناع السعودية وروسيا بخفض الإنتاج ودعم سوق البترول.
تمكنت تخفيضات منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها “أوبك+”، حينها من إنقاذ قطاع البترول الصخري الأمريكي من الانهيار، وأشاد ترامب بالمساعدة التي قدمتها الرياض وموسكو.
لكن هذا التعاون تبخر بعد ثلاثة أعوام، إذ أدت حرب الكرملين في أوكرانيا إلى تخلص اقتصاد أوروبا من الطاقة الروسية، فيما سعت دول مجموعة السبع لوضع سقف لسعر البترول الروسي.
كان ارتفاع أسعار البترول الخام خلال العام الماضي سبباً في تعميق الخلاف بين الرياض والإدارة الأمريكية لجو بايدن، فقد اتهم البيت الأبيض منظمة “أوبك+” في أكتوبر “بالانحياز لروسيا” بعد أن تحركت لخفض إمدادات البترول، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كان الخلاف مرئيًا مرة أخرى مؤخراً، عندما صدمت الرياض وحلفاؤها في “أوبك+” سوق البترول بالتعهد بخفض إنتاج البترول الخام بشكل أكثر، في محاولة لدعم أسعار البترول رغم المخاوف المتزايدة بشأن صحة الاقتصاد العالمي.
ضربة مفاجئة
يقول المستشار لدى شركة “سبويت رن أدفيزوري” بواشنطن، جريج بريدي، إن مفاجأة الكارتل كانت لحظة “فاصلة” ذات أهمية اقتصادية وسياسية تتجاوز أسواق البترول.
يقول المحللون إن مزيداً من الضغط التصاعدي على أسعار البترول سيعقد جهود البنوك المركزية لتهدئة التضخم، مما يضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مواجهة “أوبك+”.
وإذا نجحت مجموعة المنتجين في الحفاظ على ارتفاع أسعار البترول لفترة أطول، فقد يضر ذلك أيضاً جهود الدول الغربية لتقييد تدفق عائدات البترول إلى صندوق حرب الكرملين.
فوق كل شيء، تكشف التخفيضات الأخيرة عن مزيد من التقلبات في الجغرافيا السياسية للطاقة.
اقرأ أيضا: جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار البترول إلى 100 دولار للبرميل بحلول أبريل 2024
وفي حقبة يعتقد العديد من الخبراء الاستراتيجيين، أنها ستتسم بانخفاض الطلب على البترول وانحسار دول البترول مثل السعودية وروسيا، تتدفق القوة عائدة إلى الرياض.
تقول هيليما كروفت، رئيسة السلع لدى “أر.بي.سي كابيتال ماركتس”، إن “السعودية مستعدة الآن لتحمل التوترات مع واشنطن في سعيها لتحقيق مصلحتها الاقتصادية، فقد أوبك عادت لمقعد السائق، وتجهزت لسوق يطالب فيه السعوديون بلقطات أكثر”.
مع ذلك، لا تزال المخاطر بالنسبة للسعودية والاقتصاد العالمي كبيرة.
يقول آدي إمسيروفيتش، من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: “لدينا تضخم مرتفع، وربما تواجه الاقتصادات ركوداً، وهذا وضع تحتاج فيه إلى انخفاض أسعار البترول لفترة قصيرة من الوقت حتى يتعافى الاقتصاد”.
وتابع: “إذا لم تعد البنوك المركزية قادرة على خفض أسعار الفائدة بالطريقة نفسها، فقد تكون أوبك+ مسؤولة عن جر الاقتصاد العالمي بأكمله إلى الركود”.
أسعار البترول
قفزت أسعار البترول بعد إعلان السعودية وحلفاؤها، بما فيهم الإمارات والعراق والكويت، عن تخفيضات بلغ مجموعها مليون برميل يومياً، أو حوالي 1% من الطلب العالمي، مرتفعاً فوق 85 دولار للبرميل من 79 دولار للبرميل قبل الإعلان.
حتى قبل الإعلان عن التخفيضات، توقع محللون ومتنبئون في وول ستريت مثل وكالة الطاقة الدولية و”أوبك” أن الإمدادات لن ترقى إلى مستوى الطلب المرتفع بحلول الصيف، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في النصف الثاني من 2023.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان التخفيض المفاجئ لـ”أوبك” سيرفع الأسعار بشكل سريع للغاية نسبة إلى الاقتصاد العالمي الهش، خاصة مع استمرار محافظي البنوك المركزية في سعيهم لترويض التضخم.
تقول إيمي مايرز جاف، الأستاذة بجامعة نيويورك: “هناك انعدام يقين تجاه الأمر”، موضحة أن ارتفاع الأسعار الآن، وسط معاناة العديد من البلدان الاستهلاكية الأكثر فقراً بالفعل من الديون والدولار القوي، “ينذر بخطر دفع العالم نحو أزمة مالية أكبر، حيث تُفاقم أسعار البترول المرتفعة عوامل أخرى مزعزعة للاستقرار، ونرى انهيارًا لكل شيء بما فيها أسعار البترول”.
يعتقد آخرون أن السعودية تراهن على أن الاقتصاد العالمي بإمكانه تحمل بترولاً باهظ التكلفة، خاصة مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني.
في حين أن السعودية تدرك تقزم الطلب، لكنها تعتقد أن بلوغ سعر البرميل 120 دولار أمراً مقبولاً، حسب أمريتا سين، رئيسة الأبحاث في “إنرجي أسبكتس”.
وتعتقد أن ارتفاع الأسعار مؤخراً كان مدفوعًا بشكل أساسي بالمتداولين الذين يتطلعون لتغطية مراكز البيع، لكنها تتوقع ارتفاعًا أقوى في الأسعار في نهاية العام.
في الماضي، كان يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار البترول إلى سخاء الحكومة، لكن الرياض، التي خفضت الدعم في الأعوام الأخيرة، لم تتراجع عن زيادة ضريبة المبيعات ثلاث مرات خلال ذروة الوباء الذي وصفته بأنه إجراء مؤقت.
الأجندة المحلية السعودية
ربما تكون الاحتياجات المحلية هي الدافع وراء التخفيضات السعودية الأخيرة، لكن التداعيات ستكون محسوسة خارج المملكة، كما أن هذه الخطوة دليلاً إضافياً على الخلاف مع واشنطن وعمق شراكة الرياض مع موسكو.
من المقرر ارتفاع الطلب على نوع البترول الذي تبيعه روسيا، وسط خفض السعودية والمنتجين الآخرين لصادرات الخام بين مايو ونهاية العام، كما يقول روجر ديوان، مراقب “أوبك” المخضرم لدى “ستاندرد آند بورز جلوبال كوميديتي إنسايتس”.
بعض المحللين يعتقدون أن هذا قد يدفع أسعار الصادرات الروسية المنقولة بحراً إلى ما يزيد عن 60 دولار للبرميل، وهو الحد الأقصى الذي فرضته مجموعة السبع، مما يفيد الكرملين بشكل مباشر.