جنينة: رفض “وزارة المالية” للعطاءات طويلة الأجل مجرد “إدارة لأجل الدين المحلى”
مصدر بأدوات الدين: السندات متغيرة العائد قد تلعب دورًا أكبر الفترة المقبلة
زادت حدة الاضطرابات فى سوق الدين المحلى مؤخرًا، مع توقعات ارتفاع التضخم واستمرار سياسة التشديد النقدى، التى دفعت بأسعار الفائدة المطلوبة فى عروض المتعاملين الرئيسيين لمستويات قياسية ما أدى لرفض وزارة المالية تلك العروض رغم احتياجاتها التمويلية.
اضطرت وزارة المالية التى تستهدف متوسط فائدة على الديون قدرها 18% لرفضها، رغم حاجتها لها لتمويل عجز الموازنة المتسع وإعادة تمويل الديون التى يحل أجلها.
وخلال عطاء الثلاثاء الماضى، لم تقبل وزارة المالية سوى مليون جنيه من أصل 4 مليارات جنيه طلبتها، رغم تلقيها 26 عرضًا بقيمة 5.77 مليار جنيه بمتوسط سعر عائد 24.146%، بعدما وصل أعلى عائد فى العروض المقدمة إلى 28%.
ويرى هانى جنينة، المحاضر فى الجامعة الأمريكية، أن الأمر متعلق بإدارة أجل الدين المحلى، إذ إن المالية تلجأ لرفض العروض بفائدة مرتفعة خاصة على السندات طويلة الأجل حتى لا تضطر لدفع تلك الفائدة لفترات طويلة، خاصة مع توقعها تحسن الآفاق المستقبلية.
أضاف أنه على النقيض فى فترات انخفاض الفائدة تتوسع المالية فى زيادة أجل الدين لتقليل حجم الأقساط المطلوب سدادها خلال العام المالى ولتثبيت سعر الفائدة المنخفض.
وذكر أن هناك علاقة عكسية بين معدل الفائدة المحدد من قبل المركزى وإقبال المالية على اصدار سندات طويلة الأجل.
اقرأ أيضا: الدين الخارجى لمصر يرتفع إلى 162.9 مليار دولار نهاية 2022
وخلال أول 4 أشهر من 2023، طرحت وزارة المالية أذون خزانة أجل 91 يوما بقيمة 195 مليار جنيه، ولكنها قبلت أكثر 241 مليار جنيه، فيما طرحت أذون أجل 182 يوما بقيمة 279.5 مليار جنيه وقبلت 207 مليارات جنيه فقط.
وبالنسبة للأجل 273 يوما طرحت منه نحو 294 مليار جنيه فيما قبلت فقط 90 مليارًا، والحال نفسه كان للأجل 364 يومًا الذى طرحت فيه عطاءات بقيمة 325.5 مليار جنيه قبلت فيها 222 مليار جنيه فقط.
وخلال تلك الفترة طرحت وزارة المالية 9 عطاءات لسندات، 7 منها كانت أجل 3 سنوات بقيمة 21 مليار جنيه، وعطاءين أجل 5 سنوات بقيمة مليار جنيه لكنها قبلت نحو 13.5 مليار جنيه فى الـ3 سنوات ونحو 340 مليون جنيه فى الخمس سنوات.
أوضح جنينة: “هناك بيانات سلبية خاصة بالاقتصاد المصرى ومعظمها تتركز فى بيانات الدين الخارجى ووفرة الدولار وسعر الصرف والتضخم ولكن تغطية العطاء من عدمه لا يعدو كونه إدارة للدين العام الداخلى”.
“مورجان ستانلى”: انخفاض الجنيه وارتفاع التضخم والفائدة قد يحفز طلب تمويلات إضافية
ويرى بنك مورجان ستانلى الأمريكى، أن توافر تمويلات للدين المحلى من المستثمرين الأجانب بما يغطى العطاءات ويُخفض فائدة الدين المحلى مرتبط بالإصلاحات وخاصة الإصلاحات الضريبية والخصخصة التى تسهم فى خفض عجز الموازنة.
وذكر أن القدرة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة قد يجذب معه استثمارات فى محافظ الأوراق المالية.
ويتوقع البنك اتساع عجز الموازنة بسبب زيادة الانفاق على دعم الطعام والطاقة وحزمة الحماية الاجتماعية والفوائد، ليصبح 7.6% من الناتج المحلى بنهاية العام المالى الحالى و8.1% خلال العام المالى المقبل.
وأشار إلى أن ذلك بجانب انخفاض قيمة الجنيه والزيادة الهامشية فى الفائض الأولى ليصبح 1.4% من الناتج المحلى فى العام المالى الحالى و1.6% من العام المالى المقبل، سيؤدى لزيادة الدين العام إلى 96% من الناتج المحلى بنهاية العام المالى الحالى مقابل 92% مسجلة بنهاية العام المالى الماضى.
وقال إنه فى سيناريو تنخفض فيه قيمة العملة ويرتفع التضخم بما يستوجب رفع الفائدة ويؤدى لتباطؤ النمو بما يصعب ديناميكيات الدين فإن مصر ستكون بحاجة لمزيد من الدعم من صندوق النقد والأصدقاء فى الخليج.
أوضح أن عودة استثمارات الأجانب فى الخروج من الدين المحلى، بعدما شهدت تدفقات ملحوظة خلال شهرى يناير وديسمبر، بعد خفض قيمة الجنيه، وتأخر الحكومة فى تنفيذ برنامج الطروحات يجعل مصادر سد الفجوة التمويل الخارجية بدون رفع الفائدة على الدين المحلى -المرتفع فائدته بالفعل- بصورة كبيرة محل شك.
وخلال أول 6 أشهر من العام المالى الحالى، زادت فاتورة الفوائد بنحو 36% إلى 392.8 مليار جنيه، فيما تخصص المالية 690 مليار جنيه فوائد للعام المالى بأكمله.
وتستهدف الوزارة خفض الدين العام للناتج المحلى ليصل إلى أقل من 80% بحلول عام 2026.
هل يكون طرح سندات دولية رغم التكلفة المرتفعة هو الحل؟
وقال تقرير صادر عن بنك جولدمان ساكس “إذا كان الحل المفضل لدى صناع السياسات فى مصر كان إصدار الكثير من السندات التجارية لسد عجز الموازنة والتمويل الخارجى فذلك يعنى أن الأربعة مليارات دولار المُقدرة فى برنامج مصر مع صندوق النقد ستكون متحفظة علمًا بأنه بالفعل قد تم إصدار صكوك بـ1.5 مليار دولار”.
وأشار إلى أنه بالنسبة للمستثمرين فإن السندات الدولية عائدها الاسمى أقل عند 16% مقارنة بـ23% على السندات المحلية، لكن عائدها الحقيقى أعلى إذ أن السندات المحلية عائدها بالسالب عند احتساب تكاليف التحوط من العملة.
وذكر أن المخاطر على سعر العملة فى المدى القريب كبيرة ويظهر ذلك بوضوح فى الفارق السعرى بين العقود الآجلة غير القابلة للتسليم أجل شهر و12 شهرا والذى اتسع من 3.8 جنيه فى بداية العام إلى 5.9 جنيه.
وتتداول العقود الآجلة للجنيه المصرى عند 41.5 جنيه للدولار بحسب بيانات اطلعت عليها “البورصة”، فيما تبلغ تكلفة مبادلة المخاطر الائتمانية أجل 5 سنوات 13.98%.
وبحسب بيانات بورصة شتوتجارت، تتداول السندات المصرية المقومة بالدولار التى تم إصدارها بفائدة كوبون 4.55%، وتُستحق فى نوفمبر 2023 بعائد 14.977%، والسندات ذات فائد كوبون 5.875% استحقاق نوفمبر 2025 بعائد 16.918%، والسندات استحقاق فبراير 2031 بفائدة كوبون 5.875% تتداول بعائد 15.078%، فيما كان أدنى عائد للسندات أجل 2061 بفائدة كوبون 7.5% عند 14.657%.
“رغم تضاؤل مخاوف السوق الناجمة عن الغزو الروسى لأوكرانيا، لا تزال الأسواق متقلبة، وهناك عدم يقين بشأن مسار الفائدة، وتفاقم عدم اليقين من تعثر المصارف فى الأسابيع الأخير” بحسب «جولدمان ساكس».
أضاف أن اتساع تكلفة مبادلة مخاطر الائتمان على السندات الدولارية 4% منذ بداية العام لأكثر من 10% يبرز أن الأسواق ما زالت متخوفة من مصر، ورغم أن ذلك مرتبط بالأوضاع العالمية، لكن أداء ديون مصر كان أسوأ من معظم الدول الأخرى.
وأشار إلى أن السندات تتداول بخصم أعلى من معظم سندات الحكومات الأخرى ذات التصنيف الائتمانى نفسه، والأكثر من ذلك أن أداء السندات أسوأ من المتوقع قياساً على الأداء التاريخى لها.
وقال إن تسعير السوق الذى يعكس انخفاض أداء السندات كافة، مع انخفاض أكثر حدة فى الآجال من 2 إلى 5 سنوات يشير إلى أن المخاوف متركزة على المدى القريب، ما جعل هامش الفائدة مع السندات الأمريكية واحداً لجميع الآجال.
اقرأ أيضا: “وزارة المالية” تستهدف إطالة عمر الدين إلى 5 سنوات بحلول يونيو 2027
وأشار إلى أن الأداء الضعيف للسندات الدولارية وتوحيد الهامش مع سندات الخزانة الأمريكية لجميع الآجال القصيرة والطويلة، يشيران إلى أن السوق يستبعد قدرة مصر على أن تحافظ على استدامة ديونها وميزان مدفوعاتها من خلال الاقتراض.
وتاريخياً، لم تنجح أى دولة لديها علاوة مخاطر تزيد على 9% فى إصدار سندات، ما يعنى صعوبة وصول مصر للتمويل بالأسعار الحالية، بحسب جولدمان ساكس.
ومع تضييق السبل التقليدية للاقتراض الخارجى، وبقاء متطلبات التمويل مرتفعة، يرى “مورجان ستانلى” أن مصر تواجه خياراً صارماً، إما تسريع تنفيذ الإصلاحات، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الوافدة وتقليص عجز الحساب الجارى تدريجياً من خلال دعم نمو الصادرات بشكل أكبر على المدى المتوسط، وإما ستضطر إلى الاستمرار فى مسار خفض قيمة العملة ورفع الفائدة ومراكمة الديون وإبطاء النمو الاقتصادى.
السندات متغيرة العائد.. هل تنفذ الموقف؟
فى محاولة لتحسين إدارة الدين العام وخفض تكلفته طرحت وزارة المالية منذ بداية العام 5 عطاءات لسندات متغيرة العائد جميعها أجل 3 سنوات، بقيمة إجمالية 5 مليارات جنيه ولكنها قبلت فيها 7.74 مليار جنيه.
ويتم تسعر عائد السندات بواقع سعر فائدة الكوريدور مُضافًا إليه هامش، وفى أول الطروحات كان الهامش فى المتوسط نحو 4.509% قبل أن يرتفع إلى 4.852% فى عطاءين خلال شهر فبراير، ووصل إلى 5.25% فى عطاءى شهر مارس.
ويرى مصدر فى سوق الدين، إن تلك السندات قد تلعب دورًا حيويًا إذا توسعت وزارة المالية فيها كونها توفر تحوطًا مثاليًا لها وللمستثمر من عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة.
لكنه ذكر أنه فى الوقت نفسه، قد لا ترغب الوزارة فى ذلك إذا كانت الرؤية باستمرار التشديد النقدى القوى خلال الأشهر المقبلة حتى لا تحمل نفسها تكلفة مرتفعة فى عام تتراكم فيه الأعباء بالفعل.