أبرزت آخر توقعات كبار الاقتصاديين الصادرة عن المنتدى الاقتصادى العالمى، عدم اليقين بشأن قرارات بنك الاحتياطي الفيدارالى الأمريكى والبنك المركزى الأوروبى الأسبوع الماضى، وبينما رأى 45% من الاقتصاديين أن الركود العالمى كان مرجحًا هذا العام، استبعدت النسبة نفسها حدوثه، وبصفة أعم، فالافتقار إلى الوضوح بشأن مسار اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو هو السائد.
يحاول الفيدرالى الأمريكى تقييم تأثير عدم الاستقرار فى البنوك الأمريكية الإقليمية؛ بينما يسعى البنك المركزى الأوروبى للوقوف على مدى تأثير الارتفاعات السابقة فى أسعار الفائدة، وكلاهما يميل للحذر.
ورفع الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى، فى حين أشار إلى احتمالية توقف مؤقت عن التشديد النقدى، لتقييم الوضع.
فى الوقت نفسه، رفع البنك المركزى الأوروبى أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة أيضًا، وهو رفع أقل من السابق، بينما ينتظر المزيد من البيانات.
وعلى الرغم من أن التضخم لم يتم كبحه بعد، لكن القرارات جاءت “معقولة” فى ظل الاضطرابات الحالية.
وكانت الأسواق تتوقع أن تصل دورة رفع سعر الفائدة الأمريكية ذروتها عند ما يزيد قليلاً عن 5%، كما أشار الفيدرالى نفسه سابقًا، لكن لا يزال التضخم الأساسى فى أمريكا، باستثناء الطاقة والغذاء، مرتفعًا عند حوالى 5.6%، وفى ظل اضطرابات القطاع المصرفى، وتشديد شروط الإقراض، وعلامات الهدوء فى سوق الوظائف الأمريكية، فإن رفع أسعار الفائدة إلى نطاق من 5% إلى 5.25%، مع اتخاذ وضع الانتظار والترقب بشأن القرارات اللاحقة، يبدو منطقى، فى الواقع، وضع بيان الفيدرالى الأمريكى شروط قياسية لـ”تشديد السياسة النقدية” لكنه لم يستبعدها تمامًا.
مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، كان الاحتياطى الفيدرالى محقًا فى إبقاء الباب مفتوحًا، لكن المتداولون كانوا يبحثون عن أدلة حول موعد بدء خفض الفائدة.
أكد محافظ الاحتياطي الفيدرالى، جيروم باول، تحيز الفيدرالى تجاه الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
ومع ذلك، لا تزال الأسواق تُسعر خفض الفائدة هذا العام، وربما أراد باول أن يفسر المستثمرون تعليقاته بعد الاجتماع على أنها أكثر تشددًا.
وعلى أى حال، إذا استمر ارتفاع التضخم، فقد يعيد السوق مراجعة توقعاته بشكل كبير.
فى حين أنه من الأسهل تصور نهاية ارتفاع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة، لكنها ليست فى مرمى البصر فى منطقة اليورو، إذ ارتفع معدل التضخم إلى 7% الشهر الماضى، ولا يزال سوق العمل شديد الحرارة، لذا المزيد من الزيادات فى أسعار الفائدة ضرورة.
وكان هناك جدل حول ما إذا كانت الزيادة البالغة 25 نقطة أساس هذا الأسبوع إلى 3.25% كان يجب أن تكون 50 نقطة أساس كما فى الاجتماع السابق، لكن البيانات الأخيرة تشير إلى أن التباطؤ فى وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة كان حكيمًا.
وأظهرت استطلاعات البنك المركزى الأوروبى تباطؤ الإقراض المصرفى وضعف الطلب على الائتمان.
مع وجود دليل على أن الزيادات السابقة فى الأسعار لها تأثير كبير، فإن الزيادة الكبيرة فى الفائدة كانت ستكون أكثر من اللازم، فى الوقت نفسه، استبعدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد تخلى البنك عن التشديد إذ قالت:”لا يزال أمام لدى البنك المركزى الأوروبى “شوط أكبر ليقطعه” لكن من المهم تقييم مدى السرعة التى يحتاجها للوصول.
ربما تكون الدورة التاريخية لرفع أسعار الفائدة للبنوك المركزية قريبة من ذروتها أو فى ذروتها، لكن من المناسب لمحافظى البنوك المركزية إبقاء خياراتهم مفتوحة.
ويتوقع المستثمرون أن يقوم بنك إنجلترا أيضًا برفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع الحالى، ومع استمرار التضخم فى خانة العشرات، فإن ذلك الرفع ربما لن يكون الأخير.
ورغم أنه لا ينبغى السماح للتضخم المرتفع بأن يصبح راسخًا، لكن مع ارتفاع تكلفة الائتمان بشكل حاد خلال العام الماضى، من العدل أن يقوم محافظو البنوك المركزية الآن بتقييم مسار الفائدة خاصة مع استمرار تدفق الأدلة والبيانات حول تأثير قرارتهم.
قد يجادل البعض بأنه مع استمرار التضخم فوق الهدف، لا يستطيع صُناع السياسة النقدية الانتظار، لكن مع انحسار قوى التضخم العالمية، يتجه المسار العام للتضخم نحو الانخفاض، كما أن أسعار الفائدة المرتفعة بدأت فى تشديد الإقراض فى الولايات المتحدة وأوروبا، وتأمل البنوك المركزية أن يؤدى ذلك إلى خفض نمو الأجور.
علاوة على ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن سقف الديون الأمريكية والاضطراب المصرفى ونقاط الضعف فى القطاع غير المصرفي، ومع زيادة كثافة الضباب المحيط بالاقتصاد والتشديد النقدى المكثف الذى قامت به البنوك المركزية بالفعل، حان الوقت الآن لبدء التقييم.
المصدر: افتتاحية “فاينانشيال تايمز”