لسنوات طويلة كرس عدد كبير من العلماء والخبراء فى مجالات الطب والصحة العامة جهودهم للمساعدة فى الحد من مخاطر تدخين السجائر، خاصة بعد أن كشفت الأبحاث والدراسات العلمية الآثار الصحية السلبية للتدخين.
تلك حقائق لا تقبل التشكيك بأى حال من الأحوال لذلك يعتبر الإقلاع عن التدخين هو الخيار الأفضل للصحة.
وبنفس القدر من الأهمية ظل هناك اعتقاد راسخ لسنوات طويلة بأن “النيكوتين” هو السبب الرئيسى للأمراض الناتجة عن التدخين، وهو اعتقاد خاطئ تماما أثبتت الدراسات العلمية والأبحاث الحديثة عدم صحته، وبرأت النيكوتين من تلك الاتهامات، بل وأكدت أن السبب الرئيسى وراء جميع هذه الأمراض هو عملية الاحتراق التى تتم عند إشعال السيجارة، والتى تتسبب فى إطلاق الآلاف من المواد الكيميائية الضارة التى يستنشقها المدخن.
ويعد “القطران” أحد أكثر العناصر الموجودة فى دخان السجائر ضرراً، وفى حقيقة الأمر فإن القطران يعتبر مقياس وزن معيارى تم اختباره آلياً لرواسب الجسيمات المتبقية من دخان السجائر بعد أن يتم استهلاك النيكوتين والماء، وبالتالى هو ليس مادة مضافة إلى السيجارة، وإنما هو أحد نتائج عملية الاحتراق، كما أنه أيضا ليس نفس المادة التى تُستخدَم لإنشاء الطرق والتى تُدعى “زفت”.
إذن ما هى مادة النيكوتين؟ وهل تخلو تماما من المخاطر؟
النيكوتين مادة طبيعية موجودة فى ورق التبغ، ويتسبب تناوله بجرعات عالية فى زيادة فى معدل ضربات القلب وضغط الدم، ولا يجب استخدامه من قبل القصر والحوامل والمرضعات، فهو مادة لا تخلو من المخاطر.
فمن المسؤول إذاً عن الأمراض المرتبطة بالتدخين؟
تؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن النيكوتين ليس هو المسؤول عن الأمراض المرتبطة بالتدخين، فعلى سبيل المثال أرسل 53 عالم وطبيب من الخبراء فى علم النيكوتين وسياسات الصحة العامة – فى أكثر من 18 دولة حول العالم – بيانا مشتركا إلى الدكتورة مارجريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية فى 26 مايو 2014، أكدوا فيه أن الغالبية العظمى من حالات الوفاة الناتجة عن التدخين تحدث بسبب استنشاق جزيئات القطران والمواد الكيميائية الضارة الناتجة عن عملية الاحتراق التى تتم فى السيجارة، وأن الناس يدخنون للحصول على النيكوتين ولكن يموتون بسبب “التدخين”.
وفى المملكة المتحدة أكدت هيئة الصحة العامة أن هناك الكثير من سوء الفهم العام حول النيكوتين، وأن أقل من 10% فقط من البالغين يفهمون أن معظم المخاطر التى تلحق بالصحة العامة من التدخين ليست بسبب النيكوتين.
كما أكد الدكتور أومبرتو تيريللى، مدير قسم الأورام الطبية (أفيانو – ايطاليا) – فى ديسمبر 2016 – أن المخاطر المرتبطة بالتدخين ليست ناتجة عن النيكوتين بل عن مكونات يولدها احتراق التبغ، لذا فإنه يمكن عن طريق تشجيع التحول الى شكل آخر من النيكوتين يكون خال من الاحتراق، التقليل من المخاطر على الصحة العامة للمدخن.
بينما قال الدكتور ديريك باك، المدير التنفيذى لمراقبة التبغ فى منظمة الصحة العالمية: “يتعين علينا جميعا نحن المعنيون بمكافحة التبغ أن نضاعف جهودنا لتعويض ما فاتنا على مدار خمسين عاماً تم خلالها تجاهل حقيقة أن التدخين يقتل والنيكوتين لا يفعل”.
كما كشف عدد من الخبراء المتخصصون فى أمراض القلب والرئة وعلماء السموم خلال الاجتماع الإعلامى الدولى الثانى للحد من مخاطر التبغ الذى استضافته دولة بلغاريا، أن السيجارة تشبه “المفاعل الكيميائى الصغير” وأن الدخان المتصاعد منها يحتوى على أكثر من 6000 مادة ضارة، بينما لم يشر أى عالم منهم إلى أن النيكوتين وحده هو المسئول عن المخاطر المتعلقة بالتدخين وإنما اجمعوا على أن عملية الاحتراق هى السبب.
ولماذا تعد منتجات التبغ المسخن خيارا أفضل للمدخنين البالغين؟
إن عملية حرق التبغ تتم فى السيجارة التقليدية بداية من درجة حرارة 400 مئوية، وهى تُنتج آلاف المواد الكيماوية الضارة، يحملها الدخان إلى داخل جسم الإنسان، بينما يتم تسخين التبغ عند درجة حرارة 350 درجة مئوية،- وهى الدرجة التى لا تحرق التبغ- وبالتالى لا ينتُج عنها دخان وإنما هباء جوى، مما يقلل نسبة المواد الكيميائية الضارة بنسبة تصل إلى 95% مقارنةً بدخان السجائر، لكن ذلك لا يعنى بالضرورة تقليل المخاطر بنفس النسبة.
هذا ما أثبته المعهد الأميركى للطب، فى تقريره الصادر بعنوان “إزالة الدخان: تقييم القاعدة العلمية لتخفيض مخاطر التبغ”.
وفى تأكيد جديد على براءة “النيكوتين” من اتهامه بالتسبب فى أمراض مرتبطة بالتدخين، قال سكوت جوتليب، مفوض إدارة الأغذية والدواء الأمريكية FDA، فى عام 2017، “ليس النيكوتين هو ما يقتلك، بل المواد المسببة للسرطان الناتجة عن إشعال التبغ”، وهو أيضا ما أكده علماء وخبراء الطب، والصحة العامة المشاركون فى النسختين الأخيرتين من منتدى النيكوتين العالمى عامى 2018 و2020 من أن السموم والمواد الضارة الناتجة عن عملية حرق التبغ هى المسؤول الرئيسى عن امراض التدخين وليس النيكوتين.
وبإقصاء عملية الاحتراق، لا تتكوُّن الجسيمات الصلبة ولا مادة القطران، لذلك تعد منتجات التبغ المسخن – رغم أنها لا تخلوا من المخاطر – خيار أفضل للمدخنين البالغين الراغبين فى الاستمرار بالتدخين ومهتمين بالحد من مخاطره، بينما يظل الخيار الأفضل على الإطلاق هو الابتعاد تماما عن كل أشكال التبغ والنيكوتين.