الجميع يجتهد سعياً إلى التطوير والتنمية، وفي سبيل ذلك نحشد كل الإمكانات المادية وغير المادية، وتنشأ المسئولية المجتمعية لتقديم الدعم لمن يستحق، فنرى صوراً متعددة للمسئولية والتضامن المجتمعي بين تعليم وإطعام وإسكان وكساء ودواء، ومع ذلك لا يجب أن ننسى الإنسان نفسه، حيث ضرورة الاهتمام باحتياجاته النفسية، تلك التي لا تراها العين ولا يبوح بها اللسان.
ولاشك أن تجاهل العوامل النفسية في التواصل الإنساني قد يصل بالمجتمع إلى نهايات صادمة، فلا نريد أن نصبح بين نوعين من البشر، إما مريض نفسي يخشى المواجهة كي لا يصبح مكروهاً فيزداد مرضاً، أو مريض لا يدري عن نفسه شيئاً فيسير بين الناس ينقل العدوى ليصنع مرضى جدداً محمّلين بالكثير من التشوهات النفسية التي لا يعترف بها أحد فيخفونها ثم تنتقل منهم لآخرين.
تلك النتائج المعقدة والنهايات المؤلمة هى المشكلة الكبرى لتأخر المجتمعات، إذ كيف لمكتئب أو محبط أو مشتت أو مبتور العزيمة أو متشائم أو فاقد للأمل أو مزعزع للثقة أو مُهان أو مضطرب النفس وحزين، أن ينهض بنفسه وبأسرته ومجتمعه مهما كانت درجة تعليمه أو ثراءه، كيف لنا أن نستمر في تجاهل الألم النفسي، كيف نشارك في صناعة المرض النفسي والعجز المعنوي.
ونفتخر بتلك المرأة العظيمة التى فاضت أمومتها على المجتمع بأكمله، فأخذت على عاتقها الاهتمام بالصحة النفسية وتقديم الدعم النفسي لكل أبناء المجتمع دون خجل أو هروب، وقد أسرعت في إنشاء مؤسسة “فاهم” للتوعية بالأمراض النفسية، كي لا ينتهي استنكارنا للمرض النفسي بأبنائنا إلى إيذاء أنفسهم أو من حولهم، فتحية تقدير للأم الشجاعة السفيرة النبيلة نبيلة مكرم.
ولاشك أن هناك مجموعة من الجهود الواعدة في دعم الصحة النفسية للمجتمع المصري، والتى قادها وبدأها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث الدعم الكامل لدمج ذوي الهمم، وتكريم أمهات الشهداء، ومجالسة الأسرة المصرية البسيطة ومشاركتها الإفطار داخل شقق الإسكان الاجتماعي تأكيداً على أهمية الدعم المعنوي إلى جانب الدعم المادي والكثير من المواقف الإنسانية اللافتة.
ومن الجيد أيضاً أن نرى هذا النجاح الكبير لمبادرة “تجمل بالأخلاق”، وحملة المجلس القومي للطفولة والأمومة، للتحذير من “التنمر” الذي ينتشر في ثياب الفكاهة، وهو يحمل معاول السخرية والازدراء ليتبادلها الناس فيهدم بها كل منا غيره ويحطم قلب أخيه، فلا تجد قلباً سليماً قادراً على الحياة ولا تصادف نفساً صحيحة قادرة على التقدم والعطاء، فليتهم يعلمون.
وإن لم يكن هناك سبيل للبعد عن هذه الضغوط النفسية والسلوك العدوانية، فلا أقل من أن يدعم كل منا نفسه ليبني ما أنهدم منها، وما نعجز عنه فى أمر ما يدعمه التفوق في أمر آخر، ولترميم النفس وسعادتها أبواب شتى، أيسرها الاهتمام بالمظهر والصحة والاطلاع والانخراط في العمل، والرياضة ولو لدقائق قليلة بالقدر الذي يفرز معه العقل هرمون الأندروفين لمزيد من السعادة.
وختاماً يجب أن نواصل السعي الجاد لخدمة المرضى النفسيين الذين لا يمكنهم البوح ولا تسعفهم ثقافات من حولهم، وقد تتعدد مسببات آلامهم النفسية بين عوامل عضوية أو خارجية، إذ يجب أن نبادر بملاحظتهم سواء في المدارس أو الجامعات أو أماكن العمل، ثم نمنحهم الفرصة للتواصل بسهولة وثقة، ولاسيما عبر ابتكار منصات إلكترونية مجانية معتمدة ومتخصصة للدعم النفسي.
بقلم: أميرة التهامي مدير عام العلاقات العامة والاعلام بشركة أورنج