ارتفاع أسعار الفائدة يضر ببعض من ألمع النجوم الاقتصاديين فى القارة السمراء
قبل عام، تجنب وزير المالية الغانى كين أوفورى أتا، الحديث عن حاجة بلاده لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولى، رغم أنها دخلت وخرجت آنذاك من 16 برنامجا للصندوق منذ استقلالها فى عام 1957.
ومع ذلك، فإن غانا على وشك الحصول على خطة إنقاذ قيمتها 3 مليارات دولار، فيما تكافح زامبيا، التى تخلفت عن سداد قروضها السيادية مثل غانا، للاتفاق على شروط مفصلة لإعادة هيكلة ديونها، لكنها تأمل فى التوصل لصفقة خلال الشهر المقبل.
وتسلط غانا وزامبيا الضوء على الدور المحورى الذى بدأت الصين لعبه فى إعادة هيكلة مليارات الدولارات من الديون المستحقة على البلدان الأفريقية، والحاجة إلى تحقيق تعاون أوثق بين الصين والدائنين الغربيين والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف.
ويشير المقترضان المتعثران أيضًا إلى حقبة تقشف جديدة فى أفريقيا، حيث بلغ الدين العام الآن أعلى مستوياته منذ عقود.
هذا الأمر سيكون له تأثير كبير على الاقتصادات الأفريقية والسياسات المحلية، إذ ستتشكل المواقف الأفريقية تجاه بقية العالم من خلال ما إذا كان الغرباء، وخاصة الغرب والصين، يساهمون أو يعيقون التقدم.
وعانت أفريقيا ما بعد الاستقلال فترتين من مستويات الديون المتزايدة، الأولى جاءت فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، ما أثار أزمة أدت فى النهاية إلى شطب كبير للديون من قبل الدول الغنية، علمًا بأن الوضع تفاقم بسبب ضعف أسعار السلع الأساسية وبطء النمو الاقتصادى، حيث انكمش متوسط الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد فى أفريقيا لعقدين بدءاً من الثمانينيات.
وجاءت الحقبة الثانية من الديون المتزايدة فى عقدى 2000 و2010، عندما نظرت البلدان الأفريقية إلى ما هو أبعد من المساعدات والقروض الرخيصة من المؤسسات المتعددة الأطراف، فبين عامى 2007 إلى 2020، اقترض 21 منهم من أسواق رأس المال العالمية، والعديد منهم لأول مرة.
وقد أقرض الممولون الصينيون الحكومات الأفريقية ما قيمته 160 مليار دولار بين عامى 2000 إلى 2020.
كما استُغلت أسواق رأس المال المحلية بشكل متزايد أيضًا، فبين عامى 2010 و2020، ارتفع الدين المحلى الأفريقى من متوسط 15% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 30%.
ويؤكد الساسة الأفارقة أن الاقتراض ضرورى للاستثمار فى المدارس والعيادات والطرق، لكن الكثيرين اقترضوا أكثر من اللازم، أو أخطأوا فى إنفاق العائدات، والآن يشرفون على التقشف لأنه يتعين عليهم ذلك.
وبلغ الدين العام لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 56% فى المتوسط من الناتج المحلى الإجمالى فى 2022، وهو أعلى مستوى منذ أوائل عقد 2000، وهذا تفاقم جزئيًا بسبب كوفيد والغزو الروسى لأوكرانيا.
هذه النسبة ربما لا تبدو مرتفعة وفقًا لمعايير العالم الغنى، لكن أفريقيا يمكنها تحملها بالكاد، خاصة أن أسعار الفائدة هناك أعلى بكثير.
وعلاوة على ذلك، فإن 40% من ديون إفريقيا خارجية، مما يجعل البلدان فريسة لتقلبات أسعار الصرف.
وبالرغم من أن معظم البلدان الأفريقية تواجه أوقاتًا صعبة، فإن أزمة ديون القارة أقل تجانسًا مما كانت عليه فى أوائل عقد 2000، فهذه المرة تندرج البلدان ضمن واحدة من ثلاث فئات، كما يقترح جريج سميث، مدير صناديق الأسواق الناشئة ومؤلف كتاب “أين يستحق الائتمان”، وهو كتاب عن الديون الأفريقية.
الفئة الأولى وهى “أفريقيا الناشئة”، وهذه تشمل قلة من البلدان الأكثر ثراءً فى القارة، مثل موريشيوس وجنوب أفريقيا، وهذه لا تزال قادرة على الاقتراض فى أسواق رأس المال، وإن كان بمعدلات أعلى.
أما الفئة الثانية، فهى تضم نحو 35 دولة، وتُعرف بـ”أفريقيا الفقيرة أو الحكيمة”، وهذه إما أن تدار بشكل جيد للغاية بحيث لا تؤدى إلى تراكم مستويات عالية من الديون، أو تدار بشكل سيء للغاية بحيث لا تجتذب مصالح الدائنين التجاريين الرئيسيين.
والفئة الثالثة تُعرف بـ”أفريقيا الحدودية”، وهى المكان الذى تصبح فيه الأمور صعبة، وهذه تشمل الاقتصادات الأفريقية الـ15 تقريبًا الواعدة.
ويُظهر البلدان “الحدوديان” اللذان تخلفا عن السداد بالفعل كيف أن حل أزمات الديون فى هذه الحقبة سيكون أكثر تعقيدًا من الأول، لنبدأ بزامبيا التى يجادل المسؤولون الغربيون بأن الصين هى سبب تأخيرها وتعثرها فى أواخر عام 2020.
كما يأمل المسئولون الزامبيون فى التوصل إلى اتفاق الشهر المقبل، على الرغم من أن صبرهم قد نفد.
وتجادل ديبورا بروتيجام، باحثة العلاقات الصينية الأفريقية، بأن الصين تفعل أكثر مما يُفترض فى كثير من الأحيان، قائلة إنها خلال الوباء، كانت تمثل 63% من 13.1 مليار دولار من الديون التى أعاد الدائنون جدولتها فى 46 دولة مشاركة فى خطة تُعرف باسم مبادرة تعليق خدمة الديون.
ومع ذلك، فإن الصين ليست الصداع الوحيد للبلدان الأفريقية المثقلة بالديون، فقبل تخلفها عن السداد العام الماضى، كان لدى غانا ديون محلية مساوية للديون الخارجية.
ونتيجة لذلك، أصر صندوق النقد الدولى على أن تعيد غانا هيكلة التزاماتها تجاه الدائنين المحليين قبل أن يقدم لها خطة إنقاذ، كما اضطرت البنوك المحلية إلى خفض قيمة سنداتها بمقدار النصف تقريبًا، مما ألحق الضرر بالقطاع المالى فى البلاد.