
أدى انهيار النظام المصرفى الغربى قبل 15 عاما، إلى تبنى آلاف الصفحات من التنظيم المصرفى المعقد، ومع ذلك، نحن فى منتصف أزمة ثقة أخرى فى البنوك، فقد عانى كل من “سيليكون فالى” و”كريدى سويس” من مشاكل فريدة.
ففى حالة “كريدى سويس”، زاد التنظيم الضعيف بالإضافة إلى المماطلة من حدة الأزمة، أما بالنسبة لـ”سيليكون فالى”، انتقلت عدوى الأزمة إلى البنوك الصغيرة الأخرى.
البنوك بطبيعة الحال هشة، تحول التمويل قصير الأجل والآمن إلى قروض طويلة الأجل ومحفوفة بالمخاطر، وهذه هى الفلسفة التى تقوم عليها البنوك.
والسرعة التى يمكن بها سحب الالتزامات قصيرة الأجل، تعنى أن البنوك الموجودة الآن يمكن أن تختفى غدًا وفى معظم الوقت، ورغم ذلك يوفر النظام المصرفى أموال أرخص لتمويل الاستثمار الحقيقى.
وتجربة عدة قرون تشهد على جاذبية البنوك كوسيلة لتمويل الاستثمار، وكذلك على هشاشته، فهل يمكننا الحفاظ على تلك الفوائد مع تقليل التكاليف أو حتى التخلص منها؟.
نعم يمكننا خاصةً إذا ما وضعنا إطارًا يحكم تخصيص السيولة للبنك المركزى، وهو المصدر الوحيد الموثوق به للسيولة فى الأزمات.
كانت البنوك المركزية والمنظمون لفترة طويلة جدًا راضين عن الانتظار حتى حدوث أزمة ومن ثم نشر تدابير مخصصة، وبمجرد ما يبدأ الخوف، تلعب السيولة دورًا هامًا فى منع عدوى انتشار الأزمة.
وفى عام 2023، انصب التركيز على سحب المودعين لأموالهم ما أدى إلى اقتراحات فى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة برفع الحد الأعلى للودائع المؤمن عليها.
والدرس المستفاد هو أن ما يسمى بـ”التزامات متداولة”، كالودائع غير المؤمن عليها التى يمكن سحبها بسرعة أو أى شئ يمكن استرداده عند الطلب، يمكن أن يؤدى إلى اضطرار البنك المركزى إلى توفير السيولة.
وعفا الزمن على الدور التقليدى لمقرض الملاذ الأخير الذى تلعبه البنوك المركزية، عندما بدأت أصول البنوك التجارية تعتبر ضمانًا “سيئًا”، كون لا يمكن تقييمها فى وقت قصير يتناسب مع السرعة التى تُسحب بها الودائع.
ويجب على الحكومات والبنوك المركزية الإجابة على سؤالين:
أولاً، ما هى المؤسسات التى يجب أن تحصل على السيولة من البنوك المركزية؟
من المؤكد أن البنوك التجارية مؤهلة حيث تشكل التزامات الودائع الخاصة بها الجزء الأكبر من مخزون الأموال الطائلة، وأى شك بشأن سلامتها المالية سيعرض الاقتصاد لتحركات عنيفة فى وسائل الدفع، ما يؤدى إلى انكماش حاد فى الإنتاج والتضخم.
لكن قد يقلق المجتمع أيضًا بشأن سلامة شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية والوسطاء الماليين الآخرين، ويجب أن تُمنع هذه الهيئات إما من تحويل آجال الاستحقاق “الاقتراض قصير الأجل والإقراض طويل الأجل” أو من الحصول على سيولة البنك المركزى بالشروط التى سترد فيما بعد.
ثانيًا، كيف يمكننا الحد من حجم توفير البنك المركزى للسيولة فى وقت الأزمات لتجنب عمليات الإنقاذ المالى الممولة من دافعى الضرائب؟
يحدث ذلك عن طريق منع البنوك من قبول المزيد من الودائع غير الخاضعة لتأمين الحكومة، بأكثر ما يرغب البنك المركزى فى الإقراض مقابل الضمانات المتاحة.
المبدأ الأساسى هو أنه يجب على المصارف أن يكون لديها بشكل مستمر خط ائتمان طارئ من البنك المركزى لتغطية الالتزامات غير المؤمن عليها.
ولكل نوع من الأصول، سيحسب البنك المركزى مقدار الخصم من القيمة السوقية للأصل – الذى سيتم الاقتراض بضمانه – لتحديد حجم القروض.
وسيكون من الواضح بعد ذلك مقدار أموال البنك المركزى التى سيكون للبنك الحق فى اقتراضها، ويجب أن تتخطى السيولة الفعلية للبنك التزاماته غير المؤمن عليها.
وبذلك ستلعب البنوك المركزية دور المقرض الدائم، وسيظل تقييم الأصول ثابت لفترة طويلة، وبالتالى ستحتفظ الأصول الطويلة والمحفوفة بالمخاطر ثابتة القيمة، وكذلك حجم التمويل، فى حين أن تحديد قيمة سوقية غير مناسب للظروف الطارئة.
وستكون البنوك حرة فى اتخاذ قرار بشأن هيكل أصولها والتزاماتها وكلها تخضع لقاعدة الإقراض الدائم مقابل ضمانات آمنة، وهو ما يمنع أى تهافت على سحب الودائع أن يسقط بنكًا لأنه سيكون هناك دائمًا سيولة متاحة لتغطية جميع الالتزامات غير المؤمن عليها.
وتنفيذ ذلك المقترح ليس مستحيلًا، فشجعت أنا وبول تاكر البنوك المركزية على إقراض البنوك مقابل ضمانات، وكان بنك إنجلترا فى طليعة هذه السياسات منذ وقتها، بالإضافة إلى ذلك، أدت سياسة التيسير الكمى تلقائيًا إلى زيادة كبيرة فى ودائع البنوك التجارية التابعة للبنك المركزى، لذلك يحتاج التنفيذ تغييرًا بسيطًا فى تمويل معظم البنوك الكبيرة وبالتالى توفيرالائتمان لهم.
ويمكن أن تحل هذه القاعدة البسيطة محل معظم تنظيمات رأس المال والسيولة الاحترازية الحالية، بالإضافة إلى التأمين على الودائع، وليس من المنطقى بالنسبة للبنوك المركزية، كما فعلت الولايات المتحدة، أن تضمن جميع الودائع فى البنك الذى يفشل، ومع ذلك تؤكد أن الحد الأعلى للتأمين على الودائع يظل لجميع البنوك الأخرى.
وكانت الإصلاحات التنظيمية التى جاءت بعد الأزمة المالية أكثر بقليل من مجرد إسعافات وقتية، ويتطلب النظام الآن نهجًا أبسط وأقل تكلفة ولكنه شامل لتوفير السيولة من قبل البنك المركزى.
كاتب المقال: مارفن كينج
المحافظ السابق لبنك إنجلترا
المصدر: “فاينانشيال تايمز”
إعداد – وعد محمد: