جميعنا يعلم أن الذكاء الاصطناعى يمكنه أن يكتب ويرتب المهام حسب الأولوية، لكن هل بمفرده يمكنه كسب مليون دولار؟.
هذا هو التحدى المثير من مصطفى سليمان، الشريك المؤسس فى “ديب مايند” والذى يقوم بتطوير برنامج محادثة آلية لكن بمواصفات خاصة.
ويشير سليمان إلى أن نماذج اللغة الكبيرة مثل “لامدا” و”شات جى بى تى”، تجاوزوا حزمة التحديات المُصممة فى عام 1950 من قبل رائد الحوسبة “آلان تورنج”، الذى اختبر قدرة الردود المولدة آليًا فى المحادثات النصية فى الإقناع مقارنة بالردود المكتوبة من البشر.
الآن سليمان يقول إن العالم بحاجة إلى أن يكون هناك مستوى قياسى لقياس أداء الذكاء الاصطناعى، خاصة أننا لا نريد أن نعرف فقط ما سيقوله لكننا بحاجة لمعرفة ما يمكنه فعله.
ومن أجل تخطى النسخة المحدثة التى يقترحها من اختبارات “تورنج”، شرح سليمان أن الذكاء الاصطناعى يجب أن يتفاعل بنجاح مع ذلك الأمر: “اذهب واكسب مليون دولار على منصة بيع تجزئة فى بضعة أشهر باستثمارات 100 ألف دولار فقط”.
الأمر هنا هو أنه قد تنشأ حاجة للبشر لتوثيق حساب البنك أو إمضاء وثائق قانونية، فيما يخص الشروط والاستراتيجية والتنفيذ، سيكون الذكاء الاصطناعى هو المسئول.
فكرته فى خلق التكنولوجيا التى بوسعها أن تخلق ربح بشكل آلى جيدة، ومفيدة فى قياس مدى النجاح الذى بوسع الذكاء الاصطناعى الموجه تحقيقه.
ولكنها أيضًا تكشف أن ثقافة بيئة التكنولوجيا تبجل الربح فوق المنفعة الاجتماعية وتأخذ ضمنيًا حقها فى الابتكار بلا حدود، رغم العواقب.
ومن المرجح أن يحل الذكاء الاصطناعى الذى يمكنه أن يجد طريقه إلى الثروة محل الوظائف، ويغير طبيعة التجارة، ويحول السلطة إلى أيدى قلة وينشر الاضطرابات بين الكثيرين.
فكرة تحديث اختبار “تورنج” فى كتاب سليمان القادم، “الموجة القادمة: التكنولوجيا والقوة وأكبر معضلة فى القرن الحادى والعشرين”، قائمة على أننا فى عصر ذهبى للتكنولوجيا المتاحة، مع اختراقات مثل الحوسبة الكمية، والأسلحة الذاتية، وطابعات الحمض النووى.
ويعد الذكاء الاصطناعى الآن عنصرًا أساسيًا فى كثير من المناحى فى عالمنا المتصل بالشبكات، وذلك يخلق معضلة “الاحتواء” فمن السهل بشكل متزايد على الجهات الفاعلة بشكل منفرد إحداث فوضى واسعة النطاق، كما هو الحال مع البرامج الضارة والفيروسات المُصنعة، ولكن من الصعب بشكل متزايد على الدول القومية مراقبة تلك التكنولوجيا والسيطرة عليها.
وأحد التحديات التى تواجه الحكومة تكمن فى الفهم الحقيقى لتطور قدرات الذكاء الاصطناعى، فالمناقشات العامة تميل للاستقطاب حول محورين، الذكاء الاصطناعى الحالى المصمم لبناء مهام محددة مثل اتخاذ قرار بشأن رهن عقارى أو كتابة مقال، والذكاء الاصطناعى الشامل، بالقدرات فائقة الذكاء التى قد توازى أو تجاوز قدرات الإنسان فى الإبداع والفكر المستقل.
ويعتقد سليمان بحق أننا بحاجة إلى قياس ما يجرى فى الوسط، منطقه فى ذلك هو أن أول مليونير مستقل فى العالم رائد أعمال للذكاء الاصطناعى، سيشكل علامة فارقة تبشر بـ”الذكاء الاصطناعى القادر”.
قد يختلف هذا النوع من الذكاء الاصطناعى عن التداول الآلى، الذى يتبع نفس القواعد التى يتبعها الأشخاص ولكن بشكل أكثر كفاءة، لكن عوضًا عن ذلك، الاختبار المُحدث يظل ضمن حدود الشاشة، ولكنه يتطلب أيضًا أهدافًا فرعية متعددة، ومهارات ونقاط تفاعل مع العالم، ويحتاج إلى إجراء أبحاث السوق، وتصميم منتج، والتفاعل مع الشركات المصنعة، والتعامل مع الخدمات اللوجستية المعقدة، ومسؤولية المنتج، والقيام بالتسويق.. إنها تتطلب استقلالية الآلة على نطاق غير مسبوق.
ويدافع سليمان عن اختيار الهدف النقدى بدلاً من الهدف المفيد اجتماعيًا، مثل حث الذكاء الاصطناعى على إيجاد طريقة جديدة لخفض انبعاثات الكربون، وهو يجادل بأن مليون دولار هى “طريقة إرشادية سريعة يمكن فهمها بسهولة فى جزء من الثانية، وتقول: انتبه للحظة الذكاء الاصطناعى لا يتحدث فقط، إنه يفعل”.
ومن الواضح أنه تأمل فى تداعيات تلك اللحظة، لقد كتب أن الذكاء الاصطناعى الذى يمكنه زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى، مع الحد الأدنى من التدخل البشرى، سيكون لحظة زلزالية بالنسبة للاقتصاد العالمى، وخطوة هائلة نحو المجهول نظرًا لأن الكثير من الناتج المحلى الإجمالى العالمى يتم التوسط فيه من خلال واجهات قائمة على الشاشة وبالتالى يمكن الوصول إليها من قبل الذكاء الاصطناعى.
وتكمن المشكلة فى أن الاختبارات التى تحددها الصناعة غالبًا ما تصبح نقطة محورية، تتجمع حولها الجهود التقنية، ويصبح الاختبار بحد ذاته هو الهدف.
وبحلول الوقت الذى يخبرنا فيه اختبار “تورنج” الحديث أن الذكاء الاصطناعى القادر قد وصل، قد نكون نحن البشر غير قادرين على فعل الكثير حيال ذلك.
بقلم: أنجانا أهوجا، صحفية متخصصة بالعلوم
المصدر: فاينانشيال تايمز