عادت الطاقة النووية إلى دائرة الضوء من جديد لمساهمتها المحتملة فى الحد من انبعاثات الكربون، وحثت لجنة برلمانية بريطانية مؤخرًا الحكومة على التوصل إلى استراتيجية بدلاً من الأهداف الغامضة، لزيادة قدرة التوليد النووية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.
وفى الولايات المتحدة، بدأت الوحدة الثالثة من محطة”فوجلى” ، فى توصيل الكهرباء إلى ولاية جورجيا، وهو أول مفاعل بنته الدولة من الصفر فى أكثر من ثلاثة عقود، ومع ذلك، فإن حقيقة أن الوحدة الثالثة التى دخلت الإنتاج مؤخرًا، بجانب الوحدة المتوقع دخولها وهى الوحدة الرابعة، قد تكونان من بين آخر المفاعلات الأمريكية الكبيرة التي سيتم بناؤها هى علامة على الجدل حول مثل هذه المحطات، على الرغم من آفاقها الواعدة.
ولعل الموقف الرئيسى للطاقة النوية فيما يخص التغير المناخى قوى، إذ يمكن أن توفر توليد تيار مستقر وقوى، بما يعوض التوليد المتقطع من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، خاصة أن هناك حاجة إلى إضافة سعات إضافية مع تحول المركبات والصناعة من الوقود الأحفورى، فسيكون ذلك بمثابة امتداد كبير لمصادر الطاقة المتجددة لملء هذه الفجوة.
لكن الطاقة النووية أغلى بكثير من مصادر الطاقة المتجددة، التي انخفضت تكلفتها بشكل حاد، حتى عندما يسير كل شيء بسلاسة، وهو ما نادرًا ما يحدث، لم يتم حل تحدى التخزين الآمن للنفايات النووية بالكامل.
والتجربة الأخيرة في أوروبا والولايات المتحدة هي بالكامل تقريبًا مشاريع يتم الانتهاء منها متأخرًا وتتجاوز الميزانية، وقد أدى ذلك إلى إبعاد المستثمرين من القطاع الخاص أيضًا.
وقالت الشركة المملوكة للحكومة الفرنسية بالكامل، “إى دى إف”، إن مفاعلات” هينكلى بوينت سى” وهى أول محطة طاقة نووية لبريطانيا ويتم بناءها منذ أكثر من 30 عاما، ستتكلف أكثر من المخطط لها، كما أن المفاعلات النووية التى تبنيها الشركة نفسها فى فرنسا متأخرة عن الموعد الرئيسى لتسليمها لأكثر من عقد، فيما تجاوزت تكلفة محطات “فوجلى” فى الولايات المتحدة حاجز الـ30 مليار دولار بدلًا من الـ14 مليار دولار المخططة.
تتمتع اليابان وكوريا الجنوبية بسجل أفضل، لكن اليابان لا تبنى في الخارج، وتواجه شركة كيبكو الكورية الجنوبية، رغم نجاحها في بناء أول محطة نووية فى أبوظبى، دعوى حقوق ملكية فكرية من شركة “ويستنجهاوس الأمريكية” بشأن استخدام التصميم نفسه فى مكان آخر.
أكملت الصين وروسيا مفاعلات متعددة إلى حد كبير في الوقت المحدد، لكن قلة من الدول الغربية ترغب في الشراء منها.
قد تبدأ المفاعلات المعيارية الصغيرة – الأرخص ثمناً والأسرع في البناء – فى لعب دور، لكنها لاتزال قيد التطوير، لذلك إذا كانت الطاقة النووية ستلعب الدور الذي تتخيله العديد من الحكومات الغربية، فإن الصناعة بحاجة إلى تحسين التمويل وأساليب البناء وسلاسل التوريد، وإثبات قدرتها على بناء مفاعلات كبيرة في غضون الوقت المحدد والموارد المخصصة.
ويمكن خفض تكلفة رأس المال والتكاليف الإجمالية من خلال النموذج الذي تتبناه المملكة المتحدة الآن، حيث يساهم المستهلكون فى تكلفة بناء المصنع الجديد من خلال فواتير الطاقة حتى أثناء البناء، يمكن أن يؤدى ذلك إلى تجنب زيادة تراكم الفوائد، ولكنه يزيد الفواتير المدفوعة مقدمًا.
فيما يتعلق باختيار المشروع والتخطيط، مع وجود العديد من تصميمات مفاعلات “الجيل الثالث” من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان قيد التشغيل الآن، يجب أن تكون إحدى القواعد الأساسية هي البحث عما نجح في مكان آخر والبدء في تكراره.
وجد تقرير صدر عام 2018 عن الصناعة وحكومة المملكة المتحدة أنه يجب الانتهاء بالكامل من تصميمات المحطات قبل أن يبدأ العمل لخفض التكاليف. إذا لم يكن الأمر كذلك، لأن التغييرات أثناء العمل وما ينتج عنها من تأخيرات في البناء تؤدى بشكل محتم إلى تضخم النفقات.
يقول المطلعون على الصناعة إن بناء مفاعلات كبيرة ليس تحديًا تقنيًا بل هو تحدٍ هندسي وكذلك تحدى على مستوى إدارة مشروع، فهناك حاجة ماسة للأشخاص ذوى المهارات والخبرات ذات الصلة، ويمتلكون المعرفة التي ضمرت في بعض الدول الغربية، أطلقت المملكة المتحدة هذا الشهر فريق عمل لتعزيز المهارات والمعرفة النووية لمحاولة سد الفجوة.
وللوهلة الأولى يبدو أن العديد من الأشياء التي يقول المهندسون إنها ضرورية للإبقاء على تكاليف المشروعات النووية منخفضة مثل التخطيط، وتطبيق أفضل الممارسات – تبدو روتينية، ولكن يبدو أنه من الصعب تحقيقها على أرض الواقع، لذا إذا كان للمفاعلات الضخمة أن تلعب دورًا في التحول المناخى فى الغرب، فيجب أن تكون الصناعة النووية أفضل في التخطيط والتنفيذ.
المصدر: افتتاحية فاينانشيال تايمز