الوضع المالي يُعقد مهمة تعزيز سوق الإسكان
يسلط قرار بنك الشعب الصيني بعدم تغيير سعر الفائدة الرئيسي للقروض العقارية، الضوء على التحدي الذي يواجه بكين، والذي يدور حول كيفية تحفيز الاقتصاد مع الحفاظ على أرباح البنوك في الوقت ذاته؟
فاجأ بنك الشعب الصيني الأسواق بإبقاء سعر الفائدة الرئيس على القروض، مدة خمسة أعوام عند 4.2% يوم الإثنين، وخفض سعر الفائدة لعام واحد بمقدار 10 نقاط أساس إلى 3.45%.
جاء ذلك رغم أن التوقعات كانت تشير إلى خفض في المعدل الأول وتخفيض أكبر في الأخير.
ويرى العديد من المراقبين، بما في ذلك “جولدمان ساكس” و “مورجان ستانلي” و”بنك أوف أمريكا” و”يونيون بانكير بريفي”، أن قرار إبقاء سعر الفائدة لخمسة أعوام كما هو دون تغيير، مجرد محاولة لحماية هوامش الفائدة الصافية للبنوك التجارية، وهي الفارق بين مقدار الفائدة التي يتقاضونها نظير القروض مطروحًا منها الفائدة التي يدفعونها للمودعين.
من ناحية أخرى، فإن العملاء ومطوري العقارات لن يستفيدوا على الأرجح من هذا الإجراء، ولن يشهد أصحاب المنازل الذين لديهم قروض عقارية مرتبطة بسعر فائدة ممتد لخمسة أعوام، انخفاضًا في أقساط الرهن العقاري، بينما لن يكون لدى المشترين المحتملين حافزًا كبيرًا للحصول على قروض جديدة.
كتب محللو “جولدمان ساكس” في تقرير صدر يوم الإثنين، أن “الثقة ما تزال عنصرًا أساسيًا للتعافي الاقتصادي، كما أن الخفض المخيب للآمال في سعر الفائدة على القروض لن يساعد في بناء الثقة، بل ويمكن أن يكون له تأثير عكسي إذا فسر المشاركون في السوق إجراءات التيسير باعتبارها انعدامًا في رغبة صُناع السياسة في تقديم حوافز سياسية معتدلة”.
حذر البنك المركزي في تقريره الفصلي الأخير، الذي صدر الأسبوع الماضي، من أن انخفاض هوامش الفائدة الصافية قد يُخاطر بترك البنوك مع احتياطي مالي أقل ضد القروض المعدومة وقلة الأموال المتاحة لإقراض للشركات.
انخفض إجمالي صافي هامش الفائدة في البنوك التجارية الصينية بمقدار 23 نقطة أساس إلى 1.74% في الربع الأول، وفقًا لتقرير بنك الشعب الصيني.
قال اقتصاديو “مورجان ستانلي”، إنه من المهم بشكل خاص أن يحاول البنك المركزي الحفاظ على صحة النظام المالي، بالنظر إلى المخاطر المقبلة.
قال محللو أسهم لدى “مورجان ستانلي” في مذكرة يوم الاثنين: “مازلنا نلاحظ أن المخاطرة الحقيقية تكمن في انخفاض سعر الفائدة الصافي للقطاع المصرفي في غضون بضعة أعوام”، مضيفين أن الانخفاض المستمر في عائدات الأصول سيعيق قدرة النظام المالي على استيعاب المخاطر والحفاظ على المعروض الائتماني، في حين أن انخفاض أسعار الفائدة لن يسهم كثيرًا في تحفيز الطلب على الائتمان.
وأشار المحللون إلى أن الانخفاض المستمر في سعر الفائدة الصافي وتراجع القدرة على استيعاب المخاطر قد يشكل تحديًا حقيقيًا في الأعوام القليلة المقبلة، حيث نتوقع أن تستغرق دورة القروض العقارية المتعثرة من 2 إلى 3 أعوام إضافية، بينما بدأت دورة هبوطية في الربح والإنفاق الرأسمالي هذا العام.
وأشار بنك “تيانجين”، وهو بنك متوسط الحجم، بالفعل إلى “مخصصات أكبر للتدهور في الأصول” خلال النصف الأول من العام، وذلك في تنبيه نتائجه المؤقتة الصادرة الجمعة الماضي.
وقال البنك إن صافي الربح ربما ينخفض بنسبة تصل إلى 75% من 3 مليار يوان “أي ما يعادل 410 ملايين دولار” التي سجلتها في النصف الأول من عام 2022.
وكتب كارلوس كازانوفا، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا في بنك “يو بي بي”، في مذكرة يوم الإثنين، أن “البنوك ربما أعربت عن قلقها بشأن خفض سعر الفائدة الرئيسي على القروض، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تآكل معدلات الفائدة الصافية لديهم في حالة عدم خفض سعر الفائدة على الإيداع.
وأضاف أن هذا الأمر سيجعل البنوك أكثر ترددًا في تخفيض أسعار الفائدة بالنسبة للمقترضين، الأمر الذي يقلل بدوره من فعالية هذه الخطوة.
كان انكماش سوق الإسكان والأداء البطيء في سوق الأوراق المالية سببًا في زيادة مدخرات المستهلكين الصينيين.
ويشير تقرير بنك الشعب الصيني، إلى أن إجمالي ودائع البنوك بلغ 278.6 تريليون يوان بحلول نهاية يونيو، بزيادة قدرها 20.1 تريليون يوان عما كانت عليه في بداية العام.
وكتبت شياو شي تشانغ ووي هي، وهما محللين لدى “جافيكال”، في مذكرة يوم الإثنين، إن “هوامش البنوك ليست عائقًا لا يمكن تجاوزه لتيسير السياسة النقدية بالنسبة لصناع السياسات”.
ومع ذلك، أقروا بأن هوامش البنوك تعقد مهمتهم وربما تشكل جزءًا من قرارات خفض أسعار الفائدة غير المتوقعة هذا الشهر، فصناع السياسة بحاجة إلى أن تستمر البنوك في التضحية بأرباحها من أجل دعم الاقتصاد خلال العام الحالي، والتحدي سيكون في عدم دفعهم إلى مستوى أبعد من ذلك”.