من غير المحتمل تخلف مصر عن سداد ديونها فى ظل دعم المؤسسات الدولية والحلفاء
جذب استثمارات أجنبية مباشرة واستثمارات المحافظ المالية من الصعب تحقيقه ما لم يحدث تخفيض للجنيه
توقع تقرير حديث لبنك الاستثمار السويسرى، كريدى سويس، انخفاض قيمة الجنيه بنحو 20%، ولم يستبعد أن تزيد على ذلك فى ظل الأوضاع الحالية، خاصة أن السوق الموازى يسعر وفق خفض 40%.
وقال البنك، فى تقريره، إنَّ توقيت خفض الجنيه لا يزال غير محسوم بنسبة كبيرة، لكنها خطوة لا بد منها، فى ظل عدم استدامة الوضع الحالى، ورهن صندوق النقد الدولى تقديم الدعم باتخاذ تلك الخطوة.
أضاف أن الأكثر من ذلك أن مستهدفات جذب استثمارات أجنبية مباشرة واستثمارات المحافظ المالية سيكون من الصعب تحقيقها ما لم يحدث تخفيض للجنيه.
وحذر من أنه كلما تأخرت الحكومة فى اتخاذ تلك الخطوة كان التخفيض أكبر ومخرجاته أكثر تقلباً.
وأشار إلى أن التأخر فى تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار يؤثر على سرعة تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية المعلن من قبل الدولة، وكذلك الـ50 شركة التى تعدها مؤسسة التمويل الدولية مستشار الحكومة فى برنامج الطروحات.
وقال «كريدى سويس»، إنَّ احتمالية تخلف مصر عن سداد ديونها ضعيفة للغاية، خاصة أنها تحظى بدعم كبير من مؤسسات الإقراض والحلفاء السياسيين.
وأضاف البنك فى توقعاته لمصر الصادرة الشهر الجارى، أنه لا يمكن استبعاد مخاطر إعادة هيكلة الديون بالتراضى، ما سيسمح بجدول زمنى أسهل لسداد الديون دون إثارة أمر التخلف عن السداد أو اللجوء لمبادلة مخاطر الائتمان.
ولفت التقرير إلى اقتراب المبلغ الذى جمعته من الطروحات الحكومية، بقيمة 2 مليار دولار من القيمة التى حددها صندوق النقد الدولى لهذه السنة المالية، ومن هذا المنظور، فقد كان تطوراً إيجابياً.
ومع ذلك، فإنَّ التأخير الطويل فى بدء تنفيذ عملية الطروحات كان محبطاً للمحللين والمستثمرين الذين ينظرون إلى حجم الإصلاح الاقتصادى الشامل المطلوب.
وبدأت الحكومة عملية الطروحات التى طال انتظارها ببيع ثمانية كيانات مملوكة للدولة، ما جمع 1.9 مليار دولار، منها 1.65 مليار دولار بالعملة الصعبة.
اقرأ أيضا: طرح سندات بالجنيه المصرى فى الأسواق الدولية.. محاولة للفهم
وجاء الجزء الأكبر من العائدات من ثلاث شركات تعمل فى صناعة النفط، ومن المقرر الإعلان عن صفقات أخرى بقيمة مليار دولار «قريباً».
جاءت توقعات كريدى «سويس» قبل الإعلان الأخير عن بيع حصة تقترب من ثلث الشركة الشرقية للدخان بقيمة 625 مليون دولار.
ويعتقد معدو التقرير أن سبب التأخير فى تنفيذ الطروحات هو الفجوة القائمة بين سعر البيع الذى كانت الحكومة المصرية تهدف إلى تحقيقه وما كان المستثمرون على استعداد لدفعه؛ بسبب توقعات تراجع الجنيه.
ولفت إلى أن عدم رغبة الحكومة بشكل واضح فى خفض قيمة العملة فى الوقت الحالى، ليس علامة جيدة بالنسبة للشركات الـ24 الأخرى المملوكة للدولة التى تم إدراجها فى القائمة المختصرة للطروحات المرتقبة، والخمسين الإضافية التى تخطط مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى لتقديم المشورة للحكومة فيها.
وأشار «كريدى سويس» إلى أن بيئة الاقتصاد الكلى لا تزال ضعيفة بشكل عام، خاصة مع وجود مؤشر مديرى المشتريات الرئيسى فى منطقة الانكماش (أقل من 50 نقطة) لمدة 33 شهراً متتالياً منذ عامين، وشهد هذا الربع تباطؤاً كبيراً فنمو القروض، على الرغم من أنه يظل مرتفعاً جداً عند 30% على أساس سنوى من حيث القيمة المطلقة.
وأضاف التقرير أن قطاعات التصدير والمنتجة للعملة الخضراء تعرضت لضغوط كثيرة، منها انخفاض الصادرات غير النفطية وتحويلات العاملين بشكل حاد، وعلى الرغم من تفهم محللى «كريدى سويس» أن ذلك يعود للمخاوف المتعلقة بالعملة، فإنه تمت إعادة توجيه تدفقات التحويلات إلى السوق السوداء، بالإضافة إلى تقلص إنتاج الغاز بشكل كبير على خلفية انخفاض الأسعار.
وتابع أن فى حين تمت إعادة توجيه صادرات الغاز الطبيعى المسال للاستخدام المحلى مع ارتفاع تكلفة واردات الوقود، فإنَّ الضغط على الحساب الجارى تراجع بشكل حاد؛ نظراً إلى نقص العملات الأجنبية، ما أدى إلى خفض الواردات.
ولا يزال إجمالى الاحتياطيات الأجنبية مستقراً عند 34.8 مليار دولار، أو ما يعادل تقريباً 5.1 شهر من الواردات، لكن معظم هذا يشمل تدفقات «الأموال الساخنة» فى شكل سندات خزانة قصيرة الأجل.
علاوة على ذلك، فإنَّ عجز صافى الأصول الأجنبية، البالغ 25 مليار دولار، يعد مؤشراً أفضل بكثير لضعف صافى احتياطيات مصر بعد تعديله مع الالتزامات الأجنبية.
واستقر نشاط القطاع الخاص غير النفطى فى مصر عند أعلى مستوى له فى عامين فى أغسطس الماضى، ليظهر مستوى «معتدلاً» من الانكماش، ليستقر عند مستوى 49.2 نقطة الشهر الماضى بالقرب من حاجز الـ50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، ما يشير إلى استقرار النشاط التجارى فى البلاد بعد فترة طويلة من الانكماش، وفقاً لمؤشر مديرى المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال.
وتأثرت الأسهم المصرية مع قيام الوكالات الدولية بتخفيض تصنيف الائتمانى للبلاد، وركزت التقارير الثلاثة من «موديز»، و«فيتش»، و«ستاندرد اند بورز» على مشكلة الغموض فى مسار أسعار الصرف ووجود أكثر من سعر للعملة المحلية، بالإضافة إلى شح السيولة الدولارية وتراجع تدفقات النقد الأجنبى الخارجية، ما يزيد من علاوة المخاطر وتأثيرها على انخفاض تقييمات الأسهم.
اقرأ أيضا: «فيتش سوليوشنز» تتوقع ارتفاع إيرادات السياحة لـ14.4 مليار دولار بنهاية 2023
و«علاوة المخاطر» هى نسبة عائد إضافية يطلبها المستثمرون لتعويضهم عن مخاطر اقتناء الأسهم، مقارنة باقتناء أصول «خالية من المخاطر».
وقال بنك إتش إس بى سى فى تقرير له، إن المستثمرين مازالوا قلقين بشأن الاستثمار فمصر؛ حيث شهدت السنوات الأربع الماضية تراجعاً فى اهتمام المستثمرين بمصر، خاصة فى ظل المخاوف من سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وأكد أن التحديات الاقتصادية تجعل مستثمرى الأسهم يطالبون بعلاوة عن المخاطر.
ولا تزال إجراءات السياسة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولى لدفع إعادة التوازن الاقتصادى فى مصر معلقة وتبدو آفاق التعويم مرة أخرى بعيدة، ولا يزال الجنيه ثابتاً أمام الدولار فى السوق الرسمى، عند مستوى لا تتضح عنده الرؤية فى الأسواق، ما أدى إلى استمرار سعر الصرف الموازى، وصعوبة الحصول على العملة الأجنبية.
وكشفت الحكومة المصرية آخر تطورات ملف الطروحات الحكومية فى شهر أغسطس السابق، وتخطط لطرح حصص فى 5 شركات بالإضافة إلى محطات تحلية مياه حتى نهاية النصف الأول من العام المقبل.
ورفعت الحكومة عدد الشركات ضمن برنامج الطروحات إلى 35 شركة، وتم تضمين «الشرقية للدخان»، و«المصرية للاتصالات»، و«العز الدخيلة للصلب» إلى البرنامج، والذى كان يشمل 32 شركة، وجرى بالفعل بيع 30% من «الشرقية للدخان» مطلع الأسبوع الحالى.
ويستهدف البرنامج جمع 5 مليارات دولار والجزء الأكبر منها يرجع إلى طرح 70% من محطة كهرباء سيمينز فى «بنى سويف»، والمتوقع تنفيذه فى يونيو 2024 وفقاً لآخر تحديث لملف الطروحات الحكومية.