تراجعت أسعار البنزين بشكل حاد في الولايات المتحدة الأميركية، حتى أن بعض مصافي التكرير بدأت تتكبد خسائر من إنتاجه.
على الرغم من أن العقود المستقبلية تعكس هوامش البنزين التي تنخفض سريعاً مقتربة من أدنى مستوى لها منذ 2020، فإن الواقع يبدو أسوأ عند احتساب تكاليف الامتثال للوائح البيئية. قال تجار ومحللون إن بعض مصافي التكرير الأميركية يجد صعوبة في مجرد بلوغ نقطة التعادل بين السعر وتكلفة البنزين.
تتراجع العقود المستقبلية للبنزين حتى في الوقت الذي تظل فيه أسعار النفط الذي يُصنع منه مرتفعة بسبب النزاعات الجيوسياسية ونقص الإمدادات. ونتيجة لذلك، تراجعت هوامش الأرباح الخاصة بالوقود الأكثر استخدماً على الطرق الأميركية إلى ما دون 10 دولارات للبرميل عند تقديرها باستخدام فارق سعر عملية التكرير عن العقود المستقبلية للخام.
خسائر
تتباين هوامش أرباح كل مصفاة نفط على حدة استناداً إلى تركيبة وأنواع النفط الخام التي تعالجها، ما يعني صعوبة التعميم. لكن هوامش أرباح البنزين تحوّلت إلى خسارة لبعض مصافي التكرير في أوائل أكتوبر الجاري وأواخر سبتمبر الماضي، بحسب روبرت أويرز، محلل شركة “أر بي إن إنرجي” (RBN Energy). وقد بدأ ذلك مع تجاوز تكلفة الامتثال لمعايير البيئة 5 دولارات للبرميل، والتي لا تزال تحوم حول هذا المستوى.
أشار أويرز إلى أن الطلب ضعيف في هذا الوقت من الموسم، كما أسهم مديرو صناديق الاستثمار الذين خفضوا مراكزهم الشرائية في عقود بورصة “نايمكس” المستقبلية في هبوط أسعار البنزين الذي يؤثر سلباً على أرباح شركات التكرير. وفي آسيا، يدفع تراجع البنزين فعلياً شركة تكرير تايوانية لتخفيض عمليات معالجة النفط.
تشكل هوامش الأرباح الأميركية السالبة، أحدث علامة على تدهور أسعار البنزين الذي أدى إلى تراجع النفط وأثر على قطاع الطاقة بأكمله قبل يتسبب اندلاع الصراع بين إسرائل وحماس بارتفاع الأسعار مجدداً. كذلك، فإن أسعار البنزين الضعيفة يمكن أن تثير المخاوف بشأن حدوث تباطؤ أوسع في الاقتصادات التي تحاول كبح التضخم دون التسبب بحدوث ركود اقتصادي.
تراجع الطلب
التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية أكّد على هذه المخاوف. فقد أشار إلى “وجود علامات على تقويض الطلب في الولايات المتحدة الأميركية، إذ هبطت شحنات البنزين إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين”. كما عدّلت إدارة معلومات الطاقة الأميركية تقديراتها لاستهلاك الربع الأخير من العام الجاري لتظهر تراجعاً مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، متخلية عن توقعات سابقة بحدوث نمو.
بالنسبة إلى محللين آخرين، بمن فيهم أوستن لين، المحلل البارز في “وود ماكنزي” (Wood Mackenzie) لقطاع التكرير وأسواق النفط، ربما أسهمت الأسعار المرتفعة في الحد من استهلاك سائقي المركبات، لكنها لم تكن مرتفعة بما فيه الكفاية لمدة مناسبة كي تتسبب في تغيير هائل في سلوك المستهلكين. تهبط أسعار البنزين في محطات الوقود سريعاً في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تراجعت بما يفوق 21 سنتاً للغالون خلال الأسبوعين اللذين سبقا يوم الأحد الماضي، بحسب بيانات لجمعية السيارات الأميركية.
تمتلك شركات التكرير بعض الأدوات للتعامل مع ضعف أسعار البنزين، حيث بمقدروها الحد من الإنتاج بواسطة تحويل المزيد من تدفقات المواد الأولية إلى إنتاج نواتج تقطير، ويمكنها اختيار خامات أثقل، وهو خيار بات غير جذاب بطريقة متنامية، إذ قلصت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في منظمة “أوبك” الإمدادات. تمرّ مصافي تكرير أميركية عديدة بمنتصف موسم الصيانة الشاملة، وكانت تعتزم ذلك مع عدم تحقيق أرباح من وحدات عند توقفها عن العمل. يمكن أن يسفر ذلك أيضاً عن تقليص الخسائر عندما تكون هوامش الربح منخفضة.
مستويات طبيعية
قال لين إن التراجعات الأخيرة لهوامش أرباح البنزين قد تبدو استثنائية -هبطت أكثر من 40 دولاراً للبرميل إلى أقل من 10 دولارات خلال أقل من شهرين بقليل- لكنها تمثّل عودة إلى المستويات الطبيعية خلال حقبة ما قبل وباء كوفيد. علاوة على ذلك، ما زالت المصافي تحقق أرباحاً قياسية مرتفعة من الديزل، بما يتجاوز 45 دولاراً للبرميل. هذا يكفي لمساعدة المصافي على تخطي المرحلة الحالية. في هذه الأثناء، سيتراكم مخزون البنزين خلال فصل الشتاء المقبل، في علامة على أن المنظومة تستعيد توازنها، بحسب لين.
وقال: “السوق لا زالت بحاجة إلى زيادة إنتاج البنزين”.
اقتصاد الشرق