هل يؤثر معروض السندات على مستوى العوائد؟ الإجابة هي: “بالقطع لا”.
وفقًا للنظرية الشعبية لتقييم السندات، النى تفيد أن أسعار الفائدة طويلة الأجل هي مجرد المتوسط المستقبلى لأسعار الفائدة قصيرة الأجل، وهو وصف جيد لمنحنى العائد فى الأوقات العادية، لكن هذه ليست حالة العالم التي نعيشها اليوم.
وكان الطلب على الديون السيادية من القطاع العام والكيانات الخاضعة للرقابة غير مسبوق فى العقد الماضى.
وأدت برامج التيسير الكمى لشراء السندات منذ الأزمة العالمية فى 2008 بهدف دعم الاقتصادات والأسواق، إلى قيام البنوك المركزية بزيادة حصتها بشكل كبير من الديون الحكومية المحلية.
فالسلطات النقدية الأجنبية اشترت السندات الحكومية لمجموعة السبع، لتوظيف احتياطياتها من النقد الأجنبى، وارتفع الطلب من البنوك نتيجة تنظيم السيولة عقب إصلاحات بازل 3.
لكل هذه الأسباب، لم يكن على القطاع الخاص سوى استيعاب قدر ضئيل من الديون السيادية المُصدرة، حتى خلال ذروة جائحة كوفيد – 19 عندما كان الارتفاع الهائل في عجز القطاع العام مصحوبا بزيادة هائلة فى التيسير الكمى، وقد أدى هذا إلى تشويه أسواق السندات الرئيسة بشكل كبير.
ويتجلى ذلك فى امتلاك بنك اليابان أكثر من 50% من سوق السندات الحكومية اليابانية، وأن 20- 40% فقط من سوق السندات الألمانية متاحة لمستثمرى القطاع الخاص.
وتظهر آثار تلك التشوهات فى تداول عوائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات في عمق منطقة العائد السلبي منذ عامين فقط.
وبما أن مستثمرى القطاع الخاص يحسبون العائد المرجح وفق فروق العائدات عبر أسواق سندات مجموعة السبع، فمن المحتمل أن تكون هذه التشوهات قد أدت إلى انخفاض العائدات في جميع أنحاء العالم – حتى فى الأسواق الأقل تشوهاً.
أدى هذا الوجود الكبير للمشترين غير الحساسين للسعر، إلى تقليل عدم اليقين بشأن مستويات العائد المستقبلية.
ونتيجة لذلك، انهار ما يسمى مصطلح العلاوات في جميع أنحاء العالم، وهو المقدار الإضافى الذى يحصل عليه المستثمرون لتحمل المخاطر فترات أطول.
وربما أثرت مثل هذه التشوهات أيضا على قدرة الأسواق على تحديد مستوى سعر الفائدة الذي تكون عنده السياسة النقدية مناسبة تماما لإبقاء الاقتصاد عند مستوى التوازن: ليس متشددا أكثر مما ينبغى أو مفرط التيسير.
وعلى جانب الطلب، أصبحت البنوك المركزية الكبرى الآن فى وضع التشديد الكمى، فإما أن يتم بيع الأوراق المالية الحكومية بنشاط أو لا يتم إعادة استثمار السندات المستحقة بعد الآن.
وفي الوقت نفسه، تقوم الحكومات بإصدار كميات كبيرة من الديون بسبب العجز الكبير، لكن هذه المرة، البنوك المركزية – المشترين غير الحساسين للأسعار – ليسوا موجودين فى السوق على الأغلب، ويتعين على القطاع الخاص أن يستوعب كمية كبيرة من الديون السيادية الجديدة.
النظرية التي تصف المنحنى جيدًا في الأوقات العادية تقول إن هذا لا ينبغي أن يكون مهمًا بالنسبة لمستوى العائدات، ولكن العائدات يحددها الآن القطاع الخاص الحساس للأسعار.
في هذا العالم الجديد، يمكن أن يؤثر المعروض من السندات على مستوى العائدات من خلال العلاوات للآجال الأطول.
ومن شأن ارتفاع أرصدة السندات القائمة أن يرفع حصة ملكية القطاع الخاص، إذ لم تعد البنوك المركزية موجودة في السوق. لكن لدى مستثمري القطاع الخاص العديد من الخيارات الأخرى عندما يتعلق الأمر بشراء السندات. لذلك يجب أن ترتفع العائدات لتصبح أكثر جاذبية.
على سبيل المثال، اشترى المتعاملون الأوليون 18% من المبلغ الإجمالي في مزاد أجرته وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً لمدة 30 عاماً، مقارنة بمتوسط شراء بلغ 11% فى العامين الماضيين، لأن المشترين من القطاع الخاص ابتعدوا.
وأدت هذه الإشارة على ضعف الطلب إلى ارتفاع فورى في عائدات السندات الأمريكية، وتصبح هذه الديناميكيات أكثر أهمية عندما تقوم حكومات مجموعة السبع بإصدار وفرة من الديون في الوقت نفسه.
ومن ثم يكون لدى مستثمري القطاع الخاص خيار أوسع بكثير فيما يتعلق بما يشترونه.
ولجذبهم، ستحتاج سندات البلدان التي لديها مخاطر التخلف عن السداد نفسها إلى تقديم عوائد أعلى. وهذا سبب مهم للانتعاش الأخير في علاوات الأجل.
ولعل توقعات المعروض الكبير من السندات في المستقبل لها تأثيرات مماثلة على علاوات الأجل.
وفي عام 2022، سجلت السندات الحكومية الأمريكية أكبر خسائرها منذ عام 1871، ونتيجة لذلك، مع توقع كثير من الإصدارات القادمة، سيكون المستثمرون حذرين بشأن الاحتفاظ بكمية زائدة من السندات الحكومية.
فعدم اليقين بشأن المستوى المستقبلي للعوائد نتيجة لارتفاع الإصدارات المتوقعة يسهم في ارتفاع علاوات الأجل اليوم.
وفي بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وصلت علاوات الأجل بالفعل إلى مستويات شوهدت آخر مرة قبل الأزمة المالية في عام 2008.
ومع ذلك، ونظرًا للكمية الكبيرة من الإصدارات وحذر المستثمرين بشأن مستويات العائد المستقبلية، فقد ترتفع علاوات الأجل بسهولة أكثر من المستويات التي نراها اليوم، ويتعين على الحكومات والمستثمرين أن يدركوا أنه في الظروف الحالية، يعد إصدار السندات عاملاً مهمًا في تحديد العائدات.
المصدر: فاينانشيال تايمز
بقلم: توماس فييلاديك، كبير الاقتصاديين الأوروبيين فى شركة الاستثمار «تى رو برايس»