تُظهر مدونة نشرها خبراء البنك الدولى أن الفقر قد تراجع أخيرًا إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، ما يعنى فى جوهره أننا فقدنا ثلاث سنوات فى المعركة العالمية ضد الفقر.
وتستند هذه المدونة إلى تحليل دقيق لبيانات المسوح الاستقصائية المتاحة فى منصة الفقر وعدم المساواة التابعة للبنك الدولى.
وتتيح هذه المنصة التفاعلية إمكانية الوصول السريع إلى البيانات المتعلقة باتجاهات الفقر من قاعدة بيانات تضم 2200 مسح أسرى من أكثر من 160 اقتصادًا فى جميع أنحاء العالم، بعد أن كانت تضم 36 بلدًا فقط، وذلك فى واحد من أقدم التحليلات البنك فى عام 1979.
وتبدو الصورة الموجزة عن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر إثارة للقلق، حيث تكشف زيادة كبيرة فى معدلات الفقر فى المنطقة استنادًا إلى خطوط الفقر الدولية الثلاثة التى يستخدمها البنك الدولى لتتبع الفقر على مستوى العالم.
كما أنها المنطقة الوحيدة فى العالم التى ارتفع فيها معدل الفقر (على أساس خط الفقر البالغ 3.65 دولارات) خلال العقد الماضى، من نحو 12.3% فى عام 2010 إلى 18.1% فى عام 2023.
لكن مهما حملت هذه التقديرات من فائدة، فمن المهم ألا يغيب عن بالنا أنها تقديرات إجمالية تشير فى أفضل أحوالها إلى اتجاهات عامة.
ويُعد توافر بيانات متعمقة على المستوى الفردى للدول من الأمور الأساسية لفهم اتجاهات الفقر ومحركاته فى سياقات محددة، وهو بدوره أمر أساسى لتصميم السياسات والبرامج الفعالة للحد من الفقر.
هنا يجب أن نشير إلى أن تغطية المسوح فى المنطقة انخفضت من 82% من الأسر فى 2012 إلى 45% فى 2019 أما بالنسبة للسنوات الأخيرة، فيتم استخلاص التقديرات الخاصة بالمنطقة باستخدام توقعات قبل عام 2020.
واتساقًا مع التعافى المتواضع فى نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى، تشير التقديرات إلى أن معدل الفقر على مستوى المنطقة قد انخفض بوتيرة بطيئة خلال فترة ما بعد الجائحة.
يُعد التحليل المتأنى على مستوى الدول منفردة ضروريًا لدراسة الفقر على مستوى أكثر تفصيلاً.
وتأثر النشاط الاقتصادى فى الآونة الأخيرة سلبًا فى معظم بلدان المنطقة جراء الصدمات المتداخلة والتحديات الاقتصادية الكلية والهيكلية، وتجاوز معدل التضخم 10% فى عدد من البلدان.
قام خبراء البنك الدولى بالعمل بشكل وثيق مع مختلف أصحاب المصلحة فى المنطقة لتحليل البيانات الجزئية المتاحة وإثراء عملية تصميم برامج الحماية الاجتماعية للتخفيف من وقع الصدمات، ومن ذلك توسيع برامج التحويلات النقدية فى جميع أنحاء بلدانها.
وكان هذا التحليل مفيدًا ليس فقط فى لفت الانتباه إلى الشرائح السكانية من غير القادرين التى ربما تم استبعادها من مختلف التدابير قيد الدراسة، ولكن أيضًا لتقييم كفاءة واستدامة إجراءات الاستجابة التعويضية.
وذكر تقرير التنمية فى العالم 2021، أنه يمكن للحكومات تحقيق قيمة اقتصادية واجتماعية هائلة من البيانات من خلال تضافر الجهود لتحويلها إلى معلومات واستخلاص الرؤى والأفكار الثاقبة من أجل تصميم السياسات وتنفيذها وتوجيهها لتحسين حياة الناس.
لكن يبدو أن الكثير من هذه الإمكانات فى المنطقة لا يزال غير مستغل، ويُظهر تقييم حديث أجراه البنك الدولى لتوافر البيانات الجزئية وهى المنشآت، وضعف الاستهلاك، والقوى العاملة والمسوح الصحية، وتعداد السكان وتعداد المنشآت الاقتصادية، وبيانات الأسعار بعضَ التقدم، ولكن لا يزال هناك مجال كبير للتحسين؛ فبشكل عام، يتم جمع حوالى 63% من هذه البيانات فى المنطقة (88 من أصل 140 مجموعة بيانات) وهى نسبة أعلى من البلدان الأفريقية الأخرى وبلدان جنوب آسيا، ولكن 24% منها فقط متاحة للجمهور، و16% من خلال المواقع الإلكترونية لأجهزة الإحصاء الوطنية.
وتشير التقديرات التى ساقها تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن صدمات الاقتصاد الكلى التى حدثت فى الفترة 2020-2022 أدت إلى انضمام 5.1 مليون شخص إضافى إلى صفوف العاطلين عن العمل.
ويمكن أن يكون للبطالة تداعيات طويلة الأمد على مشهد الفقر، وسيكون حصول الفقراء فى المنطقة على فرص عمل أكثر وأفضل أمرًا بالغ الأهمية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تحسين قدرة الجمهور على الحصول على بيانات اقتصادية واجتماعية عالية الجودة يُعد أمرًا لا غنى عنه للمساعدة فى إثراء وتوجيه السياسات والبرامج الرامية إلى تقليص رقعة الفقر، فضلاً عن بناء أسس التنمية المستدامة.
المصدر: مدونة البنك الدولى
بقلم: نادر محمد، المدير الإقليمى للنمو المنصف والتمويل بالبنك الدولى
لورا مورينو، عالمة بيانات أولى فى البنك الدولى
سلمان الزيدى مدير ممارسات يعمل فى قطاع الممارسات العالمية للفقر