حققت مصانع السيارات البريطانية إنتاجاً يبلغ 1.7 مليون سيارة، في العام المنتهي سبتمبر 2017، بدا الأمر حينذاك وكأن المصانع هناك في طريقها لإنتاج 2 مليون سيارة سنوياً.. لكن ظهر حوالي نصف هذا العدد خلال الـ12 شهراُ المنتهية في سبتمبر 2023.
لا تزال بريطانيا تتمتع بالعديد من نقاط القوة، مثل البراعة الهندسية المحلية، وقوانين العمل المرنة والإمدادات الوفيرة من الطاقة النظيفة.
لكن حتى تنتعش الصناعة، يجب أن تكون شركات السيارات الكبرى المملوكة للأجانب مقتنعة بأن بريطانيا لاتزال مكانًا جيدًا للاستثمار، إذ تتجه الصناعة نحو السيارات الكهربائية بسرعة.
وذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن المخاوف المتعلقة بقرار الحكومة بتأجيل حظر مبيعات السيارات الجديدة العاملة بالوقود الأحفوري من عام 2030 إلى عام 2035 من شأنه ردع الاستثمار في السيارات الكهربائية، من خلال تفويض يتطلب أن تكون 80% من السيارات الجديدة خالية من الانبعاثات بحلول 2030.
لكن نظرًا لتصدير 8 سيارات من أصل 10 مصنوعة في بريطانيا، مع ذهاب 6 منها إلى الاتحاد الأوروبي، فإنهم يحتاجون أيضًا إلى الإقتناع بأن أعباء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن التعامل معها، بما في ذلك متطلبات قواعد المنشأ الصارمة لعمليات التصدير إلى الكتلة.
من الواضح أن “نيسان”، التي صنعت سيارات في بريطانيا لأكثر من 35 عامًا وأنتجت 240 ألف سيارة العام الماضي، قد اقتنعت بذلك، فالشركة وشركاؤها سيضيفوا 2 مليار جنيه إسترليني أخرى (2.5 مليار دولار أمريكي) إلى استثمار بقيمة مليار جنيه إسترليني في السيارات الكهربائية والذي أعلنت عنه “نيسان” في 2021.
من بين أمور أخرى، تعتزم “نيسان” تخصيص تلك الأموال لصالح مصنع عملاق آخر يتم بناؤه مع شركة “إيه إي إس سي”، المملوكة لشركة “إنفيجين” الصينية، لإضافته إلى مصنع قيد الإنشاء بالفعل ومصنع أصغر حاليًا.
تحمل المصانع الكبرى أهمية بالغة لمستقبل الصناعة في بريطانيا، إذ يجب أن تكون 55% من قيمة المكونات في السيارات المصدرة من بريطانيا إلى أوروبا مصنعة في أي مكان بحلول عام 2027 لتجنب الرسوم الجمركية البالغة 10%، وذلك بموجب متطلبات تم التفاوض عليها كجزء من صفقة التجارة الحرة للسيارات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لكن تصنيع السيارات الكهربائية بأقصى قدر من الكفاءة يتطلب توريد البطاريات مباشرة على عتبة المصنع، ولا شك أن استيراد البطاريات من الخارج يضيف التكاليف، ويعطل الخدمات اللوجستية ولا يسهم في تقليل انبعاثات الكربون للشركات.
تعيد “نيسان” توزيع الثروات من خلال هذا الاستثمار، فعندما أُجبرت شركة “بريتيش فولت”، وهي شركة ناشئة للبطاريات، على إعلان إفلاسها في يناير، كان المصنع الوحيد الذي يتوقع بدء تشغيله في بريطانيا هو المصنع الذي بنته “نيسان” بالفعل.
دفع ذلك حكومة سوناك إلى الإدراك المتأخر أن الاحتفاظ بصناعة السيارات على نطاق واسع في بريطانيا سيتطلب أنواع المساعدات التي تقدمها أمريكا وأوروبا.
في 26 نوفمبر، نشرت الحكومة استراتيجيتها للبطاريات، والتي تعد بأكثر من 2 مليار جنيه إسترليني لدعم سلاسل التصنيع والتوريد، وربما تحصل “نيسان” على حوالي 200 مليون جنيه إسترليني من الاستثمارات الجديدة للحكومة.
استفادت شركات أخرى من الإنفاق الحكومي، حيث أفادت شركة “جاكوار لاند روفر”، المملوكة لمجموعة “تاتا” الهندية، في يوليو الماضي إنها ستنفق 4 مليارات جنيه إسترليني على مصنع للبطاريات في سومرست.
ويعد الدعم الحكومي المقدم لشركة “ميني “، المملوكة لـ”بي إم دبليو” الألمانية، والبالغ 75 مليون جنيه إسترليني، هو أحد أسباب التزامها باستثمار 600 مليون جنيه إسترليني في سبتمبر لتحديث المصانع في أكسفورد وسويندون لصنع سيارتين كهربائيتين.
بينما بدأت “فوكسهول “، والتي تعد جزءاً من مجموعة “ستيلانتيس”، صنع شاحنات كهربائية في ميناء إليسمور بمدينة ميرسيسايد في الشهر ذاته، حيث ورد أن استثمارها البالغ 100 مليون جنيه إسترليني تم تحسينه بـ30 مليون جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب.
رغم أن هذه التمويلات تقلل من خطر حدوث دوامة هبوطية في الصناعة، إلا أنها لا تؤمن مستقبلاً مزدهرًا.
تخطط “ميني” و”ستيلانتيس” لاستيراد البطاريات، مما يجعل تغيير الإنتاج في المستقبل أقل تكلفة، أما مصنع “جاكوار لاند روفر”، و المقرر أن يبدأ الإنتاج في 2026، قد يصنع في النهاية 40 جيجاوات في الساعة من البطاريات في السنة.
ومن المحتمل أيضاً أن تضيف مصانع “نيسان” الهائلة 20 جيجا وات سنويًا بحلول نهاية العقد.
تعتقد مؤسسة “فاراداي”، وهي مؤسسة بحثية، أن بريطانيا ستحتاج إلى 100 جيجاوات في الساعة من البطاريات سنويًا بحلول عام 2030 و 200 جيجاوات في الساعة بحلول عام 2040 إذا كانت البلاد تنتج 1.8 مليون سيارة سنويًا بحلول ذلك الوقت، وهذا الهدف مازال بعيداً حتى عن ألمانيا، حيث من المقرر تشغيل 325 جيجاوات في الساعة سنويًا بحلول عام 2030.