ارتفعت أسعار الأسهم الأمريكية وسط توقعات بأن تتمكن الولايات المتحدة من تجنب الركود، بعد ورود بيانات قوية من تقريرين اقتصاديين متتاليين. وعلى الجانب الآخر من هذه الأنباء، اضطر تجار السندات إلى تقليص رهاناتهم على تخفيضات أسعار الفائدة في 2024، مما أدى إلى ارتفاع العائدات.
تسود جميع أنحاء السوق الأمريكية وجهة نظر مفادها أن: رغم أن قوة الاقتصاد تجعل العديد من المستثمرين أقل تخوفاً بشأن الهبوط الحاد، إلا أن ذلك يعني أيضاً أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى الإبقاء على أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول. فبالنسبة لسندات الخزانة، يعني ذلك تراجع رهانات التيسير الضخمة التي دفعت السوق لتوقع بدء تحول سياسة الاحتياطي الفيدرالي النقدية في وقت أقربه شهر مارس. أمّا على صعيد الأسهم، فإن الشركات الأمريكية ستستفيد من قوة نمو الوظائف والاستهلاك.
قال كريس زاكاريللي من “إندبندنت أدفايزر أليانس” (Independent Advisor Alliance): “كلما اعتقدنا أن الاقتصاد بدأ يتراجع أخيراً، فإنه يعاود إظهار علامات على قوته.. ما زلنا متفائلين حيال السوق لأننا متفائلون بشأن الاقتصاد”.
بيانات اقتصادية قوية
بعد سلسلة من البيانات التي تؤكد التباطؤ على جبهة الوظائف، أظهر تقرير الوظائف الصادر يوم الجمعة انتعاشاً غير متوقع. ارتفعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 199 ألفاً الشهر الماضي، وانخفض معدل البطالة إلى 3.7%، وتجاوز النمو الشهري للأجور التقديرات. من جهة أخرى، أظهر تقرير منفصل أن معنويات المستهلكين في الولايات المتحدة انتعشت بشكل حاد في أوائل ديسمبر -متجاوزة جميع التوقعات- بعدما خفضت الأسر توقعاتها للتضخم للعام المقبل بأكبر قدر منذ 22 عاماً.
سجل مؤشر “إس آند بي 500” مكاسب للأسبوع السادس على التوالي، وهو أطول ارتفاع متواصل منذ نوفمبر 2019. انخفض “مؤشر الخوف” (VIX) للأسهم الأميركية إلى مستويات ما قبل الوباء. وقفزت عائدات السندات الأميركية لأجل عامين بمقدار 12 نقطة أساس إلى 4.72%. تُظهر عقود المقايضة الآن احتمالية حدوث ذلك بنسبة 40%، مقارنة بما يزيد عن 50% قبل صدور التقرير.
كالي كوكس من “إي تورو” (eToro) ترى أن بيانات الوظائف القوية قد تكون بمثابة “فحص لقوة السوق الأميركية” بعد ارتفاع الأسواق بشكل كبير بسبب رهانات خفض أسعار الفائدة. وأشارت إلى أن التطلعات بلغت حد المبالغة.
تقهقر رهانات خفض أسعار الفائدة
قال جون ليبر من “تيتان أسيت مانجمنت” (Titan Asset Management): “الاقتصاد الأمريكي يواصل أداءه الجيد”، مضيفاً: “الانخفاض الكبير في عوائد سندات الخزانة الذي شهدناه الشهر الماضي، والذي بدا بالفعل مبالغاً فيه بعض الشيء، يتحول للاتجاه المعاكس مع صعود عوائد السندات.. ومع توقع الأسواق خفض أسعار الفائدة العام المقبل، عاد شعار أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول إلى الساحة من جديد”.
أقنعت بيانات التضخم والتوظيف الضعيفة في الشهر الماضي المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي انتهى من رفع أسعار الفائدة وأشعل الرهانات على أنه يتم التحضير لخفض الفائدة بما لا يقل عن 125 نقطة أساس خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وقلص التجار تلك الرهانات إلى نحو 110 نقاط أساس. قال نيل دوتا من “رينيسانس ماكرو ريسيرش”: “الأشخاص الذين يرجحون حدث الركود، ليسوا على صواب”.
يتأهب المتداولون لأسبوع حافل آخر، يتضمن بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأميركي ومبيعات التجزئة، وجدول مضغوط لمزادات سندات الخزانة، والاجتماع الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي لهذا العام.
الاحتياطي الفيدرالي وسيناريو الهبوط السلس
يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على تكاليف الاقتراض عند أعلى مستوى منذ عقدين يوم الأربعاء. عارض رئيس البنك المركزي جيروم باول أكثر من مرة الرهانات المتزايدة على خفض أسعار الفائدة أوائل العام المقبل، مشدداً على أن صناع السياسات النقدية سيتحركون بحذر، ولكن سيحتفظون بخيار رفع أسعار الفائدة مرة أخرى.
قال رونالد تمبل من “لازارد” إنه في حين أن قوة سوق العمل تعني ضمناً تخفيضات أقل في أسعار الفائدة، يجب على المستثمرين أن يشيدوا بتقرير الوظائف لأنه يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يقدم سيناريو “معتدل” لانخفاض التضخم دون حدوث الركود، وهو أفضل نتيجة للأصول الخطرة.
قال كوينسي كروسبي، من “إل بي إل فاينانشال” (LPL Financial): “تعرض الاحتياطي الفيدرالي لوضع حرج بسبب البيانات الأقوى من المتوقع.. طالما استمر التضخم في الانخفاض، فمن المرجح أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في حالة انتظار. ولكن إذا كان تقرير اليوم نذيراً لاستمرار الإنفاق الاستهلاكي، فقد يضطر البنك المركزي إلى إصدار رسالة أكثر تشدداً، والتأكيد على أنه ما زال غير قادر على إعلان النصر في حملته لقمع التضخم”.
قال وزير الخزانة السابق لورانس سامرز إن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يؤجل التحول نحو خفض أسعار الفائدة حتى يتوافر دليل حاسم يظهر عودة التضخم تحت السيطرة أو أن الاقتصاد يدخل في حالة ركود. وأضاف أنه في حين أن الهبوط السلس، حيث تصبح الأسعار تحت السيطرة دون حدوث ركود، يبدو “مرجحاً بشكل أكبر”، إلا أنها ليست نتيجة يمكن الثقة بها في هذه المرحلة.
بريان روز من “يو بي إس” يرى أنه بالنظر إلى أن السوق تضع بالفعل في الحسبان الكثير من تخفيضات أسعار الفائدة في 2024، فمن المحتمل أن يتجنب الاحتياطي الفيدرالي أن يبدو “مفرطاً في الحذر”.
من المرجح أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي سياساته النقدية مقيدة حتى منتصف 2024، وعند هذه النقطة يجب أن يتراجع التضخم بما يكفي لتبرير دورة تيسير نقدي متواضعة، وفق رونالد تيمبل من “لازارد”. وأشار إلى أنه “بينما تعني قوة سوق العمل تخفيضات أقل في أسعار الفائدة، يجب على المستثمرين أن يشيدوا بالتقرير لأنه يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يقدم سيناريو “معتدل” لانخفاض التضخم دون الركود، وهو أفضل نتيجة للأصول الخطرة”.
مؤشر الخوف
المؤشر الرئيسي للقلق في سوق الأسهم سيرتفع في 2024 بعد أن انخفض هذا العام إلى أدنى مستوياته منذ ما قبل تفشي الوباء، ويعتمد حجم الصعود على قوة الاقتصاد، وفقاً لاستراتيجيي “جيه بي مورغان”.
“سيُتداول مؤشر التقلب (Cboe) بشكل عام أعلى في 2024 مما كان عليه في 2023، ويعتمد مدى الزيادة على توقيت وشدة الركود النهائي” والتقلبات الأوسع المحتملة التي يمكن أن تحد من بيع التقلبات قصيرة الأجل، حسبما كتب استراتيجيو مشتقات الأسهم في الأميركتين بالبنك، بقيادة برام كابلان، في مذكرة يوم الجمعة.
أسواق الأسهم ستعاني في الربع الأول من 2024، حيث قد يشير ارتفاع السندات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وفق مايكل هارتنت، من “بنك أوف أمريكا كورب”. كتب هارتنت أن رواية “انخفاض العائدات = ارتفاع الأسهم” سوف تتحول إلى “انخفاض العائدات = هبوط الأسهم”.
قال هارتنت إن مؤشرات المعنويات لم تعد داعمة لمواصلة ارتفاع الأصول الخطرة. ارتفعت إشارة “المراهنين على الصعود والمراهنين على الهبوط” الخاصة بـ”بنك أوف أمريكا” إلى 3.8 من 2.7 في الأسبوع المنتهي في 6 ديسمبر، وهي أكبر قفزة أسبوعية لها منذ فبراير 2012. وتعتبر القراءة الأقل من 2 بشكل عام إشارة شراء متعارضة.
وقال “بنك أوف أمريكا” نقلاً عن بيانات “إي بي إف آر غلوبال” إن الصناديق المالية اجتذبت أكبر تدفقات منذ مارس، في حين شهدت الأسهم الأمريكية تدفقات للأسبوع الثامن على التوالي.
قال ديفيد بيلين، كبير مسؤولي الاستثمار في “سيتي غلوبال ويلث” ورئيس الاستثمارات، إن الأسهم جاهزة لتحقيق المزيد من الصعود في 2024 مع تقهقر التضخم، واستمرار قوة الاقتصاد وانتعاش الأرباح، مما يزيد من تكلفة الفرصة البديلة للمستثمرين المتحفظين، المتشبثين بالنقد.
وأضاف: “لا أعلم ما الذي ينتظره المستثمرون.. الاقتصاد الأمريكي سيظل قوياً، وفي نهاية المطاف، ستنخفض العوائد في سوق المال، فلماذا لا يشتري الناس محافظ 60/40؟”
على صعيد آخر، صعدت أسعار النفط بعدما تلقت دعماً فنياً، بجانب سعي الولايات المتحدة إلى إعادة ملء احتياطيها النفطي الاستراتيجي، لكن الأسعار سجلت أطول سلسلة خسائر أسبوعية منذ 2018 وسط مخاوف بشأن تخمة عالمية.
اقتصاد الشرق