“لقد اتضح أن التضخم كان مؤقتًا فى نهاية المطاف، فقط استغرق وقتا أطول مما يجب حتى ينخفض”، وجهة النظر تلك يتم تداولها بكثرة عقب الانخفاض الحاد فى مؤشر التضخم الأمريكى من مستوى 9.1% فى يونيو إلى 3.1% فى نوفمبر.
ومع ذلك، فهو تفسير مضلل، ويفرض المزيد من الضغوط على بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لحمله على ملاحقة تخفيضات كبيرة ومبكرة قبل الأوان فى أسعار الفائدة.
إن انزعاجى من عودة السرد الانتقالى ليس بسبب تعقيد “الميل الأخير” فى معركة التضخم، فرغم أن الانكماش الصريح للتضخم فى قطاع السلع من الممكن أن ينعكس قبل أن يتسارع تباطؤ التضخم فى الخدمات بالقدر الكافى الذى يضمن تحقق هدف الفيدرالى الأمريكى للتضخم عند 2%.
صحيح أن التضخم الأساسى أثبت أنه أكثر عناداً من انخفاض التضخم العام بسبب الطاقة، وأن هناك تساؤلات حقيقية حول التأثير المتأخر لزيادات أسعار الفائدة السابقة وهدف التضخم المناسب لاقتصاد لا يتمتع بمستوى من العرض الكافى على المدى المتوسط، وجميعها قضايا لها وجاهة ولا تعكسها الأسواق بالشكل الكافى، لكن حتى لو كان مسار الفيدرالى نحو هدف التضخم كان سلسًا، رغم أنه لن يكون كذلك، لكن صياغة “الأمر استغرق وقتاً أطول” معيبة.
وعلى المستوى الأكثر جوهرية، فهو يتجاهل سلسلة من التغيرات المترتبة على استمرار التضخم المرتفع لأكثر من عامين.
ببساطة، ينبغى النظر إلى توصيف انتقالى أو مؤقت من خلال تحليل سلوكى وليس من خلال عدسة زمنية ضيقة.
ليس هناك شك فى أن التضخم المرتفع قد انخفض كثيرًا بالفعل، وعلى الرغم من كونه حذرا بطبيعته، فقد اضطر بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى إلى رفع أسعار الفائدة بنحو 5% فى دورة رفع أسعار الفائدة الأكثر عنفًا منذ عقود.
وتعثرت بعض البنوك بسبب سوء إدارة تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على ميزانياتها، وتعانى القطاعات ذات الاستدانة العالية، مثل العقارات التجارية، كما انهارت أحجام المعاملات فى سوق الإسكان مع إحجام العديد من المالكين عن البيع لأن ذلك يعنى الحصول على رهن عقارى بمعدلات أعلى لمنازلهم البديلة.
كما أن الجانب التطلعى المتمثل فى عبارة “لقد استغرق الأمر وقتًا أطول” يمثل مشكلة أيضًا، وأدى لتخفيف الأوضاع المالية فى السوق لحد بعيد خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكان هذا قبل أن يزداد انخفاض العائدات بشكل أكبر يوم الأربعاء الماضى بسبب التصريحات المائلة للتخلى عن التشدد بشكل مفاجئ التى أدلى بها رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى جيروم باول فى مؤتمر صحفى، والتى شكلت انعكاسًا مفاجئًا لتعليقاته قبل 12 يومًا فقط.
ويكمن الخطر هنا فى أن بنك الاحتياطى الفيدرالى، الذى يشعر بعدم الارتياح إزاء الانفصال بين توجهاته السياسية المستقبلية وتسعير السوق، يضطر إلى اتخاذ إجراءات سياسية ترضى الأسواق ولكنها تثبت أنها غير متسقة فى الأمد الأبعد مع هدف البنك المركزى.
وهذا لن يكون جديدا، لقد حدث ذلك فى يناير 2019 مع تحول فى السياسة عندما كشف باول عن لغة جديدة فتحت احتمال أن تكون الخطوة التالية فى أسعار الفائدة منخفضة، بعد ستة أسابيع من إشعار البنك المركزى الأسواق بمزيد من الارتفاعات.
كان هناك أيضًا قرار أبريل 2020 بشراء الصناديق المتداولة فى البورصة من السندات ذات العائد المرتفع أو دون الجدوى الاستثمارية، وفى الفترة من نوفمبر 2021 إلى مارس 2022، كان هناك تباطؤ فى عمليات شراء الأصول واسعة النطاق.
الخطر اليوم هو أن بنك الاحتياطى الفيدرالى، رغبة منه فى تجنب تقلبات السوق المزعجة، يؤكد صحة اتجاه السوق من خلال تخفيضات كبيرة فى أسعار الفائدة، ولكنه قد يضطر بعد ذلك إلى عكس مساره لاحقًا.
وكلما استسلم بنك الاحتياطى الفيدرالى لتوقعات المستثمرين بشأن تخفيضات كبيرة ومبكرة فى أسعار الفائدة فى عام 2024 – بما فى ذلك الاقتراب من التخفيضات الستة المقررة للعام المقبل – كلما زاد ضغط الأسواق من أجل موقف سياسة أكثر تيسيرًا.
إذا قام المستثمرون بتسعير تخفيضات إضافية فى أسعار الفائدة، فسيكون من الصعب على بنك الاحتياطى الفيدرالى متابعة مهمته دون رد فعل كبير من السوق.
وسوف يكون من الصعب إصلاح تباين اتجاه البنك الاحتياطى الفيدرالى مع السوق بسرعة، فى حين سوف يتسع تباين سياساته مع بنك إنجلترا والبنك المركزى الأوروبى، وكلما استمر هذا الوضع، كلما تعاظمت المخاطر التى تهدد الرفاهية الاقتصادية والاستقرار المالى.
وبدلاً من الميل إلى اختيار الطريق المختصر السهل المرتبط بسرد “الأمر استغرق وقتاً أطول”، فمن الأفضل لكل من الأسواق وصناع السياسات أن يركزوا على مدى تغير العالم فى السنوات القليلة الماضية.
إن رحلة التضخم ذهاباً وإياباً ليست بسيطة ولا كاملة، وسوف يستمر الشعور بالتحول الناتج فى تكوين الاقتصاد العالمى والأسواق المالية لعدة سنوات.