أراد العديد من رؤساء الشركات الألمان شيئًا واحدًا فقط لعيد الميلاد، وهو “إشعارات التمويل”. لكن دوائر الأعمال في البلاد لم تتحدث سوى قليلاً عنها منذ 15 نوفمبر.
ففي ذلك اليوم، أعلنت المحكمة الدستورية الفيدرالية أن خطة الحكومة لإعادة توظيف 60 مليار يورو(66 مليار دولار) من أعمال الائتمان “الطارئة” المخصصة لمكافحة “كوفيد” في أعمال البنية التحتية وانتقال الطاقة، كانت غير دستورية.
وهذا أدى إلى إحداث فجوة في خطط الإنفاق للحكومة الائتلافية، كما أثار مخاوف بين تلك الشركات التي تعتمد على الدعم العام لاستثماراتها.
ورغم أنها ليست كثيرة، إلا أنها أساسية في الرؤية الاقتصادية للحكومة، وهذه الرؤية مهمة بدورها للمؤسسات الألمانية ككل، حسبما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
في أوائل ديسمبر، تلقت شركة “نورث فولت”، وهي شركة سويدية مبتكرة لتصنيع البطاريات، إشعار تمويلٍ للحصول على دعم يبلغ 564 مليون يورو لبناء مصنع بلغت تكلفته نحو 4.5 مليار يورو بولاية شليسفيج هولشتاين شمال ألمانيا.
في الوقت نفسه، تنتظر الشركات الأخرى، بما فيها تلك التي تقف وراء 11 من “27 مشروع ألماني هام ذو مصلحة أوروبية مشتركة”، والتي لم تتلق بعد عرض تمويل رسمي؛ بفارغ الصبر محفزاتها الاقتصادية.
ما حصلت عليه الشركات بدلاً من ذلك هو جرعة مريرة من التقشف، فقد قال أولاف شولتز، مستشار الحزب الاشتراكي الديمقراطي في 13 ديسمبر: “علينا تدبير أمورنا بأموال أقل بكثير”.
بعد مناقشات متوترة مع شركائه من الحزب الأخضر والديمقراطي الحر، كشف شولتز النقاب عن مدخرات بقيمة 29 مليار يورو، بما فيها مبلغ أقل قدره 12 مليار يورو لصالح صندوق المناخ وتحول الطاقة.
لم تتضح التفاصيل بعد، لكن بعضًا من هذا سيأتي من النهاية المبكرة لدعم السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية، وزيادة أعلى من المتوقع في ضريبة الكربون ورسوم جديدة على الشركات التي تستخدم البلاستيك، علمًا بأنه ليس هناك إشعارات تمويل آخرى في الأفق.
يثير التقشف الذي اتبعه شولتز شكوكًا حول “الوعود الأخرى للحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات”.
يقول كريستوف بيرترام، من شركة “إف جي إس” الاستشارية: “يضغط الرؤساء بجنون على وزارة الاقتصاد بينما تبذل وزارة المالية قصارى جهدها لمنع وعود الإنفاق الجديدة”.
يبدو أن الدعم البالغ 10 مليارات يورو، الذي حصلت عليه شركة “إنتل” الأمريكية لصناعة الرقائق لإقامة مصنع لأشباه الموصلات تبلغ قيمته 30 مليار يورو، والذي سيكون أكبر استثمار أجنبي منفرد في ألمانيا بعد الحرب، أصبح موضع شك.
وكذلك الدعم البالغ 5 مليارات يورو لمصنع الرقائق في دريسدن الذي ستبنيه شركة “تايوان لصناعة أشباه الموصلات”، فهذه التبرعات مجرد محاولة مكلفة، وربما غير مجدية، للمنافسة في سباق دعم الرقائق العالمي.
ومع ذلك، فإن إلغائها الآن “سيرسل إشارة كارثية” حول جدارة الحكومة بالثقة، طبقا لتحذيرات مارسيل فراتزشر رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية.
تضاف فوضى الميزانية إلى سلسلة من “المخاوف” المتعلقة بالأعمال التجارية الألمانية، إضافة إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع أسعار الطاقة ونقص العمالة الماهرة والروتين المرهق باستمرار وصعود اليمين الشعبوي المتطرف.
لا عجب أن الرؤساء أصبحوا يشعرون بخيبة أمل أكثر من شولتز وشركائه في التحالف.
ويشير مسح أجرته إحدى المجلات التجارية في أوائل ديسمبر إلى أن ما يقرب من 83% يقولون إن الحكومة لا تقوم بعمل جيد، فيما يرغب 75% في أن تجري ألمانيا انتخابات جديدة خلال 2024.
كما تراجع مؤشر مناخ الأعمال التابع لمعهد “إيفو” مرة أخرى، بعد أن تجاوز مستويات ما قبل الوباء في معظم عام 2021.
تؤثر المشاعر الكئيبة على القرارات الاستثمارية، إذ انخفض الإنفاق الرأسمالي للشركات في الربع الثالث، على أساس سنوي، بعد أن نما بالكاد في الربع السابق القليل.
وخفضت الشركات بشكل كبير خططها الاستثمارية، وفقًا لمسح جديد شمل 5000 شركة أجراه معهد “إيفو”.
ووفقًا لأحدث استطلاع ربع سنوي لـ”ميتتلستاند”، تخطط 24% فقط من الشركات متعددة الجنسيات المملوكة للعائلات في ألمانيا للاستثمار في التوسعات، وهي أدنى حصة منذ بدء الاستطلاع في 2010، فيما قال 42% منهم إنهم لن يستثمروا في ألمانيا بعد الآن.
كل هذا يعكس المخاوف بشأن ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الطلب وعدم اليقين العام بشأن السياسة الاقتصادية، كما توضح لارا زارجيس من معهد “إيفو”.
رغم أن معظم الاقتصاديين يتوقعون انتعاشًا معتدلاً للاقتصاد الألماني العام المقبل، يتوقع سيباستيان دوليين، من معهد أبحاث “اي.إم.كيه” أن يستمر الركود حتى 2024 بسبب تخفيضات الإنفاق بعد حكم المحكمة الدستورية.
يعتقد دوليين أنه من “السخف اقتصاديًا” الالتزام بحدود الإنفاق الصارمة، كما يعتزم شولتز القيام بذلك العام المقبل، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة طاقة، مما يوفر المأوى لأكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا التي مزقتها الحرب والتي تعاني ضعفًا اقتصاديًا.
يرى سيجفريد روسفورم، رئيس “بي دي أي”، الاتحاد الصناعي الرئيسي في ألمانيا، مشروع قانون الإنفاق باعتباره “ميزانية تقشف صعبة تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد والمستهلكين”.
ويتفق روسفورم مع دوليين على أن ذلك سيجعل تعافي ألمانيا خلال عام 2024 أكثر صعوبة.