من أصعب المهام بكل الشركات معضلة “الرسالة والرؤية”، كل الكتب تتحدث عن أن ضمان نجاح الشركة واستمرارها يكمن فى قدرة إدارتها على إيصال تلك الرؤية وهذه الرسالة إلى الجميع.
إذا تخيلنا أن الرسالة والرؤية مثل الماء، فعلينا أن نجعل الجميع يشرب من نفس الماء النقى الذى تم إعداده من قبل مجلس الإدارة وهو أمر شبه مستحيل لأن المسافة بين المجلس وموظفى الصف الأول كبيرة للغاية وبها العديد من السدود والجبال والمسافة لن تسمح بإيصال المياه نقية كما أسلفنا سابقا.
ولكننا ولكى نضمن أن ما تم تجهيزه من قبل المجلس “الماء” سيتم إيصاله بكفاءة من خلال استراتيجية محكمة وتكتيكات وأدوات مبتكرة لكل موظفى الشركة، أعتقد أن هذا شبه مستحيل وأعتقد أن هذا هو النموذج المثالى تماما، مثلما يوصف طبيب التغذية خطة التغذية والأنشطة والرياضة ولا أحد يسير وفقها بدقة.
أعتقد أن المبادئ الأساسية لضرورة إيصال الرؤية والرسالة communicating the vision موضوع يحتاج إلى إعادة التفكير بدقة لإعادة رسمه بشكل مختلف.
دعونا نحلل ما يحدث بالجيوش كمثال حساس وأهم بكثير مما يحدث بالشركات “معظم علوم الإدارة وحتى هذه الأيام هى نتاج العلوم العسكرية ومازالت مثالا يحتذى به”، جندى المشاة يؤمن بما يفعل دفاعا عن بلده وأن غايته هى النصر، ولكن هو لا يعلم بدقة ما معنى النصر، فالنصر عند رئيس الدولة غير ما هو عند الجندى البسيط.
الجندى يعلم الرسالة لفظا دون أن يكون لها معنى حقيقى وواقعى فيما يفعل فى الجبهة، فصغر المهام التى يؤديها والتكتيكات التى يرسمها له قادته لن تسمح له بربطها بالرسالة والمهمة، الدوافع الحقيقية لهذا الجندى نحو النجاح قد تكون الثأر وليس النصر.. نجاح الجندى مرتبط بثلاثة أمور: إيمانه بقيادته وترابط مجموعته وعقيدته الإيمانية.
دعونا نعود مرة أخرى للشركات، سنضرب مثالا بمجموعة لها فروع كثيرة ببلاد متعددة، هل الفروع التى تتجاوز المائة بمصر وحدها تحركها استراتيجيات إيصال الرسالة والرؤية أم تحركها أمور أخرى أهم وأدق.
أعتقد أن نجاح واستمرار الشركات مرتبط ببناء ثقافة تلائم بيئتها، كما أن تحقيق الاستقرار النفسى للموظف وعائلته مرتبط ببناء بيئة عمل تجعله فخورًا بما يحقق وتجعل الآخرين يرونه بعيون مملوءة بالاحترام.
أعتقد أن إيصال الرسالة والرؤية هام للغاية ولكن حدود تنفيذه تقف عند الباب الخارجى لمجلس الإدارة ومن هذه النقطة تبدأ الشركة فى استخدام أدوات إدارية مختلفة ليس منها ايصال الرسالة والرؤية.
تجربتى الشخصية جعلتنى أؤمن أن ما نستخدمه من علوم الإدارة يحتاج إلى إعادة فحص وترتيب الأولويات.
رجل الأعمال الأمريكى روبرت كيوساكى صدمنى وصدم الكثير عندما أوضح أن العالم كان ومازال حريصا أن تحتكر فئة محدودة من البشر علوم الاستثمار لضمان بقاء الثروات بيد مجموعة صغيرة للغاية من البشر، وأنا أيضا أعتقد أن علوم الإدارة تحتاج إلى اكتشاف يحسن من تطور أداء الشركات وينقذها من عثراتها المتكررة وينشر أصول هذا العلم للجميع.