مر نحو أربعة أعوام منذ أن أصبح العالم على علم بكوفيد-19، والذي أدى إلى تراجع هائل في النشاط الاقتصادي، أعقبه تعافي شامل سريع، ثم حرب بين روسيا وأوكرانيا والآن حرب في غزة، وارتفاع الأسعار، خصوصا أسعار الغذاء والطاقة، والارتفاع السريع في أسعار الفائدة.
وفي الخلفية، أصبح تغير المناخ واضحًا بشكل متزايد.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة لأفقر الناس في العالم؟
الجواب هو أن التقدم المحرز في القضاء على الفقر المدقع تباطأ بشكل حاد، إذ توقف التقدم ببساطة في الدول التي تضم معظم أفقر سكان العالم.
وإذا كان بإمكان هذا الوضع التحسن، فهذه الدول ستحتاج إلى مزيد من المساعدات السخية من الجهات المانحة الرسمية، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ساعد عصر العولمة الذي واجه انتقادات كثيرة، في تحقيق انخفاضات هائلة في نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع.
ويحدد البنك الدولي حاليًا دخل الذين يعيشون في فقر مدقع عند مستوى أقل من 2.15 دولار يوميًا بأسعار 2017.
ووفقًا لهذه التعريفة، فقد انخفضت أعداد من يعيشون في فقر مدقع من 1870 مليون شخص (31% من سكان العالم) في عام 1998 إلى توقعات بوصولهم إلى 690 مليون شخص (9% من سكان العالم) في عام 2023.
لكن من المؤسف أن معدل الانخفاض تباطأ بشكل حاد، إذ سينخفض معدل الفقر العالمي بما يزيد قليلا عن 3% من 2013 إلى نهاية العام الحالي 2023، وفي المقابل انخفض بنسبة 14% في العقد السابق لعام 2013.
لماذا تباطأ معدل الانخفاض في الفقر المدقع؟
تكمن الإجابة في تباطؤه في أفقر دول العالم، تلك المؤهلة للحصول على قروض من المؤسسة الدولية للتنمية والمعروفة بكونها ذراع الإقراض الميسر للبنك الدولي.
وانخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في بقية أنحاء العالم من 20% في 1998 إلى توقعات بنسبة 3% فقط في 2023، كما انخفضت بما يقدر بنحو 4% بين 2013 و 2023.
في الوقت نفسه، انخفضت أيضًا نسبة الفقر المدقع في الدول المؤهلة للحصول على المساعدة من المؤسسة الدولية للتنمية من 48% في 1998 إلى توقعات تقدر بـ26% في 2023، لكن الانخفاض كان مجرد 1% بين 2013 و2023، فيما سجل 14% في العقد السابق.
وهذا لا يعني أن الفقر المدقع اختفى تماماً في الدول الأفضل حالاً، حيث يُتوقع أن يعاني نحو 193 مليون شخص من هذه الحالة في الدول غير المؤهلة للحصول على المساعدة من المؤسسة الدولية للتنمية، لكن عددهم في الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة يبلغ 497 مليون، أي 72% من الإجمالي العالمي البالغ 691 مليون.
وبما أن نسبة من يعانون من فقر مدقع في بقية العالم لا تتجاوز 3%، فمن المعقول افتراض أنه مع نمو إجمالي متواضع، سيُقضى على الفقر في الأغلب بحلول 2030.
من الواضح إذًا أن هدف القضاء على الفقر المدقع في عالمنا لن يتحقق إلا من خلال تركيز الاهتمام والموارد على أفقر دول العالم، حيث يتركز الجزء الأكبر من الفقر المدقع وحيث يترسخ بشكل أعمق.
لا شك أن الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية تضم العديد من الدول التي تعاني من أسوأ إدارة في العالم، لكنها أيضًا هشة في جوانب متعددة، بالتالي فإنها تقع في فخ الفقر، الذي يصعب بشدة الإفلات منه، خاصة عندما تواجه صدمات، كما حدث من قبل.
علاوة على ذلك، ليس من الضروري أن تكون “هاوية بلا نهاية”، إذ أنشأت المؤسسة منذ أكثر من نصف قرن لمساعدة الهند، بل كانت تسمى أحيانًا “جمعية التنمية الهندية”.
وتخرجت الهند الآن بنجاح وأصبحت من الدول المانحة، وأصبحت للمؤسسة قائمة مطولة من الخريجين، من بينهم الصين أيضًا.
يكشف تقرير حديث صادر عن البنك الدولي بشأن الديون الدولية عن سبب قوي آخر وراء الحاجة إلى المزيد من موارد المؤسسة الدولية للتنمية، وهو اعتماد هذه الدول بشكل مفرط على مصادر تمويل غير جديرة بالثقة وأكثر تكلفة.
ومن ثم، يشير التقرير إلى أنه “بالنسبة لأشد الدول فقرًا، أصبحت الديون عبئًا يكاد يصيبها بالشلل، فثمة 28 دولة مؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية أصبحت الآن معرضة بشدة لخطر ضائقة الديون، من بينها 11 دولة أصبحت مثقلة بالديون.
مشاكل الديون هذه ليست مفاجئة إلى هذا الحد، ففي الفترة بين 2012 و2021، قفزت نسبة الديون الخارجية للمؤسسة الدولية للتنمية والمستحقة لدائنين من القطاع الخاص من 11.2% إلى 28.0%.
ونتيجة لذلك قفزت خدمة ديون الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية من 26 مليار دولار في 2012 إلى 89 مليار دولار في 2022، مع ارتفاع مدفوعات الفائدة من 6.4 مليار دولار في 2012 إلى 23.6 مليار دولار في 2022.
وإجمالاً، بلغت نسبة الدول المؤهلة للحصول على قروض من المؤسسة الدولية للتنمية والمعرضة لخطر ضائقة الديون 56% في عام 2023، حسب التقرير.
يذكر أن الاقتراض التجاري من جانب هذه الدول غير آمن ببساطة، و سيتعين شطب بعض ديونها المستحقة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الدول ستحتاج إلى قدر أكبر من التمويل الميسر.
وهذا ليس واجب الدول الغنية فحسب، بل من مصلحتها أيضًا أن توفر الموارد التي تحتاج إليها للإفلات من فخ الفقر، فقد فعل مليارات من الناس ذلك، لذا دعونا ننجز المهمة الآن.