تهدف هذه الورقة إلى إحداث تغيير جوهرى فى علاقة ملاك الأسهم بشركاتهم وأهمية تبنى نوع مستحدث لاجتماع المساهمين.
كلنا نعلم أن اجتماع المساهمين مهم “صورياً” فى تحديد الاتجاه الرئيسى للشركة وكلنا نعلم أيضا أن اتجاهات الشركات مرتبطة بشكل كبير بالاقتصاد الكلى والسياسة العامة وأمور متعددة لا يتطرق إليها ملاك الأسهم باجتماعاتهم ومنذ فصل “الملكية عن الإدارة والتحكم” سنة 1968 وولادة قاعدة مبدأ فصل الملكية عن الإدارة، ظهرت معضلة ولاء المساهمين وسيطرة المجلس التنفيذى على الشركة دون أى دور فعال للملاك الرئيسيين.
الحقيقة أن اجتماع المساهمين هو أحد أهم أدوات الرصد لسلوك المديرين واعتماد أو رفض قرارات مصيرية مثل رفع رأس المال، الإندماج أو الاستحواذ من خلال ممارسة حقوق التصويت فى اجتماع المساهمين، البعض يعتقد أن سلطة إدارة الشركة تبقى محبوسة فى مجلس الإدارة ولا تتعداها إلى الجمعيات العمومية ولكن الحقيقة غير ذلك.
لا تحمل كلمة “اجتماع” وفق القانون والقاموس اللغوى أى شئ خاص سوى معناها العادى، وهو لقاء عدد من الأشخاص فى وقت ومكان معينين لمناقشة التصرف فى الأمور التى لديهم مصلحة مشتركة بها.
يتطلب الاجتماع حضورًا فعليًا لجميع المشاركين، وهو عادة يكون تجمع وجهاً لوجه ومن الضرورى تحديد هوية جميع الحاضرين من أجل ضمان الأهلية القانونية لكل من الحضور للمشاركة فى الاجتماع.
الشركة عبارة عن مجتمع صغيروأحيانا كثيرة متعدد الجنسيات وممتد عبر الحدود، حيث يلتقى مجموعة من الأشخاص فعليا أو اعتباريا ويقومون بالاستثمار بهدف الربح، والمعتاد أن يتم اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالشركة أثناء اجتماعات الجمعية العمومية العادية وغير العادية.
إن حمل المساهمين على المشاركة بنشاط فى الاجتماع ليس بالمهمة السهلة فالحضور والمشاركة فى اجتماع المساهمين هو عمل اختيارى وهو حق وممارسة مرتبطة بنسب الملكية والأسهم الممتازة ومجموعات الضغط داخل الجمعيات، لا يوجد واجب أو التزام على المساهمين للقيام بذلك وكل شخص فعلى أو اعتبارى لديه أسبابه الخاصة لعدم حضور الاجتماع.
إن تفتيت الملكية يفقد المساهمين اهتمامهم بالحضور والمشاركة فى الاجتماع بسبب حجم استثماراتهم بالنسبة لرأس المال المستثمر، وعادة ما تكون التكاليف التى يتكبدونها فى حضور الاجتماع أعلى مقارنة بالحافز الذى يتلقونه.
الدكتور خالد سمير يكتب: معضلة الرؤية والرسالة بالشركات
ببساطة وبكل وضوح، اهتمام أعضاء الجمعية العمومية هو مالى فقط لا غير بالرغم من أن المديرين دائما ما يطروح باجتماعاتهم مع الملاك تقارير مالية وأخرى غير مالية وأخرى تتعلق بالمسؤولية المجتمعية للشركات إلخ..، بالرغم من كل ذلك فإن الاهتمام الوحيد للملاك هو العائد على الاستثمار والتوزيعات النقدية.. إننا نقول وبكل وضوح أن ولاء المساهمين لشركاتهم يكاد يكون معدوما.
لا تكمن المشكلة فى هيكل الشركة ولكنها تكمن فى عدم قدرة الملاك على اتخاذ القرارات الصحيحة لضمان توجيه الشركة لتحقيق أهدافها.. الأمور تكون أصعب وبالذات للشركات المالكة للمستشفيات وبالذات إذا كان المديرون هم أيضًا المساهمون فى الشركة.. إن تجميع المساهمين معا وفق الطرق القديمة مهمة شاقة وشبه مستحيلة.
أصبحت حوكمة الشركات القضية الحاسمة وبالذات للشركات المدرجة فى البورصة والدراسات أكدت أن قيم السهم المحوكم أعلى بنسة 25% من السهم غير المحوكم.
لن أكرر هنا أهمية تعزيز الحوكمة بمفهومها الدارج والمنحصر فى أداء مجلس الإدارة عموما ولكنى سأركز على جوهر المشكلة، بمعنى أوضح ماذا نفعل لتحسين ولاء اللاعب الرئيسى وهو المساهم صاحب المصلحة المباشرة فى استثمار نجاح الشركة.
المعلومات هى المحك لتحقيق هذا الولاء ويعد نقل المعلومات وجودتها وطريقة إتاحتها من الإدارة إلى المساهمين من بين العديد من جوانب الحوكمة الرشيدة للشركات، إن التحدى الحقيقى هو ماذا نفعل لخلق بيئة لتضافر المساهمين وتحولهم إلى قوة فعالة وجرس إنذار أمام الإدارات التنفيذية للشركات.
السؤال الهام هو هل يتمتع المساهمون بصفتهم “المالك” بالقدرات اللازمة لقراءة مستقبل الأعمال والموازنات وخطط الأعمال ودرجة المخاطر التى تحيط بإستثماراتهم؟ هل يتمتع المساهمون بصفتهم “المالك” بقدرات تتفهم فكر الاستدامة والمسؤولية المجتمعية للشركات كنوع من الاستراتيجيات طويلة الأمد بهدف ضمان استمرار الربح على المدى الطويل؟ هل نحتاج إلى ثورة فى مفهوم اجتماع المساهمين؟
أعتقد أننا لن نكون منصفين إذا طلبنا من المساهمين تحليل مساهماتهم المختلفة بقطاعات متنوعه لاتخاذ قرارات مصيرية لتك الشركات، إن إستيعاب نمط الحياة لمجتمع الشركات الحالى الذى نحياه يتطلب تغيير جوهرى للمنظومة بالكامل.
لقد آن الأوان لتطوير المبادئ القانونية لتواكب المتغيرات ويجب تبسيط عملية صنع القرار ومراقبتها مع إدخال تعديلات على الرأى التقليدى، كلها أمور لا مفر منها وإدخال تعديلات مؤثرة فى فكر الحوكمة أمرا جوهريا وذلك لضمان أن تؤدى التغييرات إلى تحقيق الغرض الأصلى المتمثل فى تسهيل ممارسة حقوق المساهمين.
نؤمن بأن أحد أهم الحلول يكمن فى مسائل ثلاث هامة، المسألة الأولى تكمن فى تطوير أداء المراجع الخارجى وتطوير تقرير الحوكمة بشكل أساسى، والمسألة الثانية تكمن فى الاعتماد على شركات بنوك الاستثمار “أقسام البحوث الاقتصادية والتحليل المالى” لإصدار تقارير اقتصادية تفصيلية تفيد حملة الأسهم أما المسألة الثالثة فتتعلق بالتحول الرقمى لاجتماعات الجمعيات العمومية للشركات.
دعونا نطرح المسألة الأولى، نقصد بتطوير أداء المراجع الخارجى هو أن نحوله من مجرد مراجع وفق المفهوم المتداول إلى مراجع فعال ليكون ممثلا حقيقيا للجمعية العمومية التى اختارته واعتمدت أتعابه.
المراجع الخارجى يجب أن يتحول من مجرد مدقق وفق عينات عشوائية إلى مراجع باحترافية يوضح ويؤكد مدى التزام الإدارة التنفيذية بخطط الأعمال لتحقيق التوجهات الأساسية المتفق عليها بإجماع هيئة المساهمين.
المراجع الخارجى ووفق القانون عليه تقديم تقرير عن الحوكمة Corporate Governance Report وهذا التقرير يتطلب أن يكون معبرا بشكل واضح عن أداء وجودة المعلومات المقدمة من قبل المجلس للجمعية وعن مستوى أعضاء المجلس فردا فردا ومدى مستوى فهمهم وتعاملهم مع المخاطر التى تحيط بالشركة.
أما المسألة الثانية فهى تتعلق بتوفير معلومات مدققة محايدة طوال السنة عن القطاع المستثمر فيه من قبل هيئة المساهمين، إن تقديم تقرير ربع سنوى عن القطاعات ذات الصلة من قبل مراكز البحوث الاقتصادية المملوكة لشركات الاستثمار المباشر والتى تقوم بهذا الفعل بطبيعتها والتى تدرس بشكل حيادى أداء الشركات وتقيم درجة المخاطر المحيطة بكل قطاع، هذه التقارير ستساعد المساهمين فى تفهم موقف شركاتهم ضمن المنظومة الكلية.
نؤمن بضروة تغيير القانون ليتم فرض هاتين المسألتين على كل الشركات المدرجة وغير المدرجة، كما أن التكاليف الجديدة المرتبطة بهذه القرارات لا قيمة لها إذا قورنت بالفوائد التى ستعم من خلال تطوير أداء المديرين والذين سيجدون أنفسهم يواجهون أصحاب الأسهم الذين يحملون أدلة علمية من خبراء معتمدون ولن يجد المساهمين أنفسهم أمام معضلات مالية أو قانونية “تقدم من قبل الإدارة التنفيذية” يصعب عليهم فهمها، بل سيتسلحون بتقارير واضحة عن المخاطر والتوقعات المقدمة من قبل تلك الشركات.
إن فصل مصدر المعلومات، بين تلك المقدمة من خلال الإدارة التنفيذية والأخرى المقدمة من خلال المراكز البحثية والمراجع الخارجى هو جوهر الحوكمة والحكم الرشيد للشركات.
المسألة الثالثة والتى تتعلق برقمنة اجتماعات الجمعيات العمومية بكل تفاصيلها لضمان تدفق المعلومات ودرجة عالية من الإتاحة والتدقيق والمراجعة والحضور السهل لكل اجتماعات الجمعيات العمومية.
نؤمن بأن تطوير الحصول على المعلومات وجودتها ودرجة إتاحتها وحياديتها هو من الأمور التى ستساعد حملة الأسهم على اتخاذ قرارات سليمة بالوقت الصحيح.
آن الأوان للتوقف عن التعامل مع اجتماع المساهمين على أنه “مضيعة للوقت والموارد” أو لتصفية حسابات بعض المديرين ضد الآخرين أو لاستخدامها لضمان الحصول على “إخلاء سبيل المجلس” بمعنى الموافقة القانونية للأداء السيئ لبعض مجالس الإدارات.
إن التعديلات المقترحة على المفهوم والقوانين والقواعد واللوائح فيما يتعلق بحوكمة الجمعيات العمومية تهدف إلى تطوير الشركات وتنمية أدائها وتحقيق دور فعال حقيقى لهيئة المساهمين.