المخاوف اللوجستية والتكاليف الإضافية ووقت الشحن تضاعف آلام رأس الرجاء الصالح
تجبر الاضطرابات السياسية في البحر الأحمر، شركات الشحن العالمية على إجراء رحلات أكثر تكلفة، وتزيد الضغط على الشركات لمراجعة سلاسل توريدها والاستعداد لوضع جديد يتسم بمسافات نقل أطول.
قال نائب رئيس الشؤون البحرية والتجارة في “ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتلجينس”، بيتر تيرشويل، إن “السوق بحاجة للتكيف مع أوقات النقل الأطول”.
وتابع: “بالنسبة لكل من يعتمد على التجارة بالحاويات، فهذا يعني أن سلاسل التوريد يجب أن تتكيف، وبالتالي ينبغي تسريع التخطيط والتصنيع. كما أنه يعني التزامًا أكبر لرأس المال العامل في المخزون”.
ويتوقع تيرشويل أن تستغرق عملية تكييف الشركات مع “الواقع الجديد” بضعة أشهر إضافية، بافتراض استمرار الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط.
يعد الطريق عبر البحر الأحمر وقناة السويس حيويًا لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا، لكن المخاطر ارتفعت منذ نوفمبر عندما بدأ الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران ، مهاجمة سفن الحاويات في البحر الأحمر، تلتها هجمات انتقامية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في بداية يناير الحالي.
اضطرت حوالي 90% من سفن الحاويات التي تمر عبر البحر الأحمر، إلى تحويل مسارها من المسار التجاري الحيوي منذ منتصف ديسمبر الماضي، بحسب مزود البيانات وخدمات الشحن “كلاركسونز”.
وتأتي شركتا “أيه.بي مولر ميرسك” الدنماركية و”هاباج-لويد” الألمانية ضمن شركات الشحن العالمية التي قررت تجنب هذا المسار، حسب ما أوضحته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
قال متحدث باسم شركة “نيبون يوسن”، وهي أكبر شركة شحن يابانية والمشغلة للسفينة التي استولى عليها الحوثيون في البحر الأحمر بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس: “سفننا التي كانت تمر عبر البحر الأحمر إما تبقى في مياه أكثر أمانًا أو تنتقل للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح”.
وتقول إيميلي سترومكويست، المدير الإداري لشركة الاستشارات الأمريكية “تينيو”، إن تحويل مسار السفينة عبر رأس الرجاء الصالح قد يزيد وقت الشحن بين آسيا وأوروبا بمقدار يصل إلى أسبوعين.
وأوضحت أنه “بجانب التكاليف الإضافية ووقت الشحن حول رأس الرجاء الصالح، كلما أعيد توجيه حركة مرور الحاويات والناقلات على طول هذا الطريق، زادت المخاوف اللوجستية أيضًا. فالميناء ليست لديه القدرة الكافية للتعامل مع هذا الحجم من نشاط الشحن، وقد يؤدي خطر نقص وقود السفن إلى خلق اختناقات إضافية على طول الطريق”.
يذكر أن أسعار الشحن البحري من آسيا إلى أوروبا ترتفع بشكل حاد، إذ بلغ مؤشر شانغهاي للشحن بالحاويات 2239 نقطة في 21 يناير، وهو ضعف المستوى المسجل منتصف ديسمبر الماضي.
وتضرب اضطرابات الشحن التصنيع العالمي. فقد قالت شركتا “تسلا” و”فولفو كار” سابقًا إنهما علقتا بعض الإنتاج في أوروبا بسبب نقص المكونات بعد إعادة توجيه العديد من السفن حول الطرف الجنوبي لأفريقيا.
وأشار أحد المحللين إلى أن حوالي 70% من مكونات قطاع السيارات الأوروبي المستوردة من آسيا تأتي عبر البحر الأحمر.
كما علقت شركة “سوزوكي موتور” اليابانية الإنتاج في مصنع سيارات مجري لسبعة أيام حتى 21 يناير بسبب التأخير في تسليم المحركات وأجزاء أخرى من اليابان.
وفي إسبانيا، أعلن اتحاد شركات التصنيع والتوزيع أن العديد من القطاعات قدمت طلبات مسبقة لبعض المواد الخام والسلع، مثل الأثاث والمنسوجات، والتي تواجه صعوبات في توريدها.
وقد أدت أوقات الإبحار الطويلة للعديد من السفن إلى نقص مؤقت في السفن والحاويات.
في الوقت نفسه، ترتفع أسعار الشحن الجوي بسبب الطلب المتزايد على التحول من الشحن البحري إلى الشحن الجوي، وهو أكثر تكلفة لكنه أسرع.
وأفادت خدمات تحليلات سوق الشحن “زينيتا” يوم 19 يناير أن حجم الشحن الجوي من فيتنام إلى أوروبا، وهو طريق تجاري رئيسي للملابس، ارتفع بنسبة 62% في الأسبوع المنتهي في 14 يناير.
تعيد اضطرابات النقل البحري، إلى الأذهان الاضطرابات اللوجستية العالمية التي حدثت خلال جائحة كورونا.. لكن الخبراء أوضحوا أن هناك فرق أساسي.
فقد قال تيرشويل، من “ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتلجينس”، إن الاضطرابات التي حدثت قبل عدة أعوام كانت اضطرابات “مدفوعة بالطلب” عندما كان الطلب على السلع المختلفة من الأسر مرتفعًا بشكل استثنائي، لكن الوضع الفوضوي هذه المرة لن يستمر طويلاً خاصة أن الطلب انخفض وزاد المعروض من السفن منذ الوباء.
تشير الصورة الأكبر إلى أن اضطرابات الشحن تعد بمثابة تذكير جديد بأن سلاسل التوريد العالمية معرضة لمخاطر غير متوقعة.
في ظل عدم وجود مؤشرات على تهدئة الوضع، وافق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا من حيث المبدأ على نشر سفن في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين، كما أعلنت دول آسيوية مثل سنغافورة مشاركتها في عملية تأمين الطريق البحري.
تعليقًا على الأمر، قال تيرشويل إن “سلاسل التوريد لمسافات طويلة أصبحت الآن أكثر خطورة مما كانت عليه”، مستشهداً بعوامل مختلفة مثل الجغرافيا السياسية والصحة العامة والمناخ.
وأضاف أن الشركات قد تحتاج إلى الانخراط في اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة المدى تتجاوز تعديلات الشحن والتوريدات قصيرة المدى.