توقعت وكالة فيتتش فى تقريرها عن المشهد المتوقع للتمويل المستدام فى 2024، اتساع نطاق سوق الدخل الثابت المستدام خلال العام، فى خضم المساعى المستمرة لاستحداث وسائل دين مبتكرة، وتعديل الإطار التشريعى لها، بالإضافة إلى زيادة القطاعات التى يتم تمويلها من تلك الأدوات.
وأضافت “فيتش” فى تقرير لها حصلت «البورصة» على نسخة منه، أن وسائل التمويل المستدام قد تضيف بعدا معقدا فى السوق، حين تقديمها لجماهير لم تتعود على الاستدامة فى قطاع التمويل، ولكن توسيع السوق وإضافة أدوات مختلفة سيوفر للمستثمرين بيئة استثمارية متنوعة.
ويتطرق التقرير إلى الاتجاهات المرجح أن تسود خلال العام الجارى، متمثلة فى توسيع سوق التمويل المستدام بواسطة منتجات وتشريعات جديدة، ومحاولة توطين وتخصيص المنتجات المقدمة لتلائم احتياجات المستخدمين المختلفة، والتركيز على المحافظة على الطبيعة والتنوع البيولوجى، بالإضافة إلى وضع التمويل المستدام تحت الاختبار ليعمل فى بيئة من التذبذب السياسى والاقتصادى.
وأكد التقرير على أهمية توسيع قنوات التمويل المستدام، لتخصيص المزيد من التمويلات فى الأسواق النامية، ليشهد العام الماضى بداية الاتجاه نحو تحقيق تلك الأهداف بالفعل، لحاجة الأسواق النامية لأدوات جديدة تنقذها من اعتمادها الشديد على الوقود الأحفورى، خاصة وأن هذه الأسواق تتميز بسيطرة القطاعات التى يصعب فيها الحد من الانبعاثات الكربونية مثل الصناعات الثقيلة، والأسمنت، والبتروكيماويات.
وتابعت أن إصدار السندات المستدامة فى تلك القطاعات حتى الآن كان ضعيفأ، ولكن مع اهتمام المستثمرين المتزايد فى التحول إلى انبعاثات كربونية أقل، قد نشهد إصدارات أكثر خلال العام الحالى من هذه الصناعات، وخاصة القطاعات الزراعية الغذائية المرتبطة بمشاريع لإحياء الزراعة وتوفير الأمن الغذائى، إذ تعد من أكثر القطاعات التى يتوقع منها تسريع عملية الحد من الانبعاثات الكرونية، والتى تعد بطئية.
وقال التقرير إنه فى ظل الانتخابات الرئاسية التى سيشهدها عام 2024 فى العديد من الدول حول العالم، سيتعين على التمويل المستدام أن يعمل وسط بيئة متذبذبة على الصعيد السياسى والاقتصادى، مرجحة تباطوء تلك التحديات مستهدفات التنمية المستدامة، ولكن لن تقضى عليها.
وأوضح أن اقتصاديات كبرى فى دول الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، والهند، وإندونيسيا، كلها ستمر بانتخابات رئاسية أو مجلس شعب، ولذلك فقد نشهد تغيرات جذرية فى السياسات المتبعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خالقة حالة من عدم اليقين فى الأسواق العالمية، ورافعة من معدلات المخاطر.
وذكر التقرير أن التحديات الاقتصادية المتعلقة بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة قد تعيق التقدم فى مواجهة التغيرات المناخية، ولكن لن يكون التأثير متشابها على كل الدول، مشيرا إلى أنه بالرغم من تراجع معدلات التضخم مؤخرا، إلا أن التوقعات تشير إلى أن تستمر معدلات التضخم المرتفعة خلال النصف الأول من 2024.
وأكد على التأثير الكبير لإرتفاع أسعار الفائدة على تثبيط عزيمة مصدرى أدوات الدين، إذ لاقى عام 2023 تراجعا كبيرا فى إصدار السندات، نظرا للأقبال الضعيف من قبل الشركات والمؤسسات المالية، بينما تغلبت عليها السندات الحكومية، وهو من المتوقع أن يستمر خلال العام الحالى، وخاصة فى الأسواق النامية.
وستواجه الشركات الكثير من التحديات خلال 2024 فيما يتعلق بالوصول إلى أسواق جديدة، والحصول على الموارد الأساسية للعمليات، وبالأخص المعادن، كما ستزداد التكلفة التشغيلية، وخاصة للشركات التى تعمل فى دول مختلفة، وتدير عملياتها من خلال سلاسل إمدادات معقدة.
وعلى صعيد التنمية الاجتماعية، توقعت الوكالة أن تتزايد الإصدارات من القطاعات الطبية، والرعاية الصحية، خلال 2024، كما يركز المستثمرون حاليا على مشاريع المحافظة على البيئة والتنوع البيولوجى، من خلال مجموعة من أدوات الدين، مثل شهادات الكربون المرتبطة بحلول مبنية على المحافظة على الطبيعة.
وقالت الوكالة إن الاتجاه الجديد فى خلق أدوات تمويل مستدام مصممة بشكل خاص لملائمة احتياجات كل منطقة، وأيضا لرسم بيئات تشريعية تحدد المعاملات فيها، فكل منطقة تصب تركيزها على اهتمامات محددة، فى دول الاتحاد الأوروبى مثلا تغلب التشريعات المرتبطة بالتكنولوجيا الخضراء والإصلاحات البيئية، بينما تتجه أمريكا الجنوبية نحو التحول الأخضر، وتتبنى دول المحيط الهادى الآسيوية التحول الأخضر فى مجال التمويل، بسبب اعتماد اقتصادها على القطاعات المستهلكة للكربون بكميات كبيرة.
وأوضح التقرير أن الحاجة لتوطين أدوات التمويل المستدام لا يتنافى مع الحاجة إلى وضع معايير محددة للإفصاحات المرتبطة بتلك الأدوات، ولذلك على الأغلب ستحاول الدول المتقدمة والنامية على حد سواء الالتزام بالبنود الجديدة فى معايير “IFRS المحاسبية”، والتى تم وضعها فى يونيو من 2023، ولاقت استحسانا كبيرا من المستثمرين، لأنها توفر لهم درجة عالية من الشفافية وإيضاح بالمخاطر الناجمة عن أدوات التمويل المستدام.
وبالرغم من أن هذه المعايير ليست إجبارية، إلا أنها تحاول توفير إطار محدد لتتبعه كل المنظمات حول العالم، فحسب البيانات التى كشفت عنها “فيتش للتنمية المستدامة” أنه نحو 70% من القواعد المنظمة لمعاملات التمويل المستدام تعتبر إلزامية، أما الباقى فتكون مزيج بين الطوعية والتوضيحية.
وتوقعت “فيتش” إيلاء المزيد من الاهتمام خلال العام الحالى لتوفير الحلول المجتمعية، وخاصة فى المواضيع المؤثرة على البيئة، والمرتبطة بالأمن الغذائى، والصحة العامة، إذ تعالج العديد من مخاوف المستثمرين، مدفوعة بالتقلبات الجيوسياسية، والآثار المتراكمة للتغيرات المناخية على الحالة الاجتماعية الاقتصادية للدول.
وتابعت أن التركيز على المشكلات الاجتماعية شهد تراجعًا فى 2023، بعد أن شهدت ازدهارًا فى فترة فيروس “كورونا” خلال عامى 2020، و2021 بالتحديد، مشيرة إلى أن أكبر العوائق التى تواجه هذا النوع من الاستثمارات تتمثل فى عدم وجود مقاييس واضحة لها يمكن تطبيقها على مستوى العالم، فهى تعتمد أكثر على القيم، على عكس المشكلات المتعلقة بالبيئة، والتى تكون مدعومة بحقائق علمية لتعزيزها.
وسيكون تحقيق الأمن الغذائى على قائمة الأولويات المستهدفة خلال العام الجارى، بعدما شهد عام 2023 تسجيلاً لارتفاعات قياسية فى درجات الحرارة، والتى أثرت على إنتاج الغذاء، لما ألحقته التغيرات المناخية من أضرار على جودة التربة الزراعية، ووسائل رى المحاصيل، وغيرها.
وتعد فيتش للتنمية المستدامة إحدى الشركات التابعة لمجموعة فيتش سوليوشنز العالمية، وهى مختصة بجمع البيانات والمعلومات، وإعداد تقارير بحثية عن محاور التنمية المستدامة الأساسية، المتثملة فى التنمية البيئية، والمجتمعية، والحوكمة، لتغطية الأسواق العالمية.