الناخبون سمعوا من قبل وعود المرشحين الرئاسيين بتحقيق نمو بنسبة 7%
في السياسة، يشكل التكرار عاملاً حاسما في أي حملة، لكن بالنسبة للناخبين الإندونيسيين، الذين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن أحد التعهدات يبدو مألوفاً إلى حد ما، إذ يتعهد المرشحون الذين يأملون في قيادة ثالث أكبر ديمقراطية في العالم، طوال المدة الأكبر من العقدين الماضيين، برفع معدل النمو في البلاد إلى 7%.
جرى انتخاب جوكو ويدودو، الرئيس المنتهية ولايته بناءً على هذا الوعد في 2014، وكذلك كان سلفه، سوسيلو بامبانج يودويونو، الذي تولى منصبه في 2004.
وهذه المرة، قدم اثنان من المتنافسين الثلاثة تعهدات مماثلة، إذ يهدف جانجار برانوو، الحاكم السابق لجاوا الوسطى، إلى تحقيق نمو بنسبة 7%، كما أشار برابوو سوبيانتو، وزير الدفاع الإندونيسي والمرشح الأوفر حظاً، إلى أن النمو بمعدل يتجاوز 10% أمر ممكن.
وحتى الآن، لم تتحقق الوعود المقطوعة على مدى عقدين، فالاقتصاد الإندونيسي لم ينمو سوى بنحو 5% العام الماضي، وهو ما يقترب من متوسط المعدل على مدى العقدين الماضيين، وكان آخر نمو للبلاد بنسبة 7% في 1996، أي العام الذي سبق الأزمة المالية الآسيوية.
وكانت الوعود بتحقيق نمو أعلى أكثر شيوعاً بكثير من السياسات التي قد تشجع مثل هذا التحول، وذلك منذ تحول إندونيسيا نحو الديمقراطية في 1998.
لاشك أن الرئيس المنتهية ولايته لديه إنجازاته الخاصة، فقبل عقد كانت البلاد واحدة من الدول “الخمسة الهشة”، وهي مجموعة من اقتصادات الأسواق الناشئة المعرضة لارتفاع أسعار الفائدة الخارجية وارتفاع أسعار الدولار، واليوم أصبح حساب الدولة الجاري متوازناً تقريباً وانخفضت ديونها الخارجية بشكل كبير.
وبعد تجاوز العقبات التشريعية والقانونية، أصبح مشروع قانون جوكوي الشامل، الذي يخفض القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي ويسهل عملية الترخيص، قانونا سارياً في العام الماضي، كما تحسنت البنية التحتية في إندونيسيا خلال العقد الماضي، من خلال تشييد آلاف الكيلومترات من الطرق.
ومع ذلك فإن الإنجاز الذي تفتخر به الحكومة هو سياستها الصناعية المرتكزة على النيكل، إذ يُستخدم المعدن في بطاريات السيارات الكهربائية، كما تمتلك إندونيسيا أكبر احتياطي من النيكل في العالم.
يذكر أن معظم النيكل الخام حُظر تصديره منذ 2014، بهدف إجبار الشركات على معالجته والتصنيع في إندونيسيا.
تعد شركات “فورد” و”هيونداي” و”بي واي دي” من بين شركات صناعة السيارات التي تستثمر الآن في البلاد، وارتفعت صادرات النيكل الحديدي “الفيرونيكل”، وهو شكل معالج من المعدن، من 83 مليون دولار في 2014 إلى 5.8 مليار دولار في 2022.
ورغم أن الانفتاح على الاستثمار من كل من الصين والغرب والمخزون الهائل من المعدن الحيوي للبطاريات أثبت أنه مزيج قوي للاقتصاد، فإن هذا النهج لا يخلو من مخاطر، وأحدها هو الخطر التكنولوجي.
يشير كولين هندريكس، من المؤسسة البحثية معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أن بطاريات فوسفات الحديد-الليثيوم، التي لا تحتوي على النيكل، أصبحت أكثر شعبية.
ويمكن لبطاريات أيونات الصوديوم، التي لا تحتاج إلى النيكل ولا الليثيوم، أن تتفوق على كلا النوعين.
الشهر الماضي، قامت شركة “جاك موتورز”، وهي شركة تصنيع سيارات صينية تدعمها شركة “فولكس واجن” الألمانية، بتسليم أول مركبات تجارية تعمل ببطاريات أيون الصوديوم للعملاء، وثمة أيضاً دلائل تشير إلى أن صناع السياسات في إندونيسيا يتعلمون الدروس الخاطئة من نجاحهم في مجال النيكل.
ورغم الفرص الواضحة في الدولة المشمسة، فإن الاستثمار في الطاقة الشمسية يُقمع بموجب القواعد التي تنص على أن الألواح يجب أن تحتوي على كثير من المواد المنتجة محليًا.
علاوة على ذلك، تظل الشركات الإندونيسية مقيدة باللوائح المحلية، بالرغم من الإصلاحات التي أدخلها القانون الشامل، كما أن القواعد تتطلب فحص الواردات عند نقاط دخول معينة تعادل تعريفة بنسبة 22%، أي أكثر من ضعف المتوسط في جنوب شرق آسيا، وفقا لبحث أجراه البنك الدولي.
والواقع أن الحواجز غير الجمركية تفرض تكاليف تعادل 60% إلى 130% من تكلفة أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات ومعدات النقل.
ولم تشتمل الحملات الانتخابية إلا على القليل من المقترحات الملموسة فيما يتصل بالسياسة الاقتصادية، لكن لم يعرب أي من المرشحين عن أي حماسة لتخفيف القيود التجارية العديدة التي تفرضها البلاد.
السياسة الصناعية التي تنتهجها إندونيسيا تعمل على مضايقة المسئولين عندما يسعون إلى جذب المستثمرين الذين لا يحتاجون إلى موارد البلاد.
وتعد ماليزيا وتايلاند وفيتنام، وهي الدول التي تفرض قيودًا أقل على المستثمرين الخارجيين، وجهات أكثر جذباً للشركات التي تبحث عن بدائل للتصنيع الصيني.
ونتيجة لذلك، فإن صادرات إندونيسيا من الإلكترونيات لا تعد أقل من الاقتصادات الكبرى الأخرى في جنوب شرق آسيا فحسب؛ بل حققت نمواً أبطأ كذلك، كما أن حصة الصادرات الإندونيسية المتجهة إلى أمريكا أقل من أي من منافسيها المحليين.
ورغم انخفاض معدل الأعمار نسبياً في إندونيسيا، إلا أنه بحلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2029، سيكون الوضع مختلفاً بشكل كبير، وستبدأ نسبة الإعالة في البلاد- عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما والبالغين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا لكل 100 شخص بالغ في سن العمل- في الارتفاع بشكل مضطرد اعتبارا من ذلك العام، ومن دون محاولات أكثر فعالية لتعزيز الاقتصاد، فإن الحديث عن نمو بنسبة 7% سيظل مجرد وهم.