جددت صفقة رأس الحكمة الأمل فى تصحيح المسار الاقتصادى للدولة بعد عامين من أزمة السيولة الدولارية التى عصفت بالبلاد، والتى فقدت مصر على إثرها تدفقات من الاستثمارات الأجنبية وشهدت تصاعد وتيرة السوق الموازي للعملة حتى سجل سعر صرف الجنيه أمام الدولار مستويات قياسية.
ومع تنفيذ صفقة رأس الحكمة التى جذبت قرابة الـ24 مليار دولار تدفقات دولارية وعززت حصيلة من النقد الأجنبى لإعادة تصحيح المسار الاقتصادى، هل من الممكن أن نشهد عودة تدفقات استثمارات الأجانب مرة أخرى بعد فترة ليست هينة من التخارجات المتتالية والمستمرة.
وقّعت مصر عقد تطوير مشروع «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، واستثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، تتضمن ضخّ نحو 35 مليار دولار استثماراً أجنبياً مباشراً للخزانة المصرية خلال شهرين، وسط تطلع مصرى لأثر سياسى واقتصادى مستدام من الصفقة، فهل تكفى تلك التدفقات لاستعادة ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصري؟.
قال أحمد عبدالجواد الشريك المؤسس للمحاماة “راجى سليمان وشركاؤه”، إن قيام الحكومة بجذب هذا الرقم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر صفقة رأس الحكمة خطوة هامة لتوفير عملة صعبة تحتاجها الحكومة المصرية للخروج من الأزمنة الراهنة.
وأضاف عبدالجواد لـ«البورصة»، أن توفير الحصيلة الدولارية من شأنه أن يساعد فى استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مما يؤدى بدوره لاستقرار كافة أنشطة سوق المال من صفقات وطروحات ودمج واستحواذ.
هل تطوى “رأس الحكمة” صفحة الأزمة الاقتصادية فى مصر؟
وأوضح، أن المردود الاقتصادى للصفقة سيكون إيجابيا للغاية ولكن سيظهر أثره بعد تدفق السيولة الدولارية خلال الفترة المقبلة، موضحًا أنه سيمنح الحكومة المرونة اللازمة فى عملية تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وتابع أن التدفقات الدولارية ستكون بمثابة علاج مؤقت ومعقول فى الوقت الراهن، ويجب التركيز على حل المشاكل الجذرية التاريخية والعمل على توطين الصناعة والزراعة وتنويع المصادر المختلفة للاقتصاد.
وسجلت قيمة صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر 66.7 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بحسب ما أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وأوضح الجهاز فى بياناته أن قيمة صافى الاستثمار الأجنبى المباشر سجلت 5.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى 2022 ـ 2023 مقابل 3.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالى السابق.
“النامق”: تأثر صفقة رأس الحكمة سيظهر أثره بشكل مستمر مع استدامة التطوير
قال عمرو النامق الشريك التجارى بمكتب التميمى ومشاركوه للاستشارات القانونية لقطاع الاندماجات والاستحواذات والشئون التجارية، إن المردود الاقتصادى لصفقة رأس الحكمة سيظهر أثره بصورة مستمرة فمع استمرار عملية التطوير ستشهد عملية تدفق العوائد إلى جانب خلق فرص عمل بصورة مستمرة وتنشيط عجلة الاقتصاد.
وأضاف النامق لـ«البورصة»، أن التنمية ستمتد للقطاع السياحى وجذب العوائد الدولارية للبلاد على المدى المتوسط والطويل، موضحًا أن الانتعاشة الحقيقية سيظهر أثرها على المدى الطويل.
وتابع أنه مع اكتمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولى والاتفاق مع شركاء التنمية سيعطى ثقة إضافية فى الاقتصادى المصرية، ورسالة طمأنينة لجذب استثمارات إضافية.
أضاف أنه مع وصول تلك الحصيلة الدولارية ستبدأ الأمور فى اتخاذ مناحى الاستقرار على مستوى سعر صرف الجنيه أمام الدولار مما يخلق بدوره استقرارًا على مستوى أنشطة رأس المال.
وتركت الأزمة أثرها على قدرة البلاد على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، بسبب وجود سعر غير رسمى للدولار.
“ازدهار”: لابد من التركيز على إعادة تصحيح مسار الاقتصاد المصري
وقال عماد برسوم الرئيس التنفيذى لشركة ازدهار للاستثمار المباشر، إن صفقة رأس الحكمة تحمل بين طياتها رسالة إيجابية لبث الطمأنينة فى نفوس المستثمرين فمع توفير الحصيلة الدولارية وإتاحة الدولار بالتدريج فى البنوك المصرية سيكون هناك انفراجة فى تدبير الدولار.
وأضاف برسوم لـ«البورصة»، أن الخطوات المقبلة ستؤكد على إيجابية الصفقة، ولكن لابد من التركيز على تصحيح مسار الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص بصورة مناسبة لاحتياجاته وإفساح المجال أمامه لخلق تنمية حقيقة.
وتابع برسوم، أن أهم خطوة للعلاج فى الفترة المقبلة هى إعادة تصحيح مسار الاقتصاد المصرى، حتى يكون مردود العوائد الدولارية ذات فائدة حقيقية ومن شأنه أن يقضى على السوق الموازي.
رئيس الوزراء يكشف تأثير صفقة رأس الحكمة على الدولار والأسعار
ويرى أن التحدى الأكبر أمام شركات الاستثمار المباشر فى الفترة الماضية كانت تسعير الصفقات والفجوة ما بين سعر صرف الدولار والجنيه فى السوقين الرسمى والموازي، ومع الفرصة الحالية لتصحيح الوضع من الممكن أن نشهد انتعاشة ليست فورية ولكن على المدى القريبة فور توفير السيولة الدولارية.
ويرى جولدمان ساكس، أن الصفقة ستُعتبر عنصرًا داعمًا للجنيه المصري ستتيح فرصة لمصر، لاستعادة السيولة فى سوق العملات الأجنبية، خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
وذكر البنك الأمريكى فى مذكرة بحثية له، أن حجم الاستثمار أكبر بكثير من التوقعات والتوقيت أسرع، وسيوفر مع برنامج موسع لمصر مع صندوق النقد الدولى، فجوة التمويل للسنوات الأربع المقبلة.
توفيق: الحصيلة ينتظرها جدول مديونيات مزدحم وإفراجات وطلبات تحويل بالمليارات
وقال هانى توفيق الخبير الاقتصادى، والعضو المنتدب لشركة فانتج للاستشارات المالية، إن حساب الأثر الاقتصادى لصفقة رأس الحكمة ستطلب الكثير من التفاصيل حول الافتراضيات الخاصة بتدفقات المشروع، خاصة وأن هناك جدول سداد مديونيات مزدحم ينتظرنا خلال العام الجارى، ولكن هذا لا ينفى أنها خطوة إيجابية فى طريق الإصلاحات.
وأضاف أن الحصيلة الدولارية سيقابلها المديونيات، والإفراجات الجمركية بعدة مليارات، وطلبات فتح الاعتمادات المستندية لتشغيل المصانع، وتحويل أرباح المستثمرين المحتجزة على مدار شهور.
ووقعت مصر والإمارات صفقة استثمار عقارى يوم الجمعة، تستحوذ بموجبها شركة القابضة – ADQ، على حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة، مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة، بجانب تحويل 11 مليار دولار من الودائع التى سيتم استخدامها للاستثمار فى مشاريع رئيسية فى جميع أنحاء مصر، لدعم نموها الاقتصادى وازدهارها.
ويعتقد بنك الاستثمار الأمريكى مورجان ستانلى أن الصفقة تمهد الطريق أمام التعديل الذى طال انتظاره فى سوق العملات الأجنبية، والذى يعتقد البنك أنه الخطوة الرئيسية الأخيرة لإطلاق قرض أكبر من صندوق النقد الدولى، من المتوقع أن يتجاوز 10 مليارات دولار أمريكى (مع تمويل إضافى متعدد الأطراف).