أسباب هيكلية وراء ضعف الإنتاجية وتمنع تخصيص الموارد بكفاءة
أظهرت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، أن هناك تأثيرات إيجابية واضحة على حجم النشاط الاقتصادى فى مصر عند تطبيق الإصلاحات الهيكلية.
وتوقعت أن يرتفع متوسط النصيب الفرد من الناتج المحلى الحقيقى عند خفض بصمة الدولة فى الاقتصاد بنحو 10.7% خلال 5 سنوات ونحو 13.5% خلال 10 سنوات و14.8% على المدى الطويل.
وذكرت أن خفض الحواجز أمام الشركات الجديدة يرفع نصيب الفرد من الناتج 4% خلال 5 سنوات و4.9% فى 10 سنوات و5.3% على المدى الطويل.
أضاف أن خفض الحواجز التجارية وعلى الاستثمار يرفع نصيب الفرد 4.7% خلال 5 سنوات و8.7% خلال 10 سنوات و22.7% فى المدى الطويل.
كما أن تحسين الوصول للتمويل يرفع نصيب الفرد 5.4% فى 5 سنوات و6.4% فى 10 سنوات و7.5% فى المدى الطويل.
وقالت إن بطء نمو الإنتاجية فى مصر يعود إلى أسباب هيكلية عميقة تعيق المنافسة فى السوق وتمنع تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، وإنه لضمان النمو الاقتصادى المستدام، يلزم إصلاح السياسات التى يمكن أن تعزز المنافسة فى السوق وتعزيز زيادة الإنتاجية لرفع مصر إلى مسار نمو اقتصادى أعلى.
أوضحت أن الإنتاجية هى المصدر الرئيسى للنمو على المدى الطويل، كونها توفر الأساس لتحسين مستويات المعيشة المادية وتحسين الرفاهية.
كيف ترى “OECD” آفاق النمو الاقصادى لمصر؟
وذكرت أن الإنتاجية هى القوة الدافعة الرئيسية للتقارب الاقتصادى نحو اقتصادات ذات أداء أفضل.
ولفتت إلى أنه فى مصر، لا تزال إنتاجية العمل أقل بكثير من المتوسط لدول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، مع انخفاض الاستثمار الإجمالى، وانخفاض حصة الاستثمار الخاص للإجمالى.
وقالت إن انخفاض الاستثمار فى الابتكار والبحث والتطوير أيضًا يساهم فى انخفاض نمو الإنتاجية إذ تنفق مصر أقل من 1% من إجمالى الناتج المحلى على البحث والتطوير.
ونوهت إلى أن الإنتاجية تراجعت فى معظم القطاعات بين عامى 2013 و2018، على خلفية تدهور مناخ الاستثمار ووجود حواجز تنظيمية.
وأشارت إلى أن الضغط التنافسى يحفز الشركات على التحسين المستمر لجذب العملاء من خلال ابتكار المنتجات وتحسين الجودة والكفاءة الأعلى، إذ أن انتشار التكنولوجيات الرائدة، وبالتالى نمو الإنتاج.
أوضحت أن ديناميكية الأعمال تكون عبر دخول الشركات المنتجة إلى السوق وتحقيق نموها، فى حين تخرج الشركات غير المنتجة ويمكن لأصحابها أن يبدأوا بداية جديدة، ما يؤدى إلى استمرار الضغط التنافسى.
وقالت إنه فى مصر معدلات بدء الأعمال والخروج أقل من المعدلات الإقليمية والعالمية، وإن عدد الشركات ذات المسؤولية المحدودة التى تم تأسيسها فيما يتعلق بالسكان البالغين من أقل المعدلات بين نظيراتها.
وذكرت أن الحكومة تعمل على تسهيل الإجراءات المتعلقة لتأسيس الشركات، عبر إطلاق نوع قانونى جديد من الشركات، وهى شركة الشخص الواحد، فى عام 2018، وتدعم الحكومة المبادرات التى تقدم التمويل للشركات الناشئة، بما فى ذلك من خلال شركة “إيجيبت فينشرز” وهى شركة رأس المال الاستثمارى المدعومة من الحكومة.
ما خطة الحكومة المصرية للحفاظ على استدامة المالية العامة؟
ونوهت أن أن عدد الشركات المسجلة حديثًا آخذ فى الارتفاع، من حوالى 22 ألف شركة فى 2018/2019 قبل الجائحة، إلى 31.165 ألف شركة فى 2021/22 و32.447 ألفًا فى 2022/23.
وأشارت إلى أن معدل التخارج المنخفضة فى مصر تعكس العقبات التى تحول دون التخارج المنظم للشركات المتدهورة، مثل أنظمة الإعسار غير الفعالة.
وقالت إن الافتقار إلى المنافسة وسهولة الدخول والخروج يقلل من الضغوط التى تواجهها الشركات والتى تدفعها للابتكار أو تبنى عمليات إدارية أفضل.
وكشفت أنها تجرى حاليًا مراجعة لديناميكيات الأعمال للوقوف على الوضع فى مصر.
ولفتت إلى أن المؤشرات العالمية تشير إلى عدم الكفاءة فى أسواق المنتجات بسبب البيئة التنظيمية فى مصر، كما أن الإجراءات التنظيمية المعقدة، مثل الرقابة اللصيقة من الدولة، ومشاركتها فى أسواق المنتجات مقارنة بمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، تعيق العمليات التجارية.
وقالت إن الإصلاحات الأخيرة والتى شملت 22 إجراء لدعم مناخ الأعمال مُرحب بها لكن مصر بحاجة لتطبيق إصلاحات أكبر لتمكين شركات القطاع الخاص فى مصر من لعب دور أكبر فى دفع النمو الشامل، ويتطلب ذلك الاستمرار فى إصلاح اللوائح التنظيمية والإطار المؤسسى الذى تعمل ضمنه الشركات المصرية.
ونوهت أن هناك أكثر من 700 شركة مملوكة للدولة فى مصر بأصول مجمعة تبلغ حوالى 50% من الناتج المحلى الإجمالى، وبعضها عبارة عن شركات مشتركة بين الدولة وشركاء من القطاع الخاص، وغالبًا ما تكون لها هياكل ملكية معقدة تشمل الوزارات أو الشركات.
إطلاق العنان لقوى السوق
قالت المنظمة إنه لجنى الفوائد الكاملة لبرنامج إصلاح السياسات، ينبغى تحسين الإطار التنظيمى فى مصر بشكل أكبر من خلال نظام أقوى لإنفاذ قانون المنافسة، وتعزيز الجودة المؤسسية، وخفض الفساد.
أضافت أن الانفتاح على التجارة، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبى المباشر، وتكامل سلاسل التوريد العالمية من شأنه أيضًا أن يزيد من فرص النمو والتنمية للشركات المصرية.
وذكرت أنه رغم أن التراخيص والتصاريح أدوات تنظيمية مفيدة لضمان مستويات كافية من جودة الخدمة، أو مواجهة إخفاقات السوق أو تخصيص الموارد الشحيحة، فإن إجراءات الترخيص المعقدة والمفرطة ترفع الحواجز أمام دخول شركات جديدة، ما يؤدى إلى خفض احتمالات دخول منافسين جدد.
وقال إنه يمكن أن تؤدى التصاريح أيضًا إلى زيادة التكاليف ومضاعفة الأضرار التى تتحملها الشركات بسبب العبء الذى ينطوى عليه الامتثال للقوانين، والذى قد يؤدى إلى تشجيع القطاع غير الرسمى.
الحد من التعقيد التنظيمى لدعم توسيع الأعمال
وقال التقرير إنه يمكن لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسط إصدار ترخيص مؤقت لمدة خمس سنوات للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة.
لكن التجربة أظهرت أن التنظيم على أساس الحجم يميل إلى أن يكون غير فعال، لأنه قد يثنى الشركات الصغيرة عن النمو، أو يؤدى إلى نتائج عكسية.
أضاف:” وفى نهاية المطاف، فإن تخفيف العبء الإدارى على جميع الشركات سيعود بالنفع على الشركات الصغيرة أيضا”.
وأشار إلى أن المشهد التنظيمى فى مصر معقد إلى حد ما، وأن القطاع الصناعى يخضع لسبعة قوانين مختلفة، و15 تعديلاً تشريعياً، بالإضافة إلى مراسيم رئاسية.
أضاف أن ثلاث وزارات تشارك بشكل مباشر فى منح التراخيص الصناعية وهى البيئة والداخلية والصحة، ولكن اعتمادًا على النشاط الاقتصادى، قد يشارك عدد من الوزارات المختلفة فى تقديم التراخيص والتصاريح للقطاع الصناعى، وقد تكون التصاريح الأخرى، مثل تصاريح البناء، تمنح على مستوى المحافظة وفق خطة التنمية المحلية.
ونوه أن الصناعات الثقيلة مثل الصلب والأسمنت فيتطلب إنشائها أو توسعتها قراراً من رئيس مجلس الوزراء بعد تحديد احتياجات مستثمرى القطاع ثم يتعين عليهم التقدم للحصول على التراخيص التى توفرها هيئة التنمية الصناعية بالتكلفة النهائية.
ورغم أن مصر اتخذت خطوات لتبسيط نظام التراخيص الصناعية، لكن يهدف قانون التصاريح الصناعية لعام 2017 إلى جعل هيئة التنمية الصناعية التابعة لوزارة التجارة والصناعة بمثابة مركز متكامل للحصول على تراخيص التشغيل الصناعي، باعتبارها الكيان الوحيد الذى يتعامل مع الشركات.
ومع ذلك، لا يزال المصنعون بحاجة إلى الحصول على موافقات مسبقة من السلطات المحلية، على سبيل المثال فيما يتعلق بالصحة والسلامة، أو التأثير البيئى الذى يشمل هيئة الحماية المدنية ووكالة شؤون البيئة، من بين جهات أخرى.
وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة للتجديد السنوى لتراخيص التشغيل، والذى يمكن أن يؤدى إلى تأخيرات تصل إلى ستة أشهر، ما يعيق توسع الأعمال، وقد يدفع الشركات إلى تصفية استثماراتها أو العمل فى القطاع غير الرسمي.
وأشارت إلى أن التأخيرات الطويلة وتعدد الجهات المعنية يوفر فرصًا للفساد.
وقالت إن مصر عليها أن تخطو خطوة إلى الأمام وتستفيد إلى أقصى حد من تكنولوجيا المعلومات لتوفير خدمات متكاملة ومتكاملة للتراخيص والتصاريح والمتطلبات الإجرائية الأخرى لجعل تقديم الخدمات أكثر بساطة وتركيزًا على المستخدم.
علاوة على ذلك لتقليل التأخير، ينبغى على مصر تطبيق مبدأ “الصمت هو الموافقة” عند إصدار تراخيص للأعمال التجارية غير الصناعية، بشرط أن تتم صياغة التراخيص بعناية لتقليل مخاطر أن يؤدى ذلك إلى زيادة النشاط غير الرسمى.
يمكن أن يُطلب من الشركات، على سبيل المثال، تسجيل أعمالها الجديدة على موقع ويب للحصول على رقم الهوية المطلوب لمتابعة الإجراءات الشكلية الأخرى، على سبيل المثال لفتح حساب مصرفى تجاري، وتسهيل عمليات التحقق من المعلومات.
أوضحت أن هذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من العبء والتكاليف على كل من الشركات والإدارة، ولن تتم التدخلات إلا فى حالة وجود حاجة حقيقية، مثل المنتجات أو الأنشطة التى تشكل خطراً على الصحة أو البيئة.
تحسين اليقين القانونى والثقة
وقال التقرير إن الإطار التنظيمى والقدرة المؤسسية للإشراف على بيئة الأعمال التنافسية وإجراء الإصلاح بشكل فعال أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز المنافسة فى السوق.
أضافت أنه يمكن للنظام القانونى الفعال أن يوفر للشركات قدرًا أكبر من اليقين عند ممارسة الأعمال التجارية، ويحد من التكاليف عند نشوء نزاعات.
وذكرت أنه يمكن أن يساعد أيضًا فى الحد من مخاطر الفساد.
وأشارت إلى أن الفترات الطويلة لحل القضايا والافتقار إلى الكفاءة القضائية عوائق رئيسة أمام الاستثمار فى مصر.
وقالت إنه بشكل عام، احتلت مصر المرتبة 93 من بين 141 دولة فى أحدث تقييم للمنتدى الاقتصادى العالمي، المنتدى الاقتصادى العالمي.
وقالت إنه تتم تسوية حوالى 9 ملايين قضية سنويًا فى مصر، ولكن مع إجمالى عدد القضايا الذى يقدر بنحو 12 مليون قضية سنويًا، فإن هذا يترك تراكمًا كبيرًا.
أضافت أنه استغرق إنفاذ العقود فى المتوسط 1000 يوم فى مصر فى عام 2019، منها 700 يوم فى مرافعات وإجراءات قضائية.
وقالت إنه رغم تدشين المحاكم الاقتصادية وتم توسيع اختصاصاتهم فى عام 2019 لتشمل أيضًا حماية المستهلك، والإفلاس، والجرائم الإلكترونية المتعلقة بالتمويل الأصغر، بالإضافة إلى قانون الطيران والقانون البحري، وفى عام 2022 لتشمل القانون التجاري.
ما البدائل أمام مصر لزيادة حصيلتها الضريبية؟
لكن مع ذلك، تستمر الإجراءات الورقية فى خلق العديد من أوجه القصور، كما أن المحاكم خارج القاهرة تفتقر إلى معدات تكنولوجيا المعلومات ووسائل تنفيذ الأتمتة التى من شأنها أن تساعد فى تسريع معالجة القضايا.
وبينما تلقى قضاة المحاكم الاقتصادية تدريبًا متخصصًا، هناك حاجة إلى مزيد من التدريب لتتناسب مع الاختصاص القضائى الموسع منذ عام 2019.
وأشار إلى أن زيادة الكفاءة القضائية لدعم بيئة الأعمال فى مصر ستطلب مزيدًا من الاستثمار الموجه فى المحاكم الاقتصادية خارج القاهرة، بما فى ذلك من خلال تمويل المانحين، وفى المعدات والتدريب والمزيد من الموظفين الإداريين.
وقالت إنه يمكن أن تساعد الحلول البديلة للنزاعات فى حل هذه المشكلات.
وأنشأ قانون الاستثمار المعدل لعام 2017 آليات بديلة خارج المحكمة للمستثمرين الأجانب والوطنيين لحل المنازعات التجارية، بما فى ذلك الوساطة، بدعم من مراكز تسوية منازعات الاستثمار وتسوية منازعات عقود الاستثمار فى الهيئة العامة للاستثمار، والتى تضم أيضًا لجنة التظلمات.
وأنشأت مصر لجنة وزارية لتسوية منازعات الاستثمار ولجنة وزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار.
ويمنح قانون الإفلاس لعام 2018 المحاكم الاقتصادية صلاحية الإشراف على كل من قضايا الإفلاس والآليات البديلة لتسوية المنازعات مثل إعادة الهيكلة، ومطالبة الشركات، أو تشجيعها بقوة، على حضور جلسة وساطة أولية.
تعزيز النزاهة
وقالت المنظمة أنه ينبغى للإصلاحات أن تعطى الأولوية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى تعزيز النزاهة.
أضاف أن تعزيز النزاهة ليس مسؤولية القطاع العام فحسب، بل مسؤولية المواطنين ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص أيضًا، حيث يمكنهم الإضرار بالنزاهة أو تعزيزها من خلال مصالحهم.
وقالت إن التشريع لحماية المبلغين عن المخالفات أمرًا بالغ الأهمية أيضًا، حيث يعد تعزيز ثقافة المساءلة والنزاهة والشفافية فى كل من القطاعين العام والخاص أمرًا بالغ الأهمية.