حالة النشوة التى تعيشها الحكومة هذه الأيام بعد صفقة الإنفراجة «رأس الحكمة» وتوابعها من صفقات استثمار خليجية متزامنة؛ لا يجب أن تنسى الحكومة أنه ما زال أمامها مشوار طويل ومهم يتمثل فى البدء فى تحقيق الإصلاحات الهيكلية التى يقوم عليها الاقتصاد الحقيقى، والتى أشارت إليها الحكومة فى وثيقة ملكية أصول الدولة وفى اتفاقها مع صندوق النقد.
وفى خضم هذه النشوة؛ فإن ما تحقق من صفقات انفراجية.. تحقق بدافع المساندة من الأشقاء حتى ولو كان فى صيغة استثمارات وشراكات.. وإلا لكانت الأزمة انتهت منذ عامين لو كنا نجحنا فى عمل إصلاح حقيقى وجاذب للمستثمرين العرب والأجانب بعيدًا عن دافع الدعم والمساندة.. ولقد استشعر ذلك مجلس إدارة الغرفة التجارية بالإسكندرية بذكاء رئيسها رجل الأعمال أحمد الوكيل فى بيان أصدره مجلس الغرفة أول أمس فيما معناه “يا حكومة لا تفرحى كثيرًا فالعمل الحقيقى المطلوب للخروج من الأزمة لم يتحقق”.
ورصد بيان غرفة الإسكندرية عددًا من المطالب والتوصيات أهمها تبنى سياسة تعويم مرنة حقيقية لسعر الصرف وفقًا لقوى العرض والطلب وإيقاف العمل بجميع الإجراءات والقيود التى اتخذها البنك المركزى منذ 12 فبراير 2022.. والإلغاء المؤقت لأى إنفاق عام داخل أو خارج الموازنة ما لم يكن هناك التزام تعاقدى.. وتنفيذ ما ورد فى وثيقة ملكية الدولة بشأن تخارج الدولة ومؤسساتها من الأنشطة الاقتصادية وافساح المجال أمام القطاع الخاص.
حسين عبدربه يكتب: هل يملك الحوار الوطنى رفض وثيقة التوجهات الاستراتيجية
ومن أهم مطالب الغرفة إعادة وزارة الاستثمار وإنشاء وزارة اقتصاد من أجل التنسيق بين السياسات الاقتصادية للوزارات المختلفة.. فى إشارة إلى عدم جدوى المجموعة الوزارية الاقتصادية بمجلس الوزراء وأن بعض الوزارات تعمل فى جزر منعزلة.. ونص البيان على ضرورة العمل على التفاوض لإعادة جدولة بعض المديونيات الخارجية الثنائية غير التجارية بشروط تخفف من عبء خدمة هذه المديونية فى الأجل القصير.
وقد أراد بيان غرفة الإسكندرية أن يوجه رسالة للحكومة ولمن يديرون الأمور بألا تشغلكم الفرحة بمليارات الدعم والمساندة عن تحقيق إصلاحات حقيقية تضمن الخروج نهائيًا من الأزمة الاقتصادية وعدم تكرار أزمة سعر الصرف.. وأن هذه الإصلاحات المطلوبة يجب أن تجذب استثمارات محلية وأجنبية فى قطاعات يستهدفها الاقتصاد القومى لتحقيق تنمية مستدامة تضمن الحد من الواردات فى كثير من السلع وتحديدًا الاستراتيجية كالغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج.
إننا فى حاجة إلى شراكات استثمارية مثل “رأس الحكمة” بهذه الضخامة فى الصناعة والزراعة بإنشاء مناطق صناعية لتوطين صناعات استراتيجية وتكنولوجيا ذات عوائد تصديرية بشروط ميسرة، وكذلك الأمر بالنسبة للزراعة فلدينا مناطق مثل توشكى والوادى الجديد والعوينات بها مساحات كبيرة لماذا لا نسهل الأمر أمام القطاع الخاص ليعمل فى هذه المناطق وزراعتها حتى ولو بالشراكة مع الدولة لزراعة القمح وفول الصويا وما يتم استيراده من أغذية ومستلزماتها.
حسين عبدربه يكتب: من كواليس التعديل الوزارى المرتقب
واعتقد أن بيان غرفة الإسكندرية يعبر عن مطالب جميع منظمات الأعمال فى مصر بل ويعبر عن رأى كل مواطن بأن الإصلاحات يجب أن تستمر وأن صفقة رأس الحكمة لم تنه الأزمة الاقتصادية بل خففت من آثارها مؤقتًا وأعطت للاقتصاد قبلة الحياة فى التعافى بشرط استكمال العلاج والمتمثل فى روشتة الإصلاحات الهيكلية.. ونأمل ألا تمد صفقة رأس الحكمة فى عمر الحكومة الحالية كثيرًا.. لأن الفترة القادمة تتطلب حكومة جديدة بدماء جديدة بأفكار جديدة قادرة على تنفيذ ما هو مطلوب من إصلاحات.
والأهم فى الحكومة الجديدة اختيار مجموعة وزارية اقتصادية لديها فكر اقتصادى تنموى ومتناسقة فيما بينها وأن يعملوا كفريق عمل واحد وليست كجزر منعزلة.. ولا يجب أن نغفل أن المواطن قد فاض به الكيل ولم يعد أحد قادرًا على التحمل لهذا الغلاء ولا لحالة عدم اليقين بشأن الأزمة الاقتصادية ومن هنا علينا أن نوجه رسائل للمواطن وللمستثمرين بأن مصر ماضية لا محالة فى طريق الإصلاح لأنه الطريق الوحيد للنجاة.. لأن المساعدات لا تدوم كثيرًا.