عمدت شركة “مارس” لتقليص حجم لوح شوكولا “جالاكسي” (Galaxy) الشهير في بريطانيا العام الماضي، فخفضت وزنه بقدر 10 جرامات وجددت غلافه دون أن تجلب الانتباه لذلك ودون أن تخفض سعره كذلك. ما فعلته لم يفاجئ تجار الكاكاو لكن زبائنها استغربوه.
يبدو أن الشركة التي مضى على تأسيسها 113 عاماً وتشتهر بأنواع شتى من الحلوى المغلفة بينها “تويكس” و”إم آند إمز”، قد اتبعت نهجاً تعرفه شركات الحلويات وهو السعي لبيع الناس قطعاً أصغر من الشوكولا حين ترتفع أسعار الكاكاو، فيما يبلغ الأمر ببعضها أن تنتج أصنافاً تخلو تماماً من الشوكولا.
ارتفعت أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية، ولا يتوقع المنخرطون في السوق أي استقرار للأسعار على المدى القريب. جمحت الأسعار فيما يواجه أكبر منتجين للكاكاو في العالم في غرب أفريقيا موجات جفاف وآفات فضلاً عن مشكلات هيكلية قد تستمر لسنوات. بلغ متوسط العقود الآجلة المتداولة في نيويورك أقل بكثير من 3500 دولار للطن في الأعوام الممتدة بين ثمانينيات القرن العشرين وعام 2023. في 22 فبراير، تجاوزت العقود الآجلة لأسعار الكاكاو 6 آلاف دولار للطن لأول مرة، كما تنتشر مخاوف في السوق من استمرار ارتفاع أسعاره.
ارتفاع التكاليف
كتب متحدث باسم “مارس ريغلي” (Mars Wrigley) في بريطانيا في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “لقد حاولنا باستمرار إيجاد طرق لاستيعاب التكاليف الصاعدة للمواد الخام والتشغيل… إن تقليص حجم منتجاتنا لم يكن قراراً اتخذناه على عجالة”.
حتى الآن، كانت الشركات تمرر التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين. لكن لأن لا أحد يتقوت على الشوكولا كي يعيش، فإن كل زيادة أسعار تحمل خطراً على حجم المبيعات. لقد خلص استبيان من شركة “إن آي كيو” (NIQ) لمعلومات المستهلك في سبتمبر إلى أنه يُرجح أن يخفض المستهلكون إنفاقهم على الشوكولا والحلوى إن استمر التضخم، وهذه الفئة من المواد الاستهلاكية تلي الكحول والمكياج في هذا السياق.
قال بريان ماكيون، نائب الرئيس الأول للسياسة العامة في الرابطة الوطنية للحلوانيين، خلال مؤتمر “أسبوع الكاكاو” الذي أُقيم في أمستردام في أوائل فبراير: “في نهاية المطاف واستدلالاً بحصائل المبيعات، إن التكلفة هي ما يقود ويؤثر بالدرجة الأولى على قرار الشراء”.
نكهات أخرى
بما أن هامش رفع الأسعار محدود، تُقلص الشركات حجم منتجاتها وتستخدم الأتمتة لخفض تكاليف الإنتاج كما تروج لمنتجات تحتوي قدراً أقل من الكاكاو أو من النكهات الرئيسية الأخرى. طرحت شركة “نستله” (Nestlé) حديثاً في بريطانيا نكهة البندق في مجموعة شوكولا “آيرو” (Aero) تزن القطعة منها 36 غراماً، أي نحو ثلث وزن ألواح الشوكولاتة المنافسة بفضل الفقاعات الهوائية التي يوحي بها اسمها التجاري. أما في الولايات المتحدة التي تصنع شوكولا “كيت كات” فيها شركة “هيرشي” (Hershey)، فإن أحدث إضافة إلى تشكيلة النكهات الدائمة كانت “دونات مكسو بالشوكولا” وهو منتج تعمد فيه إلى غمس جزئي بالشوكولا بدل الكامل. هذا التخفيض جعل الشوكولا وزبدة الكاكاو في أسفل قائمة المكونات مقارنةً مع مكونات “كيت كات” الكلاسيكية.
يُعتبر التسويق الذي يركز على المنتجات المحشوة أو التي تحوي شوكولا أقل “مطروحاً بالتأكيد”، كما يقول بيلي روبرتس ، كبير الاقتصاديين في قسم الأغذية والمشروبات في “كو بنك” (CoBank)، وهو مصدر رئيسي للائتمان في قطاع الزراعة الأمريكي.
قال كما يقول كارل كواش (الحفيد)، رئيس قسم الوجبات الخفيفة والتغذية في “يورومونيتور إنترناشيونال” (Euromonitor International) إن أكثر من 40% من ألواح الشوكولاتة المصنعة التي تُباع في الولايات المتحدة اليوم بات محشواً بمكونات أخرى، سواء كان ذلك كراميل أو مكسرات أو فاكهة، أضاف: “تراجع هذا الاتجاه لفترة من الوقت، إلا أن السوق ستشهد مزيداً من هذه الابتكارات وسط ارتفاع أسعار الكاكاو وبحث المستهلكين عن لذيذ المأكولات”.
إيجاد بدائل
كان هذا التحول بكامله بيناً خلال مباريات “سوبر بول” التي شاهدها نحو 124 مليون متابع عبر البث التلفزيوني في فبراير. فبدل أن تروج شركات الحلويات العملاقة لمنتجات الشوكولا التقليدية الغنية بالكاكاو عبر الإعلانات التجارية التي تكلفها ملايين الدولارات في هذا المحفل، عرضت “مارس” “إم آند إمز” المحشوة بزبدة الفول السوداني وروجت و”هيرشي” حلوى “ريسز كب” تحوي مزيداً من الكراميل.
قال جيم ساليرا، المحلل لدى شركة “ستيفنز” (Stephens)، متطرقاً لإعلان “ريسز” المثير للانتباه في ترويج “كاراميل بيغ كوب” إن هذه الطريقة “الأنسب لهذه الشركات لدفع أكبر علامتها التجارية عبر الإعلانات الفعالة، مع ابتكار نكهة تستخدم مكونات أخرى غير الشوكولا.” رفضت “هيرشي” التعليق عن الأمر.
تُعتبر زبدة الكاكاو، التي تُنتج من طحن بذور الكاكاو، مكوناً رئيسياً في صناعة الشوكولا. إذ إن خُمس مكونات لوح الشوكولا بالحليب هو زبدة الكاكاو. لكن بعض الشركات المصنعة للمواد الغذائية تجد طرقاً لاستبدال زبدة الكاكاو في منتجاتها ببدائل أرخص مثل زيت النخيل. تُشير الشركة السويدية “إي إي كي” (AAK)، وهي تصنع بدائل زبدة الكاكاو، إلى أن ارتفاع سعر الكاكاو وزبدته قد دفع مزيداً من العملاء إلى إعادة التفكير في منتجاتها، رغم أن اتجاه الشركات إلى إنتاج ألواح الحلوى الأصغر حجماً قد خفف من تأثير ارتفاع الأسعار إلى حد ما.
مقاربة غير صحيحة
إن فاعلية التحول من زبدة الكاكاو إلى بدائل أخرى أكبر في حالة المنتجات التي تحتوي شوكولا من أنواع أدنى، مثل الطبقات الرقيقة التي تكسو ألواح الغرانولا والحشوات في منتجات المخابز، لكنها لا تفلح في ألواح الشوكولا التقليدية. لطالما كانت بدائل الكاكاو أكثر شيوعاً في البلدان الحارة، لأن نقطة ذوبان زبدة الكاكاو المنخفضة في تلك البلدان تسبب مشكلة.
تعليقاً على ذلك، قال مارك شنايدر، الرئيس التنفيذي لشركة “نستله” خلال مكالمة مع الصحفيين في 22 فبراير: “إن العبث بالوصفات والنكهات لمجرد ارتفاع أسعار الكاكاو في رأيي سيكون خطأً”، وإن الشركة قد تحتاج لتعديل استراتيجية التسويق أو دعم العلامة التجارية، لكن هذا “مجرد اختلاف آخر في تكلفة السلع يتعين علينا التعامل معه تكتيكياً”. على سبيل المثال، واجهت الصناعة مؤخراً ارتفاع أسعار السكر.
عادةً ما تستخدم شركات الشوكولا سوق العقود المستقبلية للتحوط من المخاطر، وتشتري عقوداً مستقبلية للكاكاو لمدد ثمانية إلى تسعة أشهر كحماية. بسبب ارتفاع الأسعار، خفضت بعض الشركات هذه الحماية إلى ستة أشهر في نهاية العام الماضي على أمل أن نتراجع الأسعار، إلا أنها واصلت ارتفاعها فأُجبرت هذه الشركات على العودة إلى السوق، وهي ما تزال محمية لمدة سبعة أو سبعة أشهر ونصف فقط، وفقاً لـ”ماريكس غروب” (Marex Group) لسمسرة السلع.
كما خفض محللون لدى “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) مؤخراً تصنيف سهم “هيرشي” وأشاروا إلى أن “فترة ارتفاع أسعار الكاكاو التي بدأت في منتصف 2023 قد تؤثر على الشركة في 2025”.
توسيع نطاق الأعمال
تشجع الأسعار المرتفعة الشركات على مواصلة تنويع منتجاتها بعيداً عن الشوكولا. قال نيك مودي، الرئيس المشارك في قسم الأبحاث المتعلقة بالاستهلاك ومبيعات التجزئة العالمية في “آر بي سي كابيتال ماركتس” (RBC Capital Markets): “تسعى هذه الشركات لتنويع منتجاتها بعيداً عن الشوكولا التقليدية لتشمل أنواعاً جديدة من الحلوى… بدأت جميع الشركات تفكر جدياً في كيفية تطوير وتوسيع نطاق أعمالها في هذا المجال نظراً إلى ما يحدث مع الشوكولا، وهي الفئة التي خضعت للضغط”.
كشفت “هيرشي” خلال المؤتمر السنوي لمجموعة محللي المستهلك الذي عُقد في نيويورك في بوكا راتون بفلوريدا، في أواخر فبراير، النقاب عن أحدث خططها للمستقبل. حيث تسعى الشركة، التي تصنع شوكولا “كيسيز” (Kisses) الشهيرة منذ أكثر من قرن ولا تزال تعتبر ألواح “ريسيز” أكبر علاماتها التجارية، إلى زيادة قدرتها على إنتاج حلوى المضغ بنسبة 50% في 2024. ستساعد هذه الدفعة “هيرشي” على “الوصول إلى مستهلكينا بطرق جديدة ومختلفة”، وفقاً لما قالته ميشيل باك، الرئيسة التنفيذية وهي تدعو نجم الدوري الأميركي للمحترفين السابق وشريكها الجديد في صناعة الحلوى شاكيل أونيل إلى المسرح.
قال أونيل عن الحلوى، مشيراً إلى مساهمته في تطويرها مع “هيرشي”: “عندما تُطرح هذه المنتجات في السوق، نريدك أن تشتريها، وأن تستثمر فيها، وأن تستمتع بتناولها… عند زيارتي مختبر فريق البحث والتطوير التابع للشركة التي تشتهر بصناعة الشوكولاتة، كنت أتناول هذه الحلوى طوال اليوم”.