شهدت ثاني أكبر سوق للسندات المرتبطة بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في العالم بدء انسحاب العملاء من الشركات.
تسببت عوامل عديدة، مثل المتطلبات التنظيمية الإضافية ونقص الحوافز المالية ومخاطر الاتهام بالغسل الأخضر، في نفور العملاء الذين كانوا متحمسين لإضافة تصنيف بيئي أو اجتماعي أو مؤسسي لتمويلهم قبل بضعة أعوام فقط، وفقاً لمصرفيين ومحامين قريبين من السوق.
تُعرف المنتجات المعنية بـ”القروض المرتبطة بالاستدامة”، وهي سوق قدرت “بلومبرج إن إي إف” قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار، مما يجعلها في المرتبة الثانية من حيث الحجم بعد السوق العالمية للسندات الخضراء.
كان المقترضون والممولون، غير المقيدين باللوائح التنظيمية بشكل كبير، يتمتعون بحرية نسبية في تحديد معاييرهم الخاصة للقروض المرتبطة بالاستدامة. لكن يبدو أن السوق تشهد تراجعاً أوسع نطاقاً مع بدء هيئات الرقابة المالية في وضع حدود للتصنيف البيئي والاجتماعي والحوكمة.
انخفض إصدار القروض المرتبطة بالاستدامة بنسبة 56% خلال العام الماضي ليصل إلى 203 مليارات دولار، حسب بيانات جمعتها “بلومبرج”. ورغم أن 2023 كان عاماً صعباً على مستوى أسواق الديون، فقد كان الانخفاض في القروض المرتبطة بالاستدامة يعادل تقريباً ضعف ما كانت عليه القروض الخضراء. علاوة على ذلك، ارتفع الطلب على القروض الخضراء مجدداً في 2024، فيما واصل إصدارها الانخفاض، ليسجل تراجعاً بنسبة 74% حتى الآن هذا العام، وفقاً لبيانات “بلومبرغ”.
عام حاسم للمقترضين والمقرضين
تقول راشيل ريتشاردسون، رئيسة الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة لدى شركة “ماكفارلانز” (Macfarlanes) للمحاماة ومقرها في لندن، إن هذا العام ربما يكون “نقطة حاسمة بعض الشيء لكل من المقترضين والمقرضين” في سوق القروض المرتبطة بالاستدامة.
أوضحت أنه “عندما يتعلق الأمر بإعادة تمويل القروض المرتبطة بالاستدامة الصادرة قبل ثلاثة أو أربعة أعوام، يجب أن يفكر المقترضون والمقرضون جيداً في وضع السوق آنذاك- عندما كانت في بداياتها- وأين أصبحت الآن”، ويتعلق السؤال بعد ذلك “بما إذا كان من المناسب لهم الحصول على قرض آخر مرتبطاً بالاستدامة”.
كان أحد العوامل الرئيسية وراء انخفاض إصدار قروض مرتبطة بالاستدامة هو إنفاذ قوانين الاتحاد الأوروبي التي تتطلب من الشركات توثيق مطالباتها البيئية والاجتماعية والحوكمة، وفقاً لأحد المصرفيين الذين قابلتهم “بلومبرغ” والذي طلب عدم الكشف عن اسمه نظراً لمناقشته مفاوضات خاصة.
يُجبر توجيه إعداد تقارير الاستدامة الآن الشركات العاملة في الكتلة الأوروبية على تقديم كميات هائلة من البيانات لدعم كل بيان استدامة يصدرونه تقريباً.
رغم أن توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات لم يكن منصوصاً عليه لتنظيم القروض المرتبطة بالاستدامة، يشير العملاء من الشركات بشكل متزايد إلى هذا التوجيه كعامل مثبط للاستفادة من سوق القروض المرتبطة بالاستدامة، نظراً لتزايد مخاطر اتهامهم بالغسل الأخضر، وفقاً للمصرفي.
مخاطر الغسل الأخضر
تعد هذه أحدث علامة تُبرز وجود تحديات في الجزء الأقل شفافية في صناعة الصفقات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. في العام الماضي، أصدرت هيئة السلوك المالي تحذيراً صارماً يستهدف سوق القروض المرتبطة بالاستدامة، قائلة إنها معرضة لمخاطر “الاتهام بالغسل الأخضر”.
هناك عامل آخر مثبط للجهات المصدرة للقروض هو اختفاء العلاوة الخضراء على القروض المرتبطة بالاستدامة، أي الفائدة الأقل التي كان يتمتع بها المقترضون وفقاً للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة سابقاً، وفقاً لمصرفيين قابلتهم “بلومبرغ”. أوضح أحد المصرفيين أن الفائدة البالغة 10 نقاط أساس على القروض المرتبطة بالاستدامة التي كان يستطيع المقترض ادخارها في السابق تراجعت الآن بشكل كبير بسبب تكلفة التدقيق السنوي المطلوب للتأكد من تلبية الأهداف المرتبطة بتلك القروض.
قالت ريتشاردسون إن “بعض الأشخاص سيشعرون أن القروض المرتبطة بالاستدامة لم تعد مناسبة”، ويرجع ذلك جزئياً إلى “أنهم لا يريدون تحمل التكاليف الإضافية لتقييمات الشركات الخارجية وتأكيداتها”.
من الناحية العملية، يبدو أن العديد من العملاء، الذين ربطوا علامات الاستدامة بالتسهيلات الائتمانية المتجددة قبل بضعة أعوام، يجددون الآن تلك التسهيلات الائتمانية لكن في شكل قروض عادية، وفقاً لأحد المصرفيين الذين قابلتهم “بلومبرغ”.
تحدث مصرفي آخر متخصص في القروض المرتبطة بالاستدامة عن اتجاه متزايد بين العملاء لعدم الامتثال لما يسمى “بند اللقاء”. وأوضح أنه بموجب هذه البنود، فإن المقترضين الذين وافقوا على تحول القروض العادية إلى أخرى مرتبطة بالاستدامة، لا يواصلون تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بتحول القروض بمجرد تحقق أهداف الاستدامة، ومدى انتشار هذه الممارسة في السوق غير معلوم لكنه كبير.
ما هي القروض المرتبطة بالاستدامة؟
القرض المرتبط بالاستدامة هو قرض غالباً ما يتخذ شكل تسهيل ائتماني متجدد، ويتطلب من المقترض الامتثال لمتطلبات الاستدامة الواردة فيما يُعرف بـ”مؤشرات الأداء الرئيسية”. تتشابه تلك القروض في هيكلها مع السندات المرتبطة بالاستدامة، لكنها تأتي مع وثائق عامة أقل بكثير لأنها تكون في الغالب اتفاقيات ثنائية بين المقترضين والمصرفيين.
غالباً ما يروج المقترضون علناً لقدرتهم على اقتراض القروض المرتبطة بالاستدامة كدليل على أن مطالباتهم بالاستدامة مشروعة. وكانت البنوك تميل إلى إدراج مثل هذه المنتجات في أهدافها الشاملة للتمويل المستدام، رغم أن عدداً متزايداً من المقرضين توقفوا عن فعل ذلك، نظراً للمخاطر المتصورة المتمثلة في اتهامهم بالغسل الأخضر، وذلك حسب تقرير سابق لـ”بلومبرج”.