زيادة تاريخية بقيمة 600 نقطة أساس تصل بسعر الإقراض لدى البنك إلى 27.25%
رغم أن خطوة تحرير سعر الصرف كانت متوقعة كما كان معروفًا أيضًا أن ذلك سيكون مصحوبًا برفع استثنائى للفائدة، لكن قرار البنك المركزى برفع الفائدة 6% دفعة واحدة كان مفاجئًا.
جاء الرفع أكبر من كل توقعات بنوك الاستثمار المحلية والعالمية خصوصًا أنه جاء بعد أقل من شهر على رفع آخر بمعدل 2%، وهو ما ترك الفائدة على الجنيه عند مستوى 27.25% وهو مستوى لم نره فى العقود الأربعة الأخيرة على الأقل.
ورغم أن مصر مرت بأزمة مشابهة قبل 8 سنوات واضطرت لاتخاذ إجراءات حادة لتصحيح السياستين المالية والنقدية ضمن برنامج اقتصادى ممول جزئيا من صندوق النقد الدولى فى 2016، إلا أن البنك المركزى اتبعت سياسة أكثر تدرجًا فى التشديد النقدى الذى قام به بعد تحرير العملة آنذاك.
فقد أقدم البنك المركزى على رفع الفائدة 3% مع تحرير العملة فى الثالث من نوفمبر 2016 ووجه البنوك العامة بطرح شهادات بفائدة 20% أى أزيد نحو 4.5% عن فائدة الكوريدور.
وواصل البنك رحلة التشديد النقدى حتى وصلت ذروتها فى 19.75%، ولم يكن السوق مُرحبًا بزيادة الفائدة مرتين بواقع 2% لكل منهما واعتبره حينها تشديدًا غير مبرر خاصة أن التضخم كان ناتج من جانب الطلب.
«أسعار الفائدة» تجبر شركات التمويل الاستهلاكى على تغيير خطط الأسعار
حدث ذلك رغم معدلات التضخم التى وصلت فى يوليو 2017 إلى نحو 35% أى أعلى من المعدلات الحالية، وكانت الأولوية حينها للبنك المركزى الحفاظ على مستويات عائد إيجابية على أدوات الدين الحكومى، وما تم الاستشهاد بتصدر مصر لمؤشر “بلومبرج” لأسعار الفائدة الحالية، ورغم أن وزير المالية، محمد معيط، قال فى تصريح شهير أن “مصر تعلمت من خطأ الماضى ولن تعود للاعتماد على الأموال الساخنة”.
جاءت زيادة الفائدة أمس رغم أن مستويات العائد قبل أسبوعين كانت “متسقة” مع جهود تحقيق مستهدفات التضخم بحسب بيان البنك المركزى، والتى توقع استمرارها فى الزياد عن نمطها المعتاد، بما ينعكس على تضخم كل من السلع الغذائية وغير الغذائية.
وبحسب البيان كان من المتوقع استمرار تلك الضغوط في ضوء إجراءات ضبط المالية العامة، وخاصة من جانب العرض، لكن حينها أشار المركزى إلى ارتفاع معدل نمو السيولة المحلية عن متوسطه التاريخي ساهم في تصاعد الضغوط التضخمية.
وبرر محافظ البنك المركزى، حسن عبد الله، خلال مؤتمر صحفى أمس الزيادة الكبيرة فى أسعار الفائدة وبواقع 600 نقطة أساس بالرغبة فى كبح التضخم والعودة لمستويات الفائدة الموجبة.
وقال البنك فى بيان أمس، إنه يدرك أن التقييد النقدي يمكن أن يؤدى إلى تراجع الائتمان الحقيقي الممنوح للقطاع الخاص على المدى القصير، إلا أن ارتفاع الضغوط التضخمية يشكل خطراً أكبر على استقرار وتنافسية القطاع الخاص. ولذلك يعي البنك المركزي أن تحقيق استقرار الأسعار يخلق مناخاً مشجعاً للاستثمار والنمو المستدام للقطاع الخاص على المدى المتوسط.
وبلغت الزيادة فى أسعار الفائدة منذ بداية العام الحالى 800 نقطة أساس فى بداية تطبيق البرنامج الاقتصادى الجديد مع صندوق النقد الدولى، فى حين بلغت كل الزيادات المصاحبة لبرنامج صندوق النقد فى 2016 نحو 700 نقطة أساس.
الدولار يرتفع 60% لدى البنك المركزى اليوم ويسجل 49.57 جنيه
الفائدة التى وصلت لها مصر حاليًا تجعلها أعلى من نظيرتها الأمريكية بنحو 22.5%، فى حين كان الفارق فى 2017 نحو 19.25%، فى حين أن فروقات التضخم أقل نسبيًا عند 26.3% حاليًا مقارنة مع 27.3% فى يناير 2017.
وفى يناير 2017 سجل التضخم فى مصر نحو 29.8% فيما كان فى أمريكا نحو 2.5%، وحاليًا يسجل التضخم فى مصر 29.3% فيما يسجل التضخم الأمريكى نحو 3.5%.
وكان البنك المركزى قد توقع فى أغسطس الماضى أن يصل التضخم ذروته فى النصف الثانى من 2023 على أن يبدأ فى التراجع نحو مستهدفات التضخم والتى تتراوح بين 5 و9%.
ومن اللافت للنظر أن البنك المركزى يتوقع بالفعل تباطؤ النشاط الاقتصادى وأن وزارة التخطيط خفضت توقعاتها للنمو فى مصر إلى 3% مقارنة مع 4.1%.
ومنذ تعيين حسن عبدالله قائمًا بأعمال المحافظ فى أغسطس 2022 زادت أسعار الفائدة على الجنيه بنحو 1600 نقطة أساس، أى بأكثر من الضعف، وكان ذلك للتعامل مع التضخم الذى بلغ 38% فى سبتمبر الماضى قبل أن يتراجع إلى 29.8% فى يناير الماضى.
“المركزى” يطلب من البنوك مراجعة الطلبات العالقة لتدبير النقد الأجنبى
ويرى هانى جنينة، أن البنك المركزى كان لديه مجال لرفع الفائدة حتى 10% وليس 8% فقط خلال فبراير الحالى فى ظل النمو الكبير للمعروض النقدى ونقص المعروض من السلع وسرعة دوران الأموال فى صورة ترسم بشكل مثالى ضروريات رفع الفائدة.
تقديرات “جنينة” كانت الأقرب للتشديد النقدى العنيف من قبل البنك المركزى إذ توقع رفع قدره 5% خلال اجتماعى فبراير ومارس، لكنه كان مختلف إلى حد كبير عن تقديرات “الأهلى فاروس” برفع الفائدة 2% إضافية، وهى التقديرات الذى اشترك معهم فيها “جى بى مورجان” و”سى آى كابيتال”، و”فيتش سوليوشنز”، فى حين توقعت “كابيتال أيكونوميكس” رفع 1% بخلاف الزيادة 2% التى أقرها المركزى.
وقال محلل فى أحد بنوك الاستثمار، إن رفع الفائدة كان أعنف مما ينبغى خاصة أن 3% كان بوسعها جلب التأثير نفسه لكن ربما لم تكن كافية لإقناع صندوق النقد لتغيير مدرسته التقليدية المعتمدة على تحول العائد السلبى إلى إيجابى، وربما حاولت إدارة توقعات التضخم وجذب ثقة المودعين.
لكنه أشار إلى أن التداعيات السلبية للزيادة الكبيرة للفائدة على النمو الاقتصادى وميزانية الدولة ستكون كبيرة، إلا فى حال دخلت حصيلة صفقة رأس الحكمة أو جزء كبير منها للموازنة العامة للدولة، أو خفضت الدولة بشكل عنيف الدعم عن المحروقات.
وذكرت أن أزمة التضخم فى مصر ليست متعلقة بالطلب بشكل أساسى ولكنه جاء معظمه من عوامل العرض والعجز الهيكلى للموازنة، وأيضًا من التوسع الاستثمارى للدولة، وكشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولى أمس عن وضع سقف للاستثمارات العامة لا يتجاوز تريليون جنيه خلال العام المالى المقبل.